الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لا يا شيخ ... ! (أو نقد المرجعيات)

السيد نصر الدين السيد

2014 / 6 / 5
مواضيع وابحاث سياسية


"ما كل من لبس العمامة يزينها، ولا كل من ركب الحصان خيّال"
مثل شعبي مصري

مقدمة في الأنثروبولوجيا
يعتبر تصنيف البشر في مجموعات، تضم كل منها المتشابهين من الافراد، من أهم الأنشطة العلمية التي تشغل بال علماء الأنثروبولوجيا Anthropology (علم الانسان). وقد أطلق الأنثروبولوجيون على كل مجموعة اسم السلالة وميزوا، في احدى هذه التصنيفات، بين أربع سلالات بشرية هي:
1. السلالة القوقازية Caucasoid التي يتميز افرادها بالشعر المموج والانف الصغيرة والفم الرفيع والبشرة البيضاء الوردية.
2. السلالة الزنجية Negroid التي يتميز افرادها بالشعر الاجعد والانف الكبير والشفاه العريضة والبشرة شديدة السواد.
3. السلالة المنغولية Mongoloid التي يتميز افرادها بالشعر الأسود المسترسل والعيون المنحرفة والبشرة الصفراء اللون.
4. السلالة الأسترالية Australoid التي يتميز افرادها بالشعر المموج أو المجعد والانف العريضة والعيون عميقة المحاجر.

وتضم كل سلالة مجموعات فرعية فعلى سبيل المثال تضم السلالة القوقازية مجموعات فرعية مثل الآريون Aryans والساميون Semitic (العرب واليهود) والحاميون Hamitic (المصريون) والشماليون Nordic والبحر متوسطون Mediterranean. الا ان قائمة الأربع سلالات هذه هي قائمة منقوصة غاب عنها خامس السلالات ... سلالة "الخبراء" !

السلالة الغائبة
سلالة "الخبراء" هذه هي سلالة بشرية جديدة حديثة التكوين يتمتع افرادها بخصائص تميزهم عن عموم الناس. واولى هذه الخصائص هذه الخصائص هي ظهورهم المكثف والمتكرر في برامج التوك شو على الفضائيات. وثاني الخصائص هي قدرتهم الفائقة على "اللغو"، او الاسترسال في الكلام أي كلام فالعبرة عندهم هي دوام الكلام لا إيصال المعاني وتوضيح الافكار. اما ثالثها فهو اجادتهم لاستخدام أساليب التدليس اللغوية، بمختلف اشكالها، بدءا من استخدام العبارات "المبهمة" و"الملتبسة" و"المحملة" وإنتهاءا باستخدام أساليب "الأسئلة المحملة" و"الثقة الزائفة (المضللة)" والانتقائية" (انظر الملحق).


وبالطبع ليس من المستغرب ان تنشأ هذه السلالة في زمننا الحالي وتجد في مجتمعنا المعاصر بيئة مواتية للتنامي والازدهار. فزماننا هو زمن "كسل العقول"، زمن تحول فيه "التفكير" من "فرض عين" على كل فرد من أفراد المجتمع المصري أداءه إلى "فرض كفاية" يقوم به بعض أفراد هذا المجتمع بالنيابة عن الآخرين. وهو زمن أتاحت فيه وسائل الإعلام لمدعى العلم من منتحلي الألقاب فرصة ترويج أفكارهم والظهور بمظهر "الثقات" و"المرجعيات" في مختلف المجالات.


وكما تضم كل سلالة بشرية مجموعات فرعية نجد ان سلالة الخبراء تضم هي الأخرى طوائف متنوعة. وأول هذه الطوائف هي طائفة "الخبراء الكشكول" (بتوع كله) التي يشارك أفرادها في أي نقاش أيا كان موضوعه بدءا من مشكلة سد النهضة وإنتهاءا بمشكلة أطفال الشوارع مرورا بمشكلة التحرش بالإناث. وثاني هذه الطوائف هي طائفة "خبراء الشؤون الدينية" التي يتميز غالب أعضاءها بعلامات ظاهرية تميزهم عن الآخرين بدءا من لحية معفاة وشارب محفوف تعلوهما زبيبة صلاة وإنتهاءا بجلباب قصير ابيض وغترة حمراء او بيضاء تكسو الرأس. اما خطابهم فيتميز بوفرة "العنعنات" فسند أي مقولة هو ما قاله فلان عن علان عن ... وثالث هذه الطوائف هي طائفة "خبراء الشؤون الدنيوية" الذي ينتقي كل عضو فيها أحد المجالات ويلصقه بكلمة خبير فنرى على سبيل المثال "خبير أمني" و"خبير استراتيجي" و"خبير اقتصادي" و"خبير ما عرفش ايه". وهنا نتوقف لنتساءل كم من هؤلاء الخبراء ينطبق عليه تعريف الخبير. فالخبير هو "الشخص الذي أكسبته كلا من الدراسة الممتدة والممارسة العملية الطويلة المعرفة والمهارات المتعلقة بمجال معين، مما يجعل رأيه في التعامل مع المواقف المعقدة والمتشابكة امرا لاغنى عنه، وذلك عبر ما يقدمه من توصيات متعلقة بجمع المعلومات المتعلقة بالموقف قيد البحث، وبأفضل طرق حل المشاكل التي يتضمنها الموقف".


الزن في الودان
يؤمن اغلب افراد سلالة الخبراء بالمثل المصري "الزن فى الودان امر من السحر في الابدان" فتراهم حريصون علي الظهور الدائم في البرامج الحوارية "عمال على بطال". وهم يعتبرون ان "البعيد عن العين بعيد عن الألب (القلب)" وان تواجدهم الدائم والمتكرر سيوحي للمشاهدين بأنهم من العالمين ببواطن الأمور وانهم من "المرجعيات". وهنا تكتمل المأساة فتحولهم من مجرد مشاركين الى "مرجعيات" وقناعة المشاهدين بهذا التحول يوقعنا في كارثة مغالطة "الاحتكام للمرجعيات غير المناسبة" Appeal to Inappropriate Authority. وتقع هذه المغالطة عندما يعتقد شخص ما بصحة رأي أو فكرة استنادا فقط لشخصية قائلها او مروجها وهي تأخذ الشكل التالي:
فلان "خبير" في الموضوع العلاني
فلان قال حاجة في الموضوع العلاني
يبقى الحاجة ده بالضرورة صح

والقضية هنا ان الاكتفاء برأي فلان فقط، حتى لو كان خبير بحق، لا يعد سندا قويا ولا كافيا لتبني هذا الرأي فما بالك إذا كان القائل من سلالة الخبراء إياها. ولحماية أنفسنا من الوقوع في شرك مغالطة "الاحتكام للمرجعيات غير المناسبة" علينا الإجابة على الأسئلة التالية التي تشكل المعايير التي يمكن استخدامها في تقييم خطاب المرجعيات وقبل الاحتكام إلى ما جاء به:
1. هل هم من ذوي العلم بالموضوع قيد المناقشة؟
2. هل هم من المعترَف بعلمهم وخبرتهم من قبل المتخصصين في مجال الموضوع قيد المناقشة؟
3. هل مجال تخصصهم وثيق الصلة بالموضوع قيد المناقشة؟
4. هل هناك آراء أخرى يطرحها المتخصصون في الموضوع قيد المناقشة؟
5. هل تتميز لغة خطابهم بوضوحها ومباشرتها (أو خلوها من التدليس)؟
6. هل تبدو الحجج المطروحة في خطابهم منطقية؟
7. هل توجد مصالح خاصة تدفعهم للدفاع عما يعرضوه من أفكار بخصوص الموضوع قيد المناقشة؟
8. هل يتمتعون بسمعة طيبة ومصداقية في مجال تخصصهم (عدم وجود سوابق لهم في الغش)؟

فقط وبعد الإجابة على هذه الأسئلة يمكننا إما الاخذ برأي المرجعيات كأحد شواهد صحة ما نود القيام به من أفعال أو نقول لهم بلهجة استنكارية لا ... شيخ!

الملحق: من أساليب التدليس اللغوية

العبارات "المبهمة" Vague، هي تلك التي لا يوجد معنى محدد أو قطعي لها، والعبارات "الملتبسة" Ambiguous، هي تلك التي تتعدد معانيها ويغيب معيار واضح لاختيار أحدها. ومن أمثلة العبارات المبهمة التي يشيع استخدامها عبارات مثل "الأمة العربية" و"الأمة الإسلامية" و"الدين هو الحل" وهي عبارات فضاضة ومطاطية لا ترتكز على أي تعريف علمي دقيق ومحدد. أما الكلمات والعبارات الملتبسة فكثيرة ومن أبرز أمثلة هذه الكلمات كلمات "المقاومة" و"الجهاد".

ويقوم أسلوب "العبارات المحملة" على حقيقة بسيطة وهي أن العديد من الكلمات أو العبارات تتضمن معنى "تقييمي" بالإضافة إلى معناها "الوصفي". والكلمة، أو العبارة، المحملة هي تلك التي تحمل معنى وصفى واضح ومعنى تقييمي، سالب أو موجب، وتستخدم لحث الموجه لهم الخطاب على تقبل معناها التقييمي. فعلى سبيل المثال يمكن وصف الشخص المعتز بأفكاره بأنه "واثق من نفسه" أو بأنه "عنيد". وعلى الرغم من أن العبارتان تصفان نفس الشخص، أي تحملان نفس المعنى الوصفي، إلا المعنى التقييمي الذي تحمله العبارة الأولى يختلف تماما عن ذلك الذي تحمله العبارة الثانية. وبالمثل على الرغم من تماثل المعنى الوصفي لعبارتي "شديد الإيمان" و"متعصب" إلا أنهما ينطويا على معنى تقييمية مختلفة.

أما "الأسئلة المحملة" فهي تلك الأسئلة الموحية التي تحمل في طياتها ما نود الإعلان عنه من أراء أو الإيحاء به من أفكار. فعلى سبيل المثال ستؤدى إجابتك على السؤال التالي سواء بـ "نعم" أو "لا" إلى اتهامك بالكفر والخروج عن الملة: "هو إنتا لسه بتنكر ما هو معلوم من الدين بالضرورة؟" فإجابتك بـ "نعم" تعنى إقرارك بالذنب أما إجابتك بـ "لا" فتعنى أنك قد أذنبت بالفعل.

ويعتمد أسلوب "الثقة الزائفة (أو المضللة)" على ميل الناس إلى تصديق الآراء التي يعرضها صاحب الخطاب بطريقة واثقة. ويتولد هذا الإحساس الزائف بالثقة من استخدام صاحب الخطاب لعبارات ممن قبيل "زى ما الكل عارف" و "من الواضح" و"بالتأكيد" أو عبر التعبير عن آراءه بطريقة مسرحية.
وأخيرا، وليس آخرا، أسلوب "الانتقائية" الذي يعتمد على انتقاء صاحب الخطاب للشواهد التي تعزز من موقفه أو تدعم رأيه مع الإغفال المتعمد لكافة الشواهد الأخرى غير الداعمة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - نريد الصراحة لا التعميم
سلام عادل ( 2014 / 6 / 6 - 11:39 )
لك احترامي السيد نصر، فتحليلك منطقي ويشبع العقل. ولكن المشكلة انك انت نفسك لجلت الى استخدام نفس المنهج الذي تنتقده. فماذا يعني حديثك عن -الخبراء- و-المرجعيات- بشكل عام دون تحديد هوية او انتماء. ودعني اقولها عنك بان شيوخ الاسلام ودعاة الاسلام هم ابواق للكراهية وغسل دماغ الناس وترويج الكذب والكراهية والعداء بين الناس

اخر الافلام

.. ما محاور الخلاف داخل مجلس الحرب الإسرائيلي؟


.. اشتعال النيران قرب جدار الفصل العنصري بمدينة قلقيلية بالضفة




.. بدء دخول المساعدات عبر الرصيف الأمريكي العائم قبالة سواحل غز


.. غانتس لنتنياهو: إما الموافقة على خطة الحرب أو الاستقالة




.. شركة أميركية تسحب منتجاتها من -رقائق البطاطا الحارة- بعد وفا