الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل يجتمع اليسار على برنامج وطني...؟

حسن العديني

2014 / 6 / 6
مواضيع وابحاث سياسية


تخالجني بعض الشكوك في أن قيادات الأحزاب التي قلت إنها تشكل مثلث الأمل مهتمة بالدعوة إلى توحدها في كيان مستقل أو اجتماعها في جبهة وطنية عريضة في أدنى التقديرات. ولا يرجع هذا إلى عدم إدراك بالأزمة والإحساس بأن استمرارها على هذا الحال سوف يزيد من ضمورها وعزلتها عن الجماهير ويقودها في النهاية إلى التلاشي والانقراض.
ولقد شعرت بالخيبة لأن أحداً منهم لم يعرب عن أية وجهة نظر حيال الموضوع، سواءً بالاستحسان أو التحفظ، باستثناء الدكتور ياسين سعيد نعمان الذي بعث لي برسالة مشجعة من مكان تواجده للعلاج في الخارج الشهر قبل الماضي. وعندما حاولت أن أثير مناقشات عارضة في لقاءات جمعتني بالبعض وجدت إجابات ملتبسة على سؤال الأزمة أو استعجالاً في الجزم باستحالة الحل واتهاماً للآخرين بأنهم لا يريدون.
ربما بدا الحماس ظاهراً عند أشخاص ليسوا في مواقع القرار بأحزابهم، إما لأنها قد قررت الاستغناء عنهم منذ وقت بعيد، أو أنها وضعتهم في أماكن هامشية وتخلت عن الحاجة إلى جهودهم وحتى إلى آرائهم.
تبدو عدم مبالاة القيادات أنها فقدت اليقين بالرسالة التي تحملتها الأحزاب الوطنية يوم نشأت وحينما ناضلت وضحت، رغم أن الرسالة تلح اليوم بأكثر مما فعلت من قبل، ذلك أنها لا تتوجه إلى هدف التغيير والتطوير بقدر ما تهتم بضرورة إنقاذ البلاد من انهيار محقق إذا لم تجد من ينهض بها ويتولاها. وإذا لم يكن الأمر على هذا النحو فقد يقال إنها فقدت الثقة بقدرات أعضائها أو باستعداداتهم، ولعلها بعد هذا ومعه، فقدت الإيمان بالجماهير والتعويل على دورها، لكنها في جميع الحالات تتحمل المسئولية كلها ولا يعفيها من ذلك أنها تعرضت لقمع الأنظمة، فإن نيران الثورة لا تنبثق إلا من رماد القمع، وقد منحتها ثورة 11 فبراير فرصة نادرة لأن تحيي صلاتها بالجماهير..
وأحسب أن أزمة القوى الوطنية هي جزء من أزمة شاملة يعانيها اليسار العربي بمجمله، لكنها في اليمن لا يجب أن تنتظر المعالجات ضمن مواجهة الحالة العربية بمجملها، فلربما تأتي المبادرة هذه المرة من اليمن. وفي وقت قريب لاح الأمل من مصر مع السطوع الباهر لحمدين صباحي بسجله النضالي وبجاذبية زعامته وقدراته، لكن ارتباك المشهد المصري تحت السحب السوداء للإرهاب ألقى بالغشاوة في أعين القوى الوطنية المصرية وأفسد عليها لحظة تاريخية كان من الممكن أن تفتح الأبواب أمام القاهرة لتتولى الريادة من جديد وتقطر معها الحركة التقدمية في الوطن العربي بسائر بلدانه.
ذلك موضوع آخر في أي الأحوال يستحق وقفة مستقلة، وإنما الماثل الآن في اليمن يستدعي القوى الوطنية دون أن تلوح منها إجابة أو تصدر إشارة موحية بأنها تلقت الدعوة، سواءً فهمتها أم لم تفهمها.
وكنت افتتحت هذه السلسلة من الأحاديث بالكلام عما اعتبرته طوفان رعب جائح يتفجر من منابع ثلاثة، التيار الديني السلفي «من الاخوان المسلمين إلى تنظيم القاعدة وما بينهما من المسميات والأشكال التنظيمية، وقوى المذهبية الدينية بأوسع مسمياتها وأطرها التنظيمية من الحوثيين إلى روافدهم وعناصرهم المبثوثة في المشترك وفي غيره، وقوى المصالح التقليدية الموزعة بين جماعة الرئيس السابق والتجمع اليمني للاصلاح وسواهما». والحوادث شاهدة على أن الحياة ضجت بهدير هذا الطوفان سواء في الحرب الدائرة مع القاعدة أو في القتال الضاري في عمران.
ثم انعطف مجرى الحديث نحو ما اعتقد أنها قوى الأمل ممثلة في الاشتراكي والناصري والبعث، ولهذه شواهد من التاريخ في النضال الثوري وفي تجارب للحكم جسدها الاشتراكي في الجنوب والناصري في الشمال أنصع ما يكون، فضلاً عما مثلته التجربة التاريخية العربية سنوات المجد والتحدي.
ولقد ألمحت أن هذه القوى تستطيع من تراثها الفكري ومن حصيلة تجاربها أن تصيغ مشروعاً للمستقبل تنبثق منه برامج سياسية تجيب على أسئلة تحديات كل مرحلة وتقدم الحلول والأساليب والأدوات اللازمة لإنقاذ البلاد في المرحلة الأولى ثم للنهوض بها في مراحل لاحقة. وأمام المشروع ما يتمخض عنه من برامج فلست أعطي نفسي الحق في الاجتهاد نيابة عنهم، لكن الواقع يلقي بالمشاكل التي يتعين المتعامل معها بما يطرح عناوين رئيسية للمشروع الوطني وتفصيلية للبرنامج المرحلي.
وعلى افتراض مؤمل بأن تهتم القوى الثلاث بالدعوة وتناقشها فإنها وهي تفكر بالمشروع والبرنامج قد تتعامل مع منطلقاتها الفكرية بتردد أمام تأثير حقيقي لدعاية مكثفة لا ينفك مفكرو اليمين يطلقونها دائماً، فهم يقولون إن هذه القوى ما تزال أسيرة أجواء خمسينيات وستينيات القرن المنصرم، وذلك اتهام بالإقامة في ديار الماضي يصدر ممن لم يغادروا القرن التاسع عشر. أمام هذه الدعاية باتت بعض فصائل اليسار تتحرج من كلمة الاشتراكية إلى درجة التبرؤ منها، ومقابل هذا الحرج فهي لا تكف عن إعلان تبني الليبرالية وتحرير الاقتصاد وغيرهما من المصطلحات والمبادئ الفكرية التي تعزز هيمنة القوى الطفيلية على مقدرات المجتمع.
ولذلك فإن الحرية ببعديها السياسي والاجتماعي لا بد أن تكون ركيزة اساسية في مشروع المستقبل، فلم تزل محاولات التأسيس لديمقراطية حقيقية في بلدان العالم العربي تتعثر أمام حالة الاستلاب لقوى العمل، ولسوف تظل الديمقراطية بالغة الهشاشة ما بقيت سيطرة الاقطاع والرأسمالية على الاقتصاد. إن الدليل على خرافة الديمقراطية في ظل هيمنة قوى المال يتأكد من انفجار الأزمات في مصر وتونس واليمن بنفس عنفوان انفجارها في البلدان التي يحكمها حزب واحد، وتثبت من هنا ضرورة إعادة توزيع الثروة لضمان إعادة توزيع السلطة، لكن المسألة إنسانية يمليها مبدأ العدالة قبل أن تحتمها الحاجة لإنشاء ديمقراطية حقيقية.. غير أن أي مشروع أو برنامج سيتوجه في الظروف الراهنة إلى تحقيق السكينة العامة وتوفير شروط السلم الأهلي في المجتمع، ومع أن الضامن لهذا هو تغليب معيار العدالة الاجتماعية والقانونية فإن بناء مؤسسة عسكرية وأمنية وطنية من لوازم إطفاء الحرائق المشتعلة الآن ومن المتطلبات الهامة للاستقرار والاستقلال.. وقد تتصور الأحزاب الوطنية وجوب إنشاء مؤسسة عسكرية وأمنية موازية للمؤسسة الحالية وبديلة لها، فالمؤسسة القائمة لم تعد قابلة للإصلاح من خلال إعادة الهيكلة، لأن تكوينها القبلي والحزبي لا تفيد معه عملية تغيير الدم أو استبدال الأعضاء، ولذلك من المهم البدء بإنشاء وحدات جديدة معزولة عن الوحدات العسكرية والأمنية القديمة التي يجب أن تفكك شيئاً فشيئاً حتى تزيح مكانها للبديل الوطني.
إن الجيش هو الحارس والحامي، لكنه وحده لا يضمن الاستقلال الوطني، إذ إن الضامن الأول حرية المواطن وكرامته الإنسانية، وتحتهما تصطف مبادئ عديدة من المساواة أمام القانون إلى التنمية الاقتصادية والعدل الاجتماعي، إلى الحق في التعليم والثقافة والرفاهية، والتعليم هو جوهر هذا كله.
إن التعليم هو مبتدأ الحرية، ومبتدأ العدل، ومبتدأ الكرامة الإنسانية. وللأسف فإن الجاري في هذا المضمار هو التدمير بعينه.. وبالأمس احتج أصحاب الضمائر في الصحافة على إنشاء جامعة دينية جديدة في صنعاء أضيفت إلى سابقة وإلى معاهد ومدارس وحلقات تعليم في المساجد جميعها تصنع الجهل وتنتج التطرف وتزرع الفتنة.. ولم يبلغ الاحتجاج مسامع القيادات الحزبية ولا أعضاء مجلس النواب. وأما الحكومة فقد سمعت وغضبت، مع أن المأساة ليست محصورة في جامعتي الإيمان والقرآن، بل هي في مؤسسات التعليم كلها، حيث التدمير الشامل للعقل والذكاء.. إن مشروعاً للخلاص الوطني ينبغي أن يبدأ من تحرير العقول من الموروث الراسب والمدمر، وذاك واجب أحزاب العمل الوطني، واجب يلزمه أولاً التحرر من شيوخ الوعظ وشيوخ السلاح.
فهل يلتقون؟
هل يتفقون؟.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مطعم للطاكوس يحصل على نجمة في دليل ميشلان للمطاعم الراقية


.. فاغنر تتكاثر في ليبيا وتربط بين مناطق انتشارها من السودان إل




.. الاستئناف يؤكد سَجن الغنوشي 3 سنوات • فرانس 24 / FRANCE 24


.. روسيا تتقدم في خاركيف وتكشف عن خطة لإنشاء -منطقة عازلة- |#غر




.. تصعيد غير مسبوق بين حزب الله وإسرائيل...أسلحة جديدة تدخل الم