الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المالكي وملكوت الدولة العراقية

ميثم الجنابي
(Maythem Al-janabi)

2014 / 6 / 6
مواضيع وابحاث سياسية


للمرحلة الانتقالية فضائلها ورذائلها بوصفها الوحدة الضرورية التي يجري عبرها تذليل القديم الشائخ ومن ثم تهيئة الأرض لنبتات حية. وحالة العراق منذ الغزو الأمريكي ولحد الآن هي إحدى الصيغ النموذجية لهذه المرحلة الانتقالية. لكنها صيغة تتسم أيضا بقدر هائل من الخراب المادي والمعنوي الذي مسّ كل مفاصل الدولة والمجتمع والجماعات والأفراد والقيم. من هنا غلبة الطابع المؤذي فيما يجري فيه، وبالتالي صعوبة رؤية ملامح البدائل الحية والجميلة والمستقبلية. وقد تكون الفكرة الوطنية، والدولة الوطنية، والأبعاد الاجتماعية للفكرة السياسية من بين أكثرها تعرضا للانتهاك. ولا غرابة في الأمر على خليفة الانحطاط الشامل الذي "أنجزته" التوتاليتارية البعثية والدكتاتورية الصدامية على مدار عقود من الزمن. مع ما ترتب عليه من صعود مختلف أشكال ونماذج واليات البنية التقليدية، اي بنية ما قبل الدولة الحديثة. وهو أمر جلي في الموقف من فكرة الدولة والنظام السياسي. بحيث لا نرى فكرة، بل مواقف فقط. وهذه بدورها مجرد أهواء ومصالح جزئية وضيقة تعكس من حيث الجوهر طبيعة البنية التقليدية في الشعور والوعي.
وقد يكون الموقف ما يسمى بالولاية الثالثة للمالكي هي من بين أكثرها بروزا الآن. بحيث تحولت فكرة الولاية إلى رقم وليس إلى مظهر من مظاهر الفكرة الديمقراطية والنظام السياسي الجديد. وذلك لان حقيقة فكرة الولاية ليست عددا، بل منظومة وبدائل مرتبطة بإرادة المجتمع واختياره للقوى السياسية وشخصياتها.
إن التركيز على معارضة تولي المالكي ولاية ثالثة (وفي الحقيقة هي الولاية الأولى، وذلك لان كل ما كان زمن الاحتلال هو جزء من منظومة الاحتلال) يعكس الخلاف والصراع بين مشروعين ورؤيتين، بين الماضي والمستقبل، بين الفكرة والأهواء، بين النظام والفوضى، بين المصالح الجزئية والمصالح العامة، بين الغريزة والعقلانية. وفي هذا يكمن سر الصراع ومحدداته.
إن قضية الصراع مع المالكي أو ضده التي يجري تحويلها إلى قضية شخصية هو مجرد غطاء مثقوب لتغطية حقيقة الصراع بين ما يمثله (كتيار وفكرة وشخص) وبين معارضيه، اي صراع بين فكرة المنظومة والبدائل المستقبلية للدولة وبين غريزة البنية التقليدية (عوائل وعشائر وحثالة وأرياف). وهو أمر جلي في هذا الكم الهائل ممن يرغب في أن يكون رئيسا للوزراء! والسبب يكمن في إنهم لم يتوصلوا إلى إدراك الحقيقة القائلة، بان الرئيس رأس وليس ذيلا "لقائد" طارئ بفعل تقاليد العائلة والعشيرة والصدفة! وهذه بدورها ليست إلا الصيغة غير الواعية لنمط الذهنية التقليدية التي تعتقد بان السيد يولد سيدا والآخرين أتباع وخدم! كما نعثر عليه أيضا في ظاهرة تحول نفسية وذهنية العداء (للمالكي) إلى القوة الوحيدة الجامعة عند معارضيه.
لقد تحسست هذه القوى المعارضة ومازالت تحس بغريزتها التقليدية بخطر المالكي وتياره فيما يتعلق بتذليل نمط النفسية والذهنية التقليدية في الموقف من الدولة والنظام السياسي. فقد ارتبطت شخصية المالكي وتياره السياسي بفكرة العمل من اجل دولة شرعية محكومة بالدستور تذلل حالة الانحطاط. واستطاع إخراج قوة الاحتلال بالفكرة السياسية والقانونية، والعمل على تذليل حالة الفوضى والتشرذم الهائلة بسبب الانحطاط المريع للدولة والمجتمع. ومن ثم جمع ما يمكن جمعه بصورة تدريجية على كافة المستويات وبمختلف الأشكال عبر مشروع توحيدي اجتماعي وطني (من بناء وزراعة وتعليم)، اي كل ما يهدد نماذج الإقطاعيات المتخلفة. وليس مصادفة أن تكون بداية هذا التحسس من جانب المعارضة مسبوكا باتهامه بالدكتاتورية. أما في الواقع فقد كانت وما تزال حقيقة أفعاله تصب ضمن سياق تأسيس مركزية الدولة. أما خاتمة هذه العملية الحالية فتقوم في وضع فكرة الأغلبية السياسية بوصفها الصيغة الواقعية لتذليل التجزئة وإعادة توحيد الدولة والنظام السياسي والمجتمع على أسس وطنية جديدة ومستقبلية. وذلك لان المضمون الكامن في فكرة الأغلبية السياسية يقوم في تذليل شركة السرقة والابتزاز (المحاصصة والشراكة).ومن ثم تعبيد الطريق الفعلي صوب بناء النظام السياسي الديمقراطي الحقيقي.
إن حصيلة ما جرى ويجري بهذا الصدد تقوم في نفي التقاليد السياسية للملكية والجمهوريات العسكرية ودكتاتورية الحثالة الاجتماعية والهامشية السياسية. فإذا كانت نهاية نوري السعيد ليست سعيدة، وما بعدها خراب وتخريب، فان نهاية المالكي تحتوي على احتمال كبير لان تكون بداية الصيرورة الفعلية لملكوت الدولة الوطنية الحديثة ومشروعها المستقبلي في العراق.
***








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رهان ماكرون بحل البرلمان وانتخاب غيره أصبح على المحك بعد نتا


.. نتنياهو: سنواصل الحرب على غزة حتى هزيمة حماس بشكل كامل وإطلا




.. تساؤلات بشأن استمرار بايدن بالسباق الرئاسي بعد أداءه الضعيف


.. نتائج أولية.. الغزواني يفوز بفترة جديدة بانتخابات موريتانيا|




.. وزير الدفاع الإسرائيلي: سنواصل الحرب حتى تعجز حماس عن إعادة