الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في التمييز بين المقاومة والإرهاب

منير شحود

2005 / 7 / 26
مواضيع وابحاث سياسية


حملت التحولات التاريخية المختلفة التي حدثت في النصف الثاني من القرن العشرين, وتحديداً بعد الحرب العالمية الثانية, جملةً من المفاهيم التي تعززت وترسَّخت بفعل التطور العميق في وسائل الاتصال العالمية بعد انتهاء الحرب الباردة. وكان التحول الذي حدث على مفهوم مقاومة الأجنبي والمحتل كبيرا أيضاً في ظل هذه الظروف. وأصبح من العودة للماضي الحديث المبسَّط عن المقاومة في صيغتها المسلحة كحرب تحرير وطنية أو شعبية, ذلك لأن الاندماج الدولي الراهن أخرج فكرة المقاومة من إطارها التقليدي العنفي المشروع إلى فضاء التنافس في سبيل الرقي والتطور واستنباط أشكالٍ فاعلةٍ لا حصر لها, سياسية وسلمية, للتعبير عن الذات الوطنية, والإمكانيات المستجدة لإسماع صوت المظلوم إلى العالم كله لحظة بلحظة.
والعنف, كمكِّون أساسي من مكونات المقاومة, صار ينفصل تدريجياً عن حامله المشروع - المقاومة ليصبح كلاً بذاته, متحولاً إلى غايةٍ بحد ذاتها, وآخذاً صفة العمل الإرهابي, ما يجعل من إعادة صياغة مفهوم المقاومة إنقاذاً لها من السير نحو الجحيم.
وقد فتحت سرعة الاتصال والتلاقي أمام البشرية فرصة للتعبير السلمي عن المشاكل ومعالجتها بالتعاون والتنسيق الدوليين, بعيداً عن استخدام وسائل العنف, إلا كعمل دولي منظم تقتضيه مقاومة الأعمال العنفية الوحشية المتمثلة بما يحدث من تفجيرات هنا أو هناك, وعلى المستوى العالمي دون تمييز. ويظهر التعاون الدولي بأنبل تجلياته أيضاً في تقديم المساعدة عند حدوث الكوارث الطبيعية في أية بقعة من العالم, كما في التسونامي الأخيرة.
ويتطلب فك الإشكال الحادث بين المقاومة والإرهاب تحديداً واضحاً للمفهومين, بحيث تنأى أعمال المقاومة عن أي عمل عنيف, وتستغل كل أشكال المقاومة السلمية الديمقراطية لحمل العالم على التضامن مع أصحاب الحقوق المشروعة من أجل لجم المعتدين بالتنسيق والتعاون مع مجلس الأمن الدولي, والذي يحتاج برأينا المتواضع إلى تحديث هيكلي يحوله إلى ممثل حقيقي للإرادة الدولية في القرارات الأممية. ويعمل الإرهاب الأعمى على تسريع هذه العملية بانكشافه كعمل إجرامي أرعن.
ويبدو من الواضح كيف تصبح المقاومة العنفية العادلة أسيرة وسائلها هذه في الوقت الحاضر, وعدم تمكنها من التحول إلى العمل السياسي أو المقاومة بوسائل أخرى غير عنفية, كما يتبين من المواقف والأعمال الأخيرة لحزب الله اللبناني, والمقاومة الفلسطينية, وخاصة الإسلامية منها.
وسيبقى الاستبداد السياسي وبقايا الأنظمة الشمولية المتحكمة بشعوبها الحاضن الكامن لمشاريع الإرهاب والناشر لفيروساتها. ونظرة إلى ما حدث في العراق وحوله توضح كيف عملت البنى البعثية على احتضان المغرَّر بهم دينياً, ونقول ذلك رأفة بهؤلاء بالفعل؛ لأن العاطفة العمياء هي التي تقودهم إلى أفعالهم التدميرية, والتي تختلط فيها كل العواطف من أنبلها إلى أحطها, في حين يتلاعب الاستبداديون بهؤلاء, مؤمِّنين لهم كل الظروف والوسائل التي تجعلهم يحولون العالم من حولهم إلى جحيم.
ويقف العمى الإيديولوجي عند بعض القوى "المعارضة" في سوريا حائلاً دون رؤية الأمور على حقيقتها, فهي لم تستطع أن تعقل الظروف والممارسات الاستبدادية التي أتت بالمحتلين على العراق, والتي قد تأتي بهم إلى سوريا بوجود مثل هكذا معارضة. ولعل ما يسمى بـ "لجان نصرة الشعب العراقي", ومن يقف خلفها من أحزاب "معارضة" بحديثها عن "المقاومة العراقية الباسلة", لهي أبلغ مثالاً على ذلك العمى الأيديولوجي. ولا نبالغ إذا قلنا بأن هؤلاء يمثلون, موضوعياً, الأجنحة السياسية الناطقة باسم الإرهاب داخل بلدانهم أو خارجها.
ولقد كان الزرقاوي منسجماً مع نفسه عندما رفض التمييز بين المقاومة الشريفة وغير الشريفة في العراق. فالمقاومة الشريفة هي التي يجب أن تستخدم وسائل شريفة تتمايز عن الأعمال الإرهابية, وهذا ما لا نراه ولا نلمسه ولا نقرأه في أدبيات المقاومة. ولا سبيل إلى شرفنة هذه المقاومة في الوقت الحاضر إلا بأن تنأى بنفسها عن الأعمال البربرية التي تم تنسيقها قبل سقوط بغداد من قبل التحالف الأخطر والأشد فتكاً بين القوى الدينية المتطرفة والاستبداد البعثي "العلماني".
وتقع على عاتق القوى الإسلامية المعتدلة والمنفتحة, والتي سارعت لإدانة الأعمال الإرهابية الأخيرة في لندن وشرم الشيخ, مهمة جليلة تتعلق بنبذ كل أشكال العنف, ووضع تعريف معاصر للجهاد يستجيب لمجريات التحولات العالمية العميقة. ومن الضروري سحب النصوص الدينية التي ظاهرها العنف من المناهج التربوية, إذ أن تلك النصوص التي ظهرت في ظروف معينة, كانعكاسٍ لأنماط حياة صحراوية قاسية وصراعاتها, لا يمكن أن تُسحب إلى العصر الحالي بأية حال. ومثلما أنيطت وظيفة الجمل إلى وسائل النقل الحديثة في هذه الأيام, فإن بعض النصوص الدينية "المقاتلة" يجب النظر إليها تاريخياً, واستبدالها بمنظومة الأخلاق البشرية التي أثمرت قيماً إنسانية عامة, كان للأديان دوراً مهماً فيها. وسيعطي إدخال هذه القيم المشتركة في المناهج المدرسية مردوداً أكبر من التركيز على القيم المتسامحة في دين معين, كالإسلام مثلاً؛ لأن هذه القيم يمكن مقابلتها بنصوص أخرى تبدو مناقضةً لها.
ومن المهم توجيه الجهود العالمية نحو استئصال كل أشكال الفكر الاستبدادي والتكفيري بكافة الوسائل الممكنة, بما فيها الأنظمة التي تجدف ضد التاريخ أو تمثل بقاياه الأكثر نفوراً, وتقود شعوبها إلى اليأس المطلق والانتحار الرمزي أو الفعلي.
ولا بد للأمم المتحدة من تفعيل نشاطاتها في الإطار الإنساني ككل لمواجهة مشاكل الفقر, والفكر المتطرف الديني؛ فكما تقوم بوضع برامج تلقيح الأطفال من الأمراض السارية يمكن أن تعمل أيضاً على تلقيح أدمغة هؤلاء ضد الأفكار المتطرفة بمراقبة المناهج المدرسية على المستوى العالمي, ونشر ثقافة حقوق الإنسان المكرسة لخير الإنسان ورفاهيته, والتي لا يمكن أن تتعارض مع روحية أي دين.













التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ألعاب باريس 2024: اليونان تسلم الشعلة الأولمبية للمنظمين الف


.. جهود مصرية للتوصل لاتفاق بشأن الهدنة في غزة | #غرفة_الأخبار




.. نتنياهو غاضب.. ثورة ضد إسرائيل تجتاح الجامعات الاميركية | #ا


.. إسرائيل تجهّز قواتها لاجتياح لبنان.. هل حصلت على ضوء أخضر أم




.. مسيرات روسيا تحرق الدبابات الأميركية في أوكرانيا.. وبوتين يس