الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


النظرية النسبية

حامد سيد رمضان

2014 / 6 / 8
الطب , والعلوم


نحتاج قبل الدخول إلى مفاهيم النظرية النسبية تعريف مفهوم الأبعاد المكانية والزمنية حيث أن كثيرا ما تعرف النظرية النسبية على أنها نظرية البعد الرابع. فما هي هذا الأبعاد الأربعة وكيف نستخدمها ولماذا اينشتين العالم الأول الذي أكد على ضرورة استخدام البعد الرابع (الزمن) بالإضافة إلى الأبعاد الثلاثة التي اعتمد عليها جميع العلماء من قبله... .
آينشتين هو العالم الوحيد الذي فكر في البعد الرابع (الزمن) وقال إن الكون الذي نعيشه ذو أربعة أبعاد وهي الطول والعرض والارتفاع والزمن. وادخل البعد الرابع في جميع حساباته. يستطيع الإنسان تخيل البعد الواحد والبعدين ويمكن رسمهما ولكن البعد الثالث يحتاج منه إلى قدرات تخيلية إضافية ولكن من الصعب التفكير والتخيل بالأبعاد الأربعة معا وخصوصا أن البعد الرابع وهو الزمن لا يمكن رؤيته ولكننا نعيشه وندركه كمسلمة من مسلمات الوجود. فإذا اعتبرنا أن هندسة الكون تعتمد على أربعة أبعاد فإن حساباتها ستكون غاية في التعقيد ونتائجها غير متوقعة وهذا ما فعله آينشتين في نظريته النسبية.
إن المقاييس من مساحات و حجوم وكتل وتحديد المكان والزمان والسرعة هي مقاييس معروفة في نظر الفيزياء الكلاسيكية (فيزياء جليلو ونيوتن) فكلنا نقيس المسافات والزمن بنفس الطريقة والكيفية ولا يختلف في ذلك اثنان إذا كانت مقاييسهما معايرة بدقة وهذا يعني أننا سلمنا بأن هذه المقاييس مطلقة ولكن هذا يخالف النظرية النسبية التي تقوم على أنه لا وجود لشيء مطلق في كل هذه الأشياء أنما هي نسبية، فالدقيقة (60 ثانية) التي نقيسها بساعاتنا يمكن أن يقيسها آخر على أنها أقل من دقيقة أو أكثر وكذلك المتر العياري طوله متر بالنسبة للشخص الذي يحمله ولكن بالنسبة لآخر يتحرك بسرعة كبيرة بالنسبة لذلك الشخص يجد المتر 80 سنتمتر وكلما زادت سرعته كلما قل طول المتر ليصبح طول المتر صفر إذا تحرك الشخص بسرعة الضوء (سنجد انه من الاستحالة الوصول لسرعة الضوء) وهذا لا يعود لخطأ في القياسات بين الشخصين أو خلل في آلات الرصد التي يستخدمونها فكل منهما يكون صحيحا ولكن بالنسبة له ولهذا سميت بالنظرية النسبية والكثير من الأمور المسلم بها في حياتنا والتي نعتبرها مطلقة تصبح نسبية في عالم النسبية.
بمفهوم اينشتين والتعامل مع الزمن على أنه بعد من الأبعاد يصبح كل شيء نسبياً فمثلاً نعرف أن الكتلة هي كمية المادة الموجودة في حجم معين مثل كتلة الماء في حجم سنتيمتر مكعب هي واحد جرام وكتلة الماء هذه ثابتة ولكن وزنها هو الذي يتغير تغيرا طفيفا نتيجة لتأثير الجاذبية عليها فيقل الوزن قليلا في المرتفعات ويزيد في المنخفضات نتيجة لتغير تأثير الجاذبية حسب بعدنا أو قربنا من مركز الأرض وهذا التغير يكون في حدود جرام واحد فقط، ولكن آينشتين يبين أن الكتلة تتخلى عن تأثير الجاذبية وتتغير في حدود أكبر بكثير قد تصل إلى الآلاف ولا علاقة لتغير الكتلة بالجاذبية. إن ثبوت المقاييس والأبعاد عند آينشتين في الكون لا وجود له حسب نظريته النسبية.

لتفصيل الموضوع أكثر سوف نقوم بشرح أوسع لمفهوم المكان في النسبية ومن ثم شرح مفهوم الزمن في النسبية.

أولاً - المكان في النسبية :
إذا سألت نفسك عزيزي القارئ في هذه اللحظة هل أنت ثابت أم متحرك، فستنظر حولك بكل تأكيد وتقول أنا لست متحرك فأنا ثابت أمام جهاز الكمبيوتر وعلى الأرض وهذا صحيح فأنت ثابت بالنسبة للكمبيوتر والأرض (أي الكرة الأرضية) ولكن هذا ليس صحيح بالنسبة للكون فأنت والكمبيوتر والأرض التي تقف عليها تتحركوا وهذه الحركة عبارة عن مجموعة من الحركات منها حركة الأرض حول نفسها وحركة الأرض حول الشمس وهناك حركة للشمس والأرض داخل مجرة درب التبانة ومجرة درب التبانة تتحرك بالنسبة إلى الكون.. إذا عندما اعتقدت انك ثابت فهذا بالنسبة للأشياء حولك ولكن بالنسبة للكون فكل شيء متحرك. وخذ على سبيل المثال هذه الأرقام .
سرعة دوران الأرض حول نفسها ربع ميل في الثانية وسرعة دوران الأرض حول الشمس 18 ميل في الثانية والشمس والكواكب تسير بالنسبة لجيرانها النجوم بسرعة 120 ميل في الثانية ومجرة درب التبانة منطلقة في الفضاء بسرعة تصل إلى 40000 ميل في الثانية. تخيل الآن كم هي سرعتك وعدد الحركات التي تتحركها بالنسبة للكون. وقدر المسافة التي قطعتها منذ بدء قراءة هذه الحلقة حتى الآن.
لا احد يستطيع أن يحدد هل مجرة درب التبانة هي التي تبتعد عن المجرات الأخرى بسرعة 40000 ميل في الثانية أم أن المجرات هي التي تبتعد عنا بهذه السرعة. فعلى سبيل المثال إذا أراد شخص أن يصف لنا سفره من مطار دمشق إلى مطار دبي الدولي فإنه يقول غادرت الطائرة مطار دمشق في الساعة الثالثة ظهرا واتجهت شرقا لتهبط في مطار دبي الدولي الساعة السادسة مساءً.. ولكن لشخص أخر في مكان ما في الكون يرى أن الطائرة ارتفعت عن سطح الأرض في دمشق وأخذت تتباطأ حتى وصلت مطار دبي لتهبط فيه. أو أن الطائرة ومطار دبي تحركا في اتجاهات مختلفة ليلتقيا في نقطة الهبوط.. وهنا يكون من المستحيل في الكون الواسع تحديد من الذي تحرك الطائرة أم المطار.
كذلك يجب أن نؤكد أن الاتجاهات الأربعة شمال وجنوب وشرق وغرب والكلمات فوق وتحت ويمين وشمال هي اصطلاحات لا وجود لها في الكون فلا يوجد تحت أو فوق ولا شمال أو جنوب.
إن التعامل بهذه المفاهيم الجديدة والنظرة الشاملة للكون بلا شك أمر محير ولاسيما إذا أدخلنا البعد الرابع في حساباتنا فكل شيء يصبح نسبي.

ثانياً - الزمان في النسبية :
لم يكتف آينشتين بأن أثبت أن المكان نسبي ولكن عمم نسبية المكان على الزمان (البعد الرابع) حيث أنه قال طالما أننا نعيش في عالم ذو أربعة إبعاد ووجد أن الأبعاد المكانية الثلاثة التي تحدد بـ x,y,z هي نسبية لا بد وان يكون الزمان (البعد الرابع) نسبياً أيضا . .
اعتبر العلماء ومن بينهم العالم نيوتن أن الزمن مطلق ويجري بالتساوي دون أية علاقة بأي مؤثر خارجي. ولكن اينشتين لم يتقيد بما سبقه من العلماء وفكر بالأمر من وجهة نظر مختلفة تشمل الكون الفسيح كيف ذلك؟؟...
تعودنا نحن سكان الكرة الأرضية على تقدير الزمن من خلال اليوم وأجزائه (الساعة والدقيقة والثانية) ومضاعفاته (الأسبوع والشهر والسنة والقرن) ويومنا هو مقدار الزمن اللازم للأرض لتدور حول نفسها دورة كاملة والسنة هي مقدار الزمن اللازم للأرض لإكمال دورة كاملة حول الشمس وتساوي 365 يوم وربع اليوم. ولكن ماذا عن اليوم والسنة على كوكب عطارد أو كوكب بلوتو لا شك أن ذلك سيكون مختلف بالنسبة لمقاييسنا فالسنة على كوكب عطارد ثلاثة أشهر من الوقت الذي نقيسه على الأرض بينما السنة على كوكب بلوتو فهي اكبر من ذلك بكثير وتساوي 248 سنة من سنوات الأرض.. الأمر عند هذا الحد معقول ولكن ماذا عن المجرات الأخرى كيف تقدر اليوم والسنة عندها؟ وهل يمكن استخدام الأزمنة الأرضية كمقياس للزمن على أرجاء هذا الكون الفسيح؟ وتجدر الإشارة هنا إلى أن مصطلح فسيح لا يعبر عن مدى كبر حجم هذا الكون ...
مما سبق تبين أن هذا الكون يحتاج إلى طريقة جديدة لتقدير المسافات بين مجراته ونجومه لأن استخدام وحدة المتر أو الميل ستقودنا إلى أرقام كبيرة جدا لا يمكن تخيلها ولهذا فإن العلماء يستخدمون سرعة الضوء لقياس المسافة حيث أن سرعة

الضوء 300 ألف كيلومتر في الثانية (الضوء يدور حول الأرض 7 مرات في الثانية أي عندما تقول كلمة واحدة يكون الضوء قد لف حول الأرض سبع مرات) وإذا حسبنا المسافة التي يقطعها الضوء في السنة نجد أنها مسافة كبيرة جدا (الأرقام الفلكية) فمثلا نعلم أن أشعة الشمس تصلنا خلال ثمانية دقائق وبهذا يكون بعد الشمس عنا ثماني دقائق ضوئية وهنا استخدمنا وحدة الزمن لقياس المسافة. مثال أخر على اقرب نجم إلى المجموعة الشمسية يسمى ألفا قنطورس يبعد عنا أربعة سنوات ضوئية والنجوم البعيدة في مجرتنا تبعد عنا آلاف السنوات الضوئية ويقدر قطر درب التبانة بـ 80 ألف سنة ضوئية (تخيل أن الضوء الذي يصدر عند احد إطرافها يصل إلى الطرف الآخر بعد ثمانين ألف سنة) كل هذا في مجرتنا وبعض التلسكوبات رصدت مجرات تبعد عشرة آلف مليون سنة ضوئية ذلك يعني أنه إذا وقع حدث ما في طرف الكون فإنه لا يصل إلى الطرف الأخر قبل مرور عشرة آلاف مليون سنة!!! وسنعلم أيضا أن الكون لا زال يتمدد وبسرعات هائلة...
نظرية النسبية ليست كلها معادلات وإنما لها جوانب فلسفية .
ونبدأها بالأسئلة التالية :
هل نحن نرى الدنيا على حقيقتها ؟
هل هذه السماء زرقاء فعلا . . وهل الحقول خضراء . . وهل الرمال صفراء ؟
وهل العسل حلو .. والعلقم مر ؟
هل الماء سائل . . والجليد صلب ؟
وهل الخشب مادة جامدة كما تقول لنا حواسنا ؟
وهل الزجاج شفاف كما يبدو لنا . . والجدران صماء كما نراها ؟
وهل الخط المستقيم هو اقصر مسافة بين نقطتين كما تقول لنا الهندسة التقليدية التي تعلمتاها . . وهل مجموع زوايا المثلث تساوي 2قا ؟
وهل أحداث الكون كلها ممتدة في زمن واحد . . بحيث يمكن أن تتواقت بعضها مع بعض في آن واحد في أماكن متفرقة . . كما يتوافت خروج الموظفين مثلا من مختلف الوزارات في ذات الوقت والساعة . . فنقارن إحداثا تجري في الأرض مع أحداث تجري في المريخ والزهرة وسديم الجبار . . ونقول إنها حدثت في وقت واحد أو أن احدها كان قبل الأخر . . وهل يمكننا أن نقطع في يقين أن جسما ما من الأجسام يتحرك وأن جسما لا يتحرك ؟

كل هذه الأسئلة التي يخيل لك انك تستطيع الإجابة عنها في بساطة والتي كان العلماء يظنون أنهم قد انتهوا منها من زمن . .
قد تحول الآن إلى الغاز . .
لقد انهار اليقين العلمي القديم والمطرقة التي حطمت هذا اليقين ، وكشفت لنا عن انه كان يقينا ساذجا ، هي عقل اينشتين الجبار . .
ونظريته التي غيرت الصورة الموضوعية للعالم . . نظرية النسبية .
نظرية النسبية ليست كلها معادلات وإنما لها جوانب فلسفية .

وحتى المعادلات الرياضية . . يقول اينشتين أنها انبعثت في ذهنه نتيجة شطحاته التي حاول فيها أن يتصور الكون على صورة جديدة .
وأما هذه الشطحات الفلسفية سوف نقف قليلا تاركين المعادلات الرياضية لأربابها من القادرين عليها ، محاولين أن نشرح بعض ما أراد ذلك العالم العظيم أن يقول :
وسوف نبدأ من البداية . . من قبل اينشتين من الأسئلة التي أوردت في بداية البحث . . هل كانت الأسئلة حقيقة ؟
لا ..
ليست هذه هي الحقيقة . .
هذا ما نراه . . وما نحسه بالفعل . . ولكنه ليس كل الحقيقة .
فالنور الأبيض الذي نراه . . إذا مررناه خلال منشور زجاجي . . يتحلل إلى سبع ألوان هي ألوان الطيف المعروفة الأصفر و البرتقالي و الأحمر و الأخضر و الأزرق و البنفسجي الخ...
فإذا حاولنا أن ندرس ماهية هذه الألوان لم نجد أنها ألوان . . وإنما وجدناها موجات لا تختلف في شيء إلا في طولها – ذبذبات متفاوتة في طولها (و هذه هي كل الحكاية ) – ولكن عيننا لا تستطيع أن ترى هذه الأمواج كأمواج . . ولا تستطيع أن تحس بهذه الذبذبات . . و إنما كل ما يحدث أن الخلايا العصبية في قاع العين تتأثر بكل نوع من هذه الذبذبات بطريقة مختلفة . . و مراكز البصر في المخ تترجم هذا التأثير العصبي على شكل ألوان . . ولكن هذه المؤثرات الضوئية ليست ألوان ، و إنما هي محض موجات و اهتزازات ، و المخ بلغته الاصطلاحية لكي يميزها عن بعض يطلق عليها هذه التعريفات التي هي عبارة عن تصورات – وهذه هي حكاية الألوان - .
فمثلا الحقول التي نراها خضراء ليست خضراء . . و إنما كل ما يحدث أن أوراق النباتات تمتص كل أمواج الضوء بكافة أطوالها ما عدا تلك الموجة ذات الطول المعين التي تدخل عيننا و تؤثر في خلاياها فيكون لها هذا التأثير الذي هو في اصطلاح المخ (( أخضر )) . . وبالمثل أي لون ليس له لون وإنما هو مؤثر يفرقه المخ عن غيره بهذه الطريقة الاصطلاحية بأنه لون .
فالعسل في فمنا حلو ولكن دودة المش لها رأي مختلف تماما في العسل بدليل أنها لا تقربه أو تتذوقه الحلاوة إذا لا يمكن أن تكون صفة مطلقة موضوعية في العسل ، وإنما هي صفة نسبية نسبة إلى أعضاء التذوق في لساننا . .
فإذا جئنا للسؤال الثالث لنسأل أنفسنا هل الماء سائل و هل الجليد صلب فإن المشكلة تتضح أكثر . .
فالماء و البخار و الجليد مادة كيميائية واحدة تركيبها الكيميائي ( اتحاد الهدرجين بالأوكسجين 2 : 1 H2O ) . . و ما بينها من اختلاف ليس اختلافا في حقيقتها وإنما هو اختلاف في كيفيتها .
فحينما نضع الماء على النار فإننا نعطيه حرارة ، أو بمعنى آخر طاقة ، فتزداد حركة جزيئاته و بالتالي تتفرق نتيجة اندفاعها الشديد في كل اتجاه و يكون نتيجة هذه التفرقة عند لحظة معينة أن تتفكك و تتحول إلى جزيئات سابحة بعيدة عن بعضها ( غاز) . . فإذا فقدت هذه الحرارة الكامنة التي أخذتها عن طريق النار فإنها تعود فتبطئ من حركتها وتتقارب إلى بعضها عن طريق النار حتى تصل في لحظة إلى درجة من التقارب هي التي نترجمها بحواسنا على أنها حالة شبه متماسكة ( سيولة ) . . فإذا سحبنا منها الحرارة وبردناها أكثر وأكثر فإنها تبطئ أكثر وأكثر وتتقارب أكثر حتى تصل إلى درجة من التقارب نترجمها بحواسنا على أنها ( صلابة ) . .
الحالة الغازية والسائلة والصلبة هي ظواهر كيفية لحقيقة واحدة هي درجة تقارب الجزيئات من بعضها البعض لمادة واحدة هي الماء . .
وشفافية الماء وعتمة الثلج سببها أن جزيئات الماء متباعدة لدرجة تسمح لنا بالرؤية من خلالها . .
إنها جميعا أحكام نسبية تلك التي نطلقها على الأشياء ( نسبة إلى حواسنا المحدودة ) ولست أحكاماً حقيقية . . والعالم الذي نراه ليس هو العالم الحقيقي . . وإنما هو عالم اصطلاحي بحت نعيش فيه متعلقين في الرموز التي يختلقها عقلنا . . ليدلنا على الأشياء التي لا يعرف لها ماهية أو كنها .
آينشتاين والنظرية النسبية

لم يكن آينشتاين معجباً بفيزياء نيوتن لجهة المكان والزمان كخلفيتين مطلقتين ومنفصلتين للوجود، بل كان ميّالاً لأقوال العالم ماخ. والحق يقال أن آينشتاين قد استفاد من رياضيات ماخ في صياغة نظريته النسبية. في القرن السابع عشر كانت هناك تجربة ذهنية فيزيائية تلائم عالم الفلاحين، وهي التجربة المعروفة بتجربة الدلو المملوء بالماء، فأثناء دوران الدلو حول نفسه يبدأ الماء بداخله بالدوران بعد فترة وجيزة، وعندما يتوقف الدلو عن الدوران يبقى الماء في حالة دوران ويكون سطحه مُقعراً، وعندما يعود الدلو الى الدوران بالاتجاه المعاكس يعود سطح الماء الى حالته الطبيعية المستوية. هذه التجربة دوخت العلماء آنذلك بسبب التناقض الذي تُفصح عنه. فمن المفترض عقلياً أنه عندما يتوقف الدلو عن الدوران أن يكون الماء ساكنا مُستوياً وليس متحركاً مُقعراً. هذه التجربة شغلت العلماء بمفهوم المكان، بمعنى: ما هو المرجع ( = مكان الاسناد) الذي على أساسه نحكم على حركة الأشياء في هذا الكون؟. عند نيوتن كان الجواب بسيطاً ومباشراً وهو “المكان المُطلق” ( = الفضاء)، أما ليبنتز فكان يرى أنه لا وجود لشيء اسمه المكان المطلق، وإنما المرجع هو نسبي، أي نسبة مكان شيء ما (الدلو مثلاً) الى مكان شيء آخر (الماء مثلاً)، وهذا ما أصر عليه ماخ وآينشتاين لاحقاً. لقد توصل آينشتاين الى صياغة النظرية النسبية الخاصة حول المكان والزمان قائلاً أنهما غير منفصلين، بل متصلين، واطلق عليهما صفة “المتصل الزمكاني”، بمعنى أن الوجود له أربعة أبعاد متصلة: “طول وعرض وارتفاع ووقت”. وما الفرق، قد يقول قائل، بين “زمكان” آينشتاين و”مكان وزمان” نيوتن؟ الجواب نجده عند الفلاحين المصريين: “الحركة بركة”.

في “زمكان” آينشتاين، كونه نظام متصل، يتحول المكان الى زمان ويتحول الزمان الى مكان!! هل آينشتاين مجنون؟ ليس تماماً، فبين الجنون والعبقرية شعرة كما يقولون.. دعونا نلقي نظرة على هذا المثال لتقريب المفهوم. أنا جالس الآن على الكرسي، وسرعتي تساوي صفراً، أي أنني لا أتحرك في المكان، ولهذا يكون “استثماري” في المكان يساوي صفراً، أما “استثماري” في الزمان فيكون أكبر ما يمكن (هنا تظهر علاقة الاتصال)، لقد تحول مكاني الى زماني، تماماً كما تتحول الطاقة الكامنة الى طاقة حركة (ألهذا ينتاب الجالس احساس بأن الوقت يمر ثقيلاً؟!). الآن دعوني أتحرك: وها أنذا أسير بسرعة الصوت ( = 340 متراً في الثانية)، أي أنني أستثمر في الزمان أيضاً كما أستثمر في المكان، ما الذي سيحصل؟ ستقل قيمة الزمان (الحركة بركة، فنحن لا نشعر بالوقت يمر ثقيلاً حين نتحرك). والآن دعوني أنطلق بسرعة الضوء وهي أقصى سرعة ممكنة فيزيائياً ( = 300 ألف كم في الثانية أو 186 ألف ميل في الثانية)، ما الذي سيحدث؟ بكل بساطة؟ سيتوقف الوقت وسيصبح صفراً، بمعنى أنني أستثمر الآن كل رأسمالي (أي زمكاني) في المكان (ألا ترون أنني أجوب المكان بسرعة هائلة؟) وذلك على حساب الزمان الذي توقف الآن. توقف؟! نعم.. وأين ذهب؟ لقد تحول الى مكان. لهذا استخلص آينشتاين أن سرعة الضوء مطلقة لا تتغير، وأنه لا يوجد سرعة أكبر من سرعة الضوء؟ لماذا؟ لأنه لو وجدت هكذا سرعة وكان باستطاعتي أن أنطلق بها لأصبح زماني “سالباً”، أي أنني سأعود الى الماضي. أكيد أنت مجنون!! لحظة من فضلكم، نسيت نقطة مهمة وهي أن الوقت يصبح صفرا (أي يتوقف) ليس بالنسبة لي أنا المسافر بسرعة الضوء، ولكن بالنسبة لكم أنتم كمراقبين (وهنا تظهر النسبية). أما مكاني (او مركبتي الفضائية الافتراضية) فيصبح طوله يساوي صفراً أيضاً بالنسبة لكم كمراقبين!!.. أين ذهب “الزمكان” إذاً؟!

في النظرية النسبية الخاصة يستعمل آينشتاين خمس معادلات؟ واحدة للزمان، وقد تحثنا عنها، وواحدة للمكان، وقد تحدثنا عنها أيضاً. والثالثة للكتلة. تقول المعادلة أنه كلما ازدادت سرعة جسم ما تزداد كتلته، وهذا ما حصل لي في مركبتي الفضائية فقد تحول زماني ومكاني (اللذان أصبحا صفرين) الى كتلة اضافية، وأصبح وزن مركبتي أكثر مما كان عليه قبل الانطلاق. ومن أين جاءت هذه الكتلة الاضافية؟ لقد جاءت من الطاقة.. الطاقة؟ نعم، فمع ازدياد السرعة زادت الطاقة. ولكن كيف تحولت الى كتلة؟ يجب علينا أن نتذكر دائما معادلة آينشتاين الجميلة والبسيطة في آن، وهي: “الطاقة = الكتلة مضروبة في مربع سرعة الضوء”. أي بما أن مركبتي تسير بسرعة الضوء فإنها اختزنت بداخلها طاقة عالية جداً، هذه الطاقة تتحول الى كتلة حسب المعادلة الآنفة الذكر. هل هذه النظرية هي مجموعة من الأفكار وحسب؟ لا، فقد أثبتت التجارب صحتها تماماً سواء تجارب المُسارع الأوروبي (سيرن) أو جامعة “كالتك” في كاليفورنيا. والجميل في نسبية آينشتاين أنه ضم الزمان والمكان في متصل زمكاني واحد بحيث يتحول المكان الى زمان، والزمان الى مكان. وضم الطاقة والكتلة في متصل واحد بحيث تتحول الطاقة الى كتلة، والكتلة الى طاقة. هذه الاتصالية وضعت حداً لـ”شعوذة” نيوتن، فالحركة لم تعد “انتقال” الأجسام في المكان والزمان، بل أصبحت عبارة عن “حدث” لحظي في الزمكان، سرعان ما يتغير الى “حدث” آخر، وهكذا دواليك.

مع كل هذه “الصرعات” الآينشتاينية إلا أنه لم يكن راضياً تماماً عن انجازاته، ذلك أن نظريته النسبية الخاصة لم تتطرق الى الأجسام المُتسارعة، أي التي تغير سرعتها مع مرور الزمن. بمعنى آخر أنه لم يدرس الجاذبية وتسارع الأجسام، الأمر الذي دفعه الى تكملة نظريته بعد عشر سنوات ( = النظرية النسبية العامة). وما صرعات هذه النظرية يا ترى؟ بالتأكيد اختلفت عن مفهوم الجاذبية النيوتني في الفيزياء التقليدية الذي كان مبهماً وغير مفهوم، ولم أفهمه أنا شخصياً عندما كنت طالباً في المدرسة رغم الحاحي على المدرسين لتوضيحه، ولكن على ما يبدو كانوا هم غير عارفين من أين تأتي هذه الجاذبية، وكل ما قالوه أن الأرض تشبه المغناطيس الكبير!!. أما بالنسبة لزمكان آينشتاين فإن الجاذبية تأتي من “تشوّه” النسيج الزمكاني.. ماذا؟ لو بقينا على المغناطيس الكبير لكان الوضع أسهل!! مهلاً.. دعونا نتصور أن الزمكان بأبعاده الأربعة عبارة عن شبكة معلقة كما هو الحال في السيرك. والآن دعونا نضع عليها كرة كبيرة وثقيلة، ما الذي سيحدث؟ سيتشوّه سطح الشبكة، أي أنه سيتقعّر حول هذه الكرة. والآن دعونا نضع على الشبكة في موضع آخر كرة أصغر وأخف، بالطبع ستتقعر الشبكة حول هذه الكرة أيضاً، ولكن مقدار هذا التقعر أقل من مقدار التقعر عند الكرة الأولى، لهذا ستتدحرج الكرة الصغيرة على الشبكة باتجاه الكبيرة، أي أنها ستنجذب اليها. وعلينا الآن أن نتصور الكون وكأنه شبكة سيرك ضخمة (الشبكة هي الزمكان) وأن كل الأجرام في هذا الكون تُحدث تقعراً حولها بمقدار كتلتها، لهذا تنجذب الأجرام (والاشياء على الأرض) باتجاه بعضها البعض، صغير الكتلة باتجاه كبيرها، ولهذا تدور الأرض حول الشمس ويدور القمر حول الأرض. ولو قُدّر لنا أن نخرج خارج هذا الكون لرأينا “مادة هلامية” (كتعبير عن الزمكان) تتحرك الأجرام بداخلها ضمن أخاديد (مسارات) تنحتها الأجرام أثناء انجذابها لبعضها البعض نتيجة تشويه هذه الأجرام لهذه المادة الهلامية.
من آينشتاين الى “دفقات” بلانك








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تحية للكاتب
سالم ( 2014 / 6 / 9 - 12:32 )
شكرا جزيلا لصاحب المقال الذي اوضح لنا باسلوب سهل وممتع اعقد واغرب نظرية في الوجود الى التو


2 - الى كاتب المقال
صباح ابراهيم ( 2014 / 6 / 19 - 15:19 )
اسلوبك جميل في الشرح المبسط ، يدل على فهمك للنظرية بشكل جيد
شكرا لك وننتظر منك المزيد عن نسبية انشتاين عبقري زمانه .

اخر الافلام

.. عاجل .. عرض عصام صاصا على -الطب الشرعي-.. وكواليس جديدة حول


.. الصحة تكثف الخدمات الطبية والتوعوية بالحدائق والمتنزهات بجمي




.. نشرة الرابعة | محمد عبده.. يعلن إصابته بالسرطان ويطمئن محبيه


.. تنمية المهارات وتطور تكنولوجي.. جولة اليوم السابع بمهرجان ال




.. ابتداءً من 7 مايو | الكشف عن المدن المفقودة مع ألبرت لين | ن