الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الدولة الشرعية والإصلاح في سوريا

ميثم الجنابي
(Maythem Al-janabi)

2014 / 6 / 8
مواضيع وابحاث سياسية


إن المفارقة التي تلف السلطة والمعارضة في سوريا تقوم في كونهما لم يتخطيا بعد ويذللا تقاليد الاستبداد، بالشكل الذي يجعل من الصراع جزء من مسارها العقلاني. وهي ظاهرة تنطبق على اغلب دول العالم العربي المعاصر. بمعنى انعدام الوحدة الضرورية في بنية المجتمع والدولة، المبنية على أساس سيادة وفاعلية المبادئ الكبرى أو المرجعيات الثقافية والروحية المغذية لما يمكن دعوته بمنظومة البديهيات السياسية. من هنا شدة الخلاف حول كل شيء. بمعنى أن "المرجعية" الوحيدة الجلية هي الخلاف والاختلاف على كل شيء، على فكرة وماهية الدولة والنظام السياسي، والمجتمع، والأمة، والمصالح الكبرى، والقيم، والتراث، والدين والمذاهب وما إلى ذلك. وهو دليل على أن الجميع (النخب والمجتمع) لم يذللوا بعد مرحلة ما قبل الدولة الحديثة، ولم يرتقوا بعد إلى مصاف الفكرة الاجتماعية والوطنية والقومية الجامعة.
وقد كشفت أحداث ومسار "الثورة" وكمية ونوعية الخرب الهائل عن طبيعة هذا الخلل، ألا وهو ضعف أو شبه انعدام للرؤية العقلانية والواقعية فيما يتعلق بفكرة البدائل، بوصفها فكرة إصلاحية شاملة. لكن الصراع سوف يجبر الجميع على خوض المسار اللاعقلاني حتى النهاية من اجل أن تتوقف كل "مآثر" الغريرة، بوصفها المقدمة الضرورية أيضا لصعود العقل الاجتماعي والوطني والقومي، بوصفه عقلا إصلاحيا.
فالخطأ التاريخي الجسيم الذي لازم مسار السلطة السياسية ونظامها، قد أدى في نهاية المطاف إلى استنزاف طاقته الأولية. ومن ثم وضعه أمام مهمة إصلاح شامل، تحولت في البدء (منذ التوريث الأول لبشار الأسد) إلى جزء من لعبة المكر السياسي للإبقاء على النظام كما هو. الأمر الذي عمق الاحتقان الداخلي ووسع من شدة تناقضاته الداخلية. من هنا انفجاره بصيغة ثورة سرعان ما تحولت إلى تمرد وثورة مضادة ونموذج لطغيان يبدو معه طغيان النظام السابق ألعوبة أطفال. وذلك لأنه مزج بين مكونات يصعب تحويلها إلى فكرة منظومة قادرة على صنع بدائل عقلانية وإنسانية. على العكس. إذ انحدرت الثورة من رد فعل اجتماعي داخلي إلى تمرد محكوم وموجه من قبل قوى خارجية، اي أن الثورة تحولت وانحرفت عن أبعادها الاجتماعية والسياسية والوطنية صوب الطائفية والجهوية والعنف والتدمير. وكلاهما يعكسان حالة الهيمنة الخفية لتقاليد الطغيان والاستبداد، اي ضعف بل وانعدام الروح الاجتماعي والوطني والعقلاني. الأمر الذي يفسر طبيعة الصراع الدائر في سوريا والمشرق العربي عموما، واتخاذه اشد الأشكال تطرفا وغلوا وتخريبا. إذ يكشف الصراع عن طبيعة التناقض الحادة بين فكرة الدولة والقومية من جهة، وواقع النظام السياسي والاجتماعي من جهة أخرى.
فقد كشف هذا الصراع عن أن النظام السياسي لم يرتق إلى مصاف فكرة الدولة والقومية في سوريا (والعراق قبله). وذلك لان النظام السياسي كان يتمثل تقاليد الاستبداد والطغيان، بينما الدولة والشعار السياسي يتمثلان الفكرة القومية والتحدي والمواجهة والممانعة وما شابه ذلك. من هنا قوة الشعار الأيديولوجي الدعائي من جهة، وضعفه الاجتماعي والوطني من جهة أخرى. الأمر الذي صنع هوة الاغتراب والاحتراب التي أنتجت الصيغة السورية للحرب الأهلية (المشابهة للصيغة العراقية).
إن الحرب الأهلية تعكس، في تجارب الأمم جميعا، ديناميكية الصراع الاجتماعي والسياسي والعقائدي من جهة، وانغلاق الإمكانية العقلانية للبدائل من جهة أخرى. من هنا طابعها المدمر، الذي يحرق ليس فقط انجازات الأمم بل وفسادها وضعفها الذاتي أيضا. فتجارب الحروب الأهلية "الناجحة"، اي المنتهية صوب نهايتها "المنطقية"، عادة ما تشرك الجميع في حرب ضروس، ومن ثم تقضي على الكسل السياسي والخوف وما شابه ذلك من رذائل البنية التقليدية، وفي نفس الوقت ترهق الجميع وتدفعهم صوب الهدوء والتأمل والتعقل. بمعنى أنها تساهم في نهاية المطاف ببلورة ما يمكن دعوته بالعقل السليم والرزين والهادئ، اي صيرورة العقل الاجتماعي والوطني الباحث عن عقد اجتماعي ووطني يذلل كمية الغريزة والخراب.
غير أن هذه النتيجة مرتبطة أساسا بدفع حالة الحرب الأهلية حتى نهايتها من اجل إنتاج منظومة سياسية واجتماعية وقيم وطنية وقومية جديدة، مبنية أساسا على تأمل نتائج الحرب واستحقاقاتها. ومن بين أكثرها جلاء الآن هو الانتقال صوب الصراع الاجتماعي السياسي بوصفه بحثا عقلانيا عن الإصلاح الشامل وتذلل تقاليد الطغيان والاستبداد. وهذه مهمة مرتبط بظروف سوريا الحالية بالنظام السياسي ونخبه أكثر مما عند معارضته.وذك لان إشكالية النظام السياسي البديل في سوريا هي بقدر واحد إشكالية الدولة والمجتمع والأمة. فقد انحدرت المعارضة السورية في مجرى الحرب الأهلية صوب اشد الصيغ لاعقلانية وانحطاطا. فهي أما معارضة تتضرع أمام تقاليد فاسدة، أو تتنشق أبخرة الاستبداد وتتغنى عليها، أو تعتمد على دويلات الخليج المريضة، عبر تحويل الحنبلية الوهابية إلى أيديولوجية إسلامية مستقبلية! الأمر الذي سحب خلفه حتى "النخب اليسارية" صوب سلفيات متهرئة وابن تيمية! أو معارضة تمجد تركيا والسعودية وفرنسا والولايات المتحدة بل وإسرائيل! الأمر الذي جعل منها تشكيلة غريبة وغبية بقدر واحد، اي معارضة عثمانية تركية لا عربية سورية، وسعودية قطرية لا اجتماعية سياسية، ومذهبية بدائية لا وطنية قومية!
إننا نعثر في هذه الحالة الخربة على تأثير وفاعلية الاستبداد الذائبة والفاعلة في الوعي الفردي والجمعي والنظام السياسي، التي لم تذلل ما سبق للكواكبي وان انتقده قبل قرن من الزمن! فهي المفارقة الحية للزمن القومي العربي الحديث، الذي لم يتحول بعد إلى تاريخ بسبب دورانه في فلك الأوهام الأيديولوجية. بينما المهمة تقوم في نقله إلى مسار التاريخ الاجتماعي للدولة والنظام السياسي. وليس مصادفة ألا تتوصل سوريا (والعالم العربي ككل) بعد إلى فكرة الدولة الشرعية. بل أنها لم تكن موضوعا جديا للتأمل الفلسفي والجدل السياسي. وقد يكون الاستثناء الوحيد في سوريا، هو ما تأمله وانتقده وسعى لتحليله والبحث عن بدائل واقعية له انطون سعادة في فكرته عن الدولة السورية والقومية السورية، بوصفها فكرة اجتماعية تشمل المشرق العربي ككل. وهي الحصيلة التي لا ينبغي تجاهلها في أفق المشروع الوطني والقومي السوري، من اجل الخروج مرة واحدة والى الأبد من تقاليد الاستبداد والطغيان عبر بناء نظام اجتماعي سياسي عقلاني تشكل فكرة الدولة الشرعية والإصلاح الدائم والشامل بؤرته الفكرية والعملية.
***








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رهان ماكرون بحل البرلمان وانتخاب غيره أصبح على المحك بعد نتا


.. نتنياهو: سنواصل الحرب على غزة حتى هزيمة حماس بشكل كامل وإطلا




.. تساؤلات بشأن استمرار بايدن بالسباق الرئاسي بعد أداءه الضعيف


.. نتائج أولية.. الغزواني يفوز بفترة جديدة بانتخابات موريتانيا|




.. وزير الدفاع الإسرائيلي: سنواصل الحرب حتى تعجز حماس عن إعادة