الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


غياب حُسن الجوار!

طيب تيزيني

2014 / 6 / 8
مواضيع وابحاث سياسية



إنها حقاً وصدقاً مفارقة فظيعة ومؤسفة أن يسمع المرء من الإعلام الغربي أن النازحين السوريين إلى لبنان بلغ عددهم مليوناً ونصف المليون، لكن الغريب أن هذا الرقم سيكبر في تقدير القارئ جداً بعد أن يضعه في علاقة نسبية مع عدد سكان لبنان الكلي أو الإجمالي، إنه أربعة ملايين نسمة. لا شك أننا - والحال كذلك - أمام صيغة من المقارنة في الدراسات الديموغرافية قد تكون نادرة في تاريخ الحروب والصراعات من نمط الحروب الأهلية.

وبناء على واقع الحال هذا، فقد راحت تصريحات من الشخصيات الرسمية وأخرى ضمن المرجعية السكانية المالية والاقتصادية والسياسية، إضافة إلى الثقافية، تطلق صفارات إنذاراتها من استفحال المسألة على نحو يمكن أن يسيء إلى الجوار بين بلدين شقيقين، لبنان وسوريا.



وكما تحصل حالات من غياب حُسن الجوار بين الأصدقاء والزملاء، فالأمر هو كذلك قابل لتطوره إلى درجة التوتر والعنف، وحيث يصبح الأمر بهذا المستوى من البشاعة، فإننا نكون قد أضفنا بلاء جديداً نضيفه إلى البلاءات القائمة بين أقطار عربية أو أخرى، ومن ثم يكون إبليس أو تكون الأبالسة قد قدمت أمثلة بشعة شائنة لما ينبغي أن يحدث من علاقات بين الجوار.

في هذه الحال، إن شئنا أن نوسع المسألة أكثر، نجد أنفسنا أمام سؤال كان علينا أن نطرحه على أنفسنا، لماذا الحرب الإجرامية البغيضة بين مجموعتين تنتميان كلتاهما لسوريا؟ لماذا لم تبقيا كلتاهما في حدود تظاهرات سلمية حقاً؟ لماذا تحولت المظاهرات السلمية بعد ستة أشهر إلى قتال بالسلاح الناري؟! من الذي لم يحتمل السلام، فبدّله بحرب مشينة مأساوية؟ أين هو إبليس، الذي دخل بين الفريقين؟

وكي يكون هذا التساؤل أو ذاك ذا مصداقية، كان على أهل الحكمة والعقل أن ينتزعوا الرهان ممن لا يؤتمن على أهله، لقد جاء الناس أهل البلد من كل حدب وصوب، كي يكتشفوا موطئ قدم يقرّب بين هؤلاء جميعاً، ألم يكْف العالم أو الوطن العربي ما مرّ عليه من أحداث جسام على أيدي دول استعمارية، حيث لم تترك هذه وسيلة إلا ووظفتها في خدمة مصالحها؟ ألم يعش العالم العربي أو بعضه آلاماً ومآسي سبّبها لهم أرباب تلك الدول؟

لن نفصل كثيراً، بل نكتفي بالمسيرة التي انطلقت فينا من فلسطين وسوريا إلى مرحلتنا هذه المفعمة بالآلام والمواجع والمخاطر، المخاطر من الطراز الذي قد يُطيح بكل شيء!

والآن وبعد أن انفرزت السكاكين في الكل أو يكاد، ماذا بعد؟! علنا أمام إجابة لا سبيل إلى تجاوزها، إذا أريد لواقع الحال أن يأخذ مساره العادل.

فالعدل حيث وُجد، قاد الجميع إلى التوافق والتوازن والرضا. والعدل حيث ينطلق بين الأطراف المتعددة، يتحول إلى موقف عملي يُثري الجميع هكذا وهكذا. أما المسار العادل، فنعني به هنا التأسيس لمحكمة أو محاكم عادلة «تعطي ما لقيصر لقيصر، وما لله لله»، وليكون العالم كله شاهداً عدلاً على ذلك، ولكن قبل العالم كله، ليكنْ الوطن الأم هو من يمنح هذه الشهادة!

إن لبنان وسوريا ومعهما العالم العربي «من الميّة إلى الميّة» الشاهد والمشهود عليه، وعلى هذا النحو، على الجميع أن يقترب من الجميع من حيث هم مطالبون بالحرية وبالعدل وبالكرامة، بعيداً عن الطائفية والتقسيمية والثأرية، وقريباً من العيش المشترك المؤسس على تلك الحرية وأخواتها، أما المراهن على ذلك، فهو سوريا بكل حيثياتها التي ترى في الإنسان ذاك الحر والعادل وصاحب الكرامة، أي أثمن رأسمال في العالم.

على أساس تلك النواظم، وفي سياق تحققها في دولة مدنية وتقوم على ديموقراطية هي سيدة للجميع ولمصالح الجميع، نقول: لِمَ لا ننجز ذلك، ولعلنا غير قادرين عليه، طالما ظل الآخرون هم مَن يُمسك بالقرار ومَنْ يُطبل الخواتم ويقصرها.

إن حرباً باردة تعود لتضع الجميع تحت قبضة من يُحول سوريا إلى «لعبة الأمم»، ولنكن - في سبيل ذلك - قادرين على أن نلعب على كل مَن وضع بأذهاننا وهم الانزياح باتجاه هذا أو ذاك من القطبين العالميين، كي ننتصر بانتصار واحد من هذين المذكورين، لعل في هذا الخيار التاريخي عناصر تسمح باللعب على هذين كليهما، ربما يكون هذا الخيار طريقاً إلى نوع من التوافق المركّب والمتحرك والقابل لولادة من جديد.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. غزة ..هل يستجيب نتنياهو لدعوة غانتس تحديد رؤية واضحة للحرب و


.. وزارة الدفاع الروسية: الجيش يواصل تقدمه ويسيطر على بلدة ستار




.. -الناس جعانة-.. وسط الدمار وتحت وابل القصف.. فلسطيني يصنع ال


.. لقاء أميركي إيراني غير مباشر لتجنب التصعيد.. فهل يمكن إقناع




.. نشرة إيجاز بلغة الإشارة - نحو 40 شهيدا في قصف إسرائيلي على غ