الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مئة رواية ورواية

حمودي عبد محسن

2014 / 6 / 8
الادب والفن




يتناول الأستاذ كريم السماوي في كتابه الجديد الموسوم بعنوان ( مئة رواية ورواية ) فن صنعة الرواية لمئة روائي وروائي كنص امتاز بالشهرة وتحول إلى فلم سينمائي، ويمتاز هذا التناول باقتضاب حيث لا يتجاوز صفحتين أو ثلاثة لبعض مؤلفي الروايات في كتاب بصفحات 358 مطعم بالصور، ويتحدث قليلا عن حياة المؤلف ومعاناة بعضهم سواء كانت الشخصية أو في تلك المرحلة التاريخية التي كان يعيش فيها وتجلياتها على الكاتب الذي استطاع بجهوده الفردية وكفاءة نصه الابداعي أن يخترق عوالم الإعاقة ليجد إبداعه النور في فترة تاريخية تكاد تختلف في مرحلتها عن زمان كاتب آخر، وهنا استطاع كريم السماوي أن يبعث الأمل في روح الروائي في عصرنا الحالي ، وكأنه يقول أن الابداع لابد أن يرى النور، الابداع الحر الجميل صاحب الكلمة المؤثرة في النفس البشرية لابد أن يعم وينتشر ويترجم إلى مختلف لغات العالم حتى يصبح نموذجا حيا في متناول الشعوب ، وكذلك لأن الحدث المحلي أصبح عالميا، فهذا غابريل غارسيا في روايته مائة عام من العزلة التي يتحدث فيها عن كولومبيا بصدق أي واقعية مجرى الأحداث اليومية سواء في التراجيديا أو الكوميديا، سواء في مضمون الفلكلور الشعبي أو العادة والتقليد الوطني، فالحدث الروائي هو ابن بيئته وليس مصطنع ولذلك حقق النجاح حاله حال روايات نجيب محفوظ الذي كان يمس فيها الموروث البلدي المصري، فذلك القارئ الذي يعيش في كولومبيا تمسه أحداث الرواية التي كتبها نجيب محفوظ في مصر ليس كي يتابع أحداثها المسلية بل كي يعرف المزيد عن البلدي المصري، ونفس الوقت القارئ المصري يتوق إلى متابعة ومعرفة الواقعية السحرية في روايات غابريل ماركيز ، وهذا ما يدخلنا تماما إلى المحلية الصادقة والعالمية الصادقة حيث تكون المحلية عالمية وحين تكون العالمية محلية أي أننا نلاحظ هنا هذا التزاوج المقدس في الإرث العالمي الذي أصبح تلاقيه تطور وذوق ومعرفة ثقافياة وليس كما يدعي العنصريون ومؤدلجي الحروب أن لا إرث مشترك بين الشعوب وإن الثقافات تصطدم فلابد من حروب الموت أو لابد من حروب لإلغاء الثقافات الأخرى ، إذ هنا نجد أن الفكر الإنساني النير يلتقي في قراءة الرواية والتعاطف مع أحداثها، وكان غوتة أكثر المبدعين في التعبير عن التلاقي الإنساني سواء في كتاباته الشعرية أو النثرية، وكان يحذر باستمرار عن غزو أدب التسلية للأفكار والذي يفقد قيمة قراءته ويشوه العالم المعاش بين الناس بحقيقته وواقعه ، وغالبا ما يتحول هذا النوع من الأدب إلى الزيف وتزيف الواقع في آن معا ، وعل غوتة كان يتنبأ بمستقبل الأدب حيث عاش هو في فترة صعود وترسخ الرأسمالية الذي ابتلى بها عالمنا، وكذلك مرحلة التحول في بعض البلدان من الريف إلى المدينة، إذ في هذه المرحلة كان الإنسان يعاني من الفقر والحروب وتصاعد الاستغلال وتفاوت الطبقات وتجلت أيضا بالثورات والتضحيات، فكانت المعاناة الفردية والعامة التي جسدها الكتاب في روايات مختلفة قد أرتقت بواقعيتها وأصالتها وجمالها إلى الأدب الكبير في سرد نثري تاريخي يوظف فيه الخيال في نوع الفن الاستخدامي العام والخاص، وأيضا توظف الميثولوجية كملحمة شعبية لها أبطالها في التراجيديا ، فالرواية رافد تجمع في مدلولها ومعناها جميع الروافد في الحدث والحوار في لغة تخاطبية إجتماعية مفيدة يتفهمها ابناء اللغة الواحدة تبرز الوقائع بأفكار ومثل سواء كانت أخلاقية أو نفسية ، وقد مرت الرواية بمراحل تاريخية متعددة يبتدأها بعض النقاد من القرن الثاني عشر حيث الأسطورة والإله والبطل ثم ملحمة الحب ، ثم نزع لباس الأوهام والتضليل والخداع القصصي إلى الواقع الإنساني الحقيقي، إذ الروائي يوظف خياله لسرد قصة تاريخية واقعية من مظاهر إجتماعية متصارعة قد تكون محتدمة وأدت إلى تحولات جوهرية في المجتمع، وهنا لابد أن ننوه عن ما أشاره إليه غوتة عن كون كتاب الأدب هم أولى بتنبأ الأحداث والمستقبل من الساسة التي تتعفن أفكارهم في خضم الصراعات الذاتية ، والرواية الناجحة الخالدة التي أشار إليها الأستاذ كريم السماوي ـ هي تلك الرواية الواقعية التي أرخت الوجود الإنساني بصراعاته ـ وهذا لا يعني أن الروائي تقيد في مفاهيم ( الحتمية التاريخية ، الحقيقة التاريخية ) بل إختار منهجا معرفيا خاصا به لمعرفة الوجود الإنساني في زمن ماض حقيقي ، فهو مدرك للتغير الإجتماعي والتحول والتطور ونلمس هذا في رواية تولستوي ـ الحرب والسلام ـ الواردة في هذا الكتاب ـ مئة رواية ورواية ـ التي تبدأ وتتطور إلى عقدة وتنتهي في تراجيديا ، وكان تولستوي دائما يكرر: من قريتي الصغيرة تكمن رؤيتي للعالم .
فرؤية تولستوي الأخلاقية التوراتية المسالمة دعته أن يوزع ما يملكه من أراض على الفلاحين، وهذا ما كان يثير زوجته التي دأبت تؤنبه وتثير له متاعب كثيرة ، فروايته الحرب والسلام قد ارتقت به إلى فنان العصر الحديث في الابداع الروائي الذي رسم بفرشاته روايته برؤية شفافة واضحة لتكون انعكاس حقيقي للواقع في زمن ماض ، فقد كان تولستوي يذهب إلى مكان الوقائع ويتجول فيها ويوصفها بدقة ويراجع أرشيف الدولة والكتب ويدقق ويتأكد حتى يقتنع تماما ، فيبدأ الكتابة بريشته الروسية، وعندما ينهكه التعب يخرج إلى التجوال بين أشجار الصنوبر العملاقة ، ويغرق في عالم التأمل والخيال كي تتجانس شخصيات الرواية في مخيلته ليصوغها ببراعة المؤلف وهو يحلم بعالم بهيج نقي للجميع خال من الظلم والمأساوسة ، إذ صنعة الرواية في نظرة تولستوي الابداعية فن الجمال الملحمي في إيقاع تربوي نحو الخير والمحبة والسلام ، فهنا تكمن أصالة رواياته ، وهنا يكمن منهجه الفكري الصادق ، ونزاهة نظرته للعالم ، النزاهة الثابتة الدائمة التي أزعجت الارستقراطية الروسية ، لأن تولستوي كشف عيوبها وفسادها وتصدى لها كفنان يمتلك ريشة روسية لا تنكسر شفافة.
فالرواية نص أدبي له معنى دال وشكل جمالي يحتوي على بنية إنعكاسية لرؤية إجتماعية تاريخية ، يتحدث عن قصة حدثت في الماضي ، ويعبر عن نسيج ثقافي خاص في ذات القصة من الظاهرة الأجتماعية بصفة التناقض والصراع والنزاع بين الفرد والمجتمع والطبيعة التي يستخرج المؤلف من هذه القصة أبطالها ، فالراوي بخياله الواعي المدرك يقدم رؤية نقدية للواقع التاريخي المعاش سواء كان ذلك بتآلف أو تنافر بغية أن يصوغ نصا كاملا تاما متناسقا بإيقاع إسلوبه الجذاب الذي يبهر القارئ ، لذلك يطلق على الرواية ( تحفة فنية نادرة ) ، أجل ، هذه الرواية الخادة التي تتوارث قراءتها الأجيال ، وتتداولها الشعوب.
فهذا الكتاب ـ مئة رواية ورواية ـ للاستاذ كريم السماوي جهد كبير مثابر يغني المكتبة العربية ، ومصدر مهم يسهل على جيل الشباب الكتاب مراجعته والتوقف عند الرواية العالمية والمحلية التي لاقت شهرة ، وترجمت أغلبها إلى لغات مختلفة ، حيث الإختيار تم بذوق الكاتب الحسي لحقب تاريخية مختلفة ، ولكتاب من مختلف بلدان العالم ، وهذا لا يعني على الأطلاق أن هناك روايات لم يتناولها الكاتب لم تكن بذات الشهر أو أكثر والتي أحدثت تغير نوعي في مفهوم الرواية الكلاسيكية والمعاصرة ، بل دخلت الرواية الآن بمفاهيم متجددة سواء في الفلسفة أو علم السيكولوجي الاجتماعي خاصة الرواية العبثية أو رواية الأغتراب في المجتمع البشري أو الرمزية المستقبلية أو الرعب أو البوليسية التي تغزو الغرب الآن ، فنماذج النوع كثيرة ، وفي نفس الوقت بودي أن أشير إلى أن الرواية التي صدرت في عصرنا المضطرب اليوم ولم تلاق شهرة وهي تمتلك بنيتها وتجانسها وجمالها الفني قد تكتشف بعد سنوات لاحقة ، إذ كثير من النصوص النادرة لم يسعفها الحظ أن تقيم بجدارة في زمن صدورها ، إلا أنها استحوذت على العقل البشري بعد عقود.

حمودي عبد محسن
2014-06-08








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الفلسطينيين بيستعملوا المياه خمس مرات ! فيلم حقيقي -إعادة تد


.. تفتح الشباك ترجع 100 سنة لورا?? فيلم قرابين من مشروع رشيد مش




.. 22 فيلم من داخل غزة?? بالفن رشيد مشهراوي وصل الصوت??


.. فيلم كارتون لأطفال غزة معجزة صنعت تحت القصف??




.. فنانة تشكيلية فلسطينية قصفولها المرسم??