الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


شبهة التصنيف المتداخل: شيعة, سنة, أكراد

علي آل شفاف

2005 / 7 / 26
مواضيع وابحاث سياسية


ملاحظة: أحلل هنا الشبهة ـ ذاتها ـ بغض النظر عن موقفي من مبدأ التصنيف نفسه.

هذه واحدة من الشبهات التي طرأت منذ فترة. وقد أساء فهمها البعض. واستغلها آخرون لأغراض مختلفة: كالمغالطة والتعمية والإيهام, وإحراج الخصم عند المناظرة . . إلى غير ذلك. ومنشأ سوء الفهم ـ هذا ـ هو النظر إليها من خلال قوالب التصنيف الجامدة, التي لا تستجيب لمتغيرات الواقع, وللضرورات المرحلية.
يتصور الكثيرون أن التصنيف إما أن يكون قوميا, أو طائفيا, أو دينيا . . . الخ. مما يغفل حقيقة متطلبات الضرورة المرحلية, في إبراز الإنتماء الذي يتعرض على أساسه جماعة من الناس للتهديد أو الخطر؛ أو يخشون أنهم سيتعرضون على أساسه للتهديد أو الخطر.

من الطبيعي أن تلجأ مجموعة ما من الأفراد في مجتمع ما, إلى تقوية وتعزيز وتوكيد الرابطة مع أفراد آخرين, يماثلونها في الإنتماء الذي يستهدفون ـ أو يخشون أن يستهدفوا ـ من ناحيته. بغض النظر عن نوع هذا الإنتماء. كأن يكون قوميا أو دينيا أو عرقيا أو قبائليا, أو حتى أسريا. وهذا سلوك طبيعي مبعثه الغريزة الإنسانية في حفظ النفس, ودفع الأخطار عنها.
لذا نجد أن تكتل المجموعات متعددة الإنتماء, يتمحور حول الإنتماء موضوع العداء, أو الإنتماء المعرض للخطر. وهذا سلوك إنساني عام لا يخص نوع معين من المجتمعات. إن هذا النوع من التكتلات تفرضه الضرورة, ويختلف عن التكتلات المصلحية النفعية. كالإتحاد الأوربي والأمريكي والكندي. وإن كان التغلب على الضرورة ـ نفسه ـ مصلحة بدرجة ما, إلا أن مصلحة دفع الضرر؛ أهم من مصلحة جلب المنفعة.

إذا فالباعث الحقيقي للتكتل ـ الإضطراري ـ هو ليس الإنتماء من حيث هو, بل الإنتماء من حيث كونه موضوعا للعداء والإستهداف.
وأقرب مثال على هذا النوع من التكتلات, هو تكتل مجموعة "عدم الإنحياز", أيام "الحرب الباردة". فلا يوجد أي جامع قومي أو عرقي أو ديني بين تلك المجموعة من الدول, سوى الخطر الناشئ من كونها ليست مع هذا القطب أو ذاك. لذلك تفكك هذا التكتل عمليا بعد زوال سببه (أي بعد تفكك الإتحاد السوفيتي, وانتهاء الحرب الباردة) . . فأصبح خبرا منسيا.
أما إذا تعزز التكتل الإضطراري هذا برابطة أخرى, كالرابطة القومية أو الدينية أو الطائفية, أو أي انتماء إضافي آخر؛ فسيقوى ـ بلا شك ـ ذلك التكتل, وسيكون أكثر صلابة.

ولو نظرنا إلى الساحة العراقية, لوجدناها أوضح تجسيد لهذه (القاعدة). ولفككنا هذا التداخل الظاهري في التصنيف بين القومية والدين والطائفة؛ الذي لا يفهمه الكثير جهلا بهذه القاعدة, أو تجاهلا لها.
يصنف العراقيون كشيعة وسنة عرب وأكراد ومسيحيين, وآخرين ليس لهم نسبة مؤثرة عمليا. مع احترام حقهم في عدم التجاهل.

إن من ينظر لهذا التصنيف لأول وهلة, قد يجد عدم اتساق, أو تداخل ظاهري بين الهويات القومية والدينية والطائفية. بينما يوصلنا التحليل الواقعي الصحيح وفق (القاعدة) أعلاه, إلى أن هذا التصنيف منسجم مع صورة التكتلات الواقعية تماما.
فكل من هذه المجموعات لجأت إلى الإنتماء الذي تظن أنها مهددة من ناحيته. فالشيعة وإن كانوا قوميا هم عرب بأغلبيتهم المطلقة, إلا أنهم وجدوا أنفسهم مهددين لانتمائهم الطائفي وليس القومي؛ ممن يماثلهم في الإنتماء القومي, ويختلف معهم في الإنتماء الطائفي (أي محيطهم العربي). فالمنطق يقودهم إلى التكتل الطائفي وليس القومي, من أجل حماية أنفسهم من هؤلاء. أخذين بنظر الاعتبار القدم الزمني لهذا التهديد, الذي يعزز التوجه نحو التكتل الطائفي المعزز بهوية قومية واحدة. لذا أصبحت هويتهم المرحلية هي طائفتهم.
وكذا الأمر بالنسبة للسنة العرب, وقد ألحق الإنتماء القومي ـ هنا ـ بالطائفي لتمييزهم عن الأكراد, الذين يماثلونهم في الإنتماء الطائفي غالبا. فهؤلاء أيضا تكتلوا طائفيا, لإحساسهم بخطر يأتي ممن يماثلهم في الإنتماء القومي, ويختلف عنهم في الإنتماء الطائفي (العرب الشيعة).
ولما كان المحيط الإقليمي (العربي) يماثل السنة قوميا وطائفيا, ويختلف عن الشيعة طائفيا فقط؛ حاول السنة العرب العراقيون أن يبرزوا انتماءهم القومي ـ أيضا ـ ليتكتلوا مع المجموعة الأكبر والأقوى (المحيط العربي). وبالمقابل يحاولون الطعن بالهوية القومية للعرب الشيعة, لفصلهم تماما عن محيطهم العربي, ومن ثم إضعافهم والسيطرة عليهم. إلا أن صورة تكتلهم الأبرز بقيت الطائفة أيضا, لأن الإنتماء القومي ليس مصدرا للخلاف مع الشيعة العرب, ولا يميزهم عنهم.

أما الأكراد فلكونهم مضطهدين كأكراد, وليس كسنة (من غير الفيليين ـ طبعا)؛ فقد أبرزوا هويتهم القومية, وتكتلوا قوميا لكي يحصلوا على حقوقهم القومية. فأصبحت عندهم الهوية القومية الكردية أهم بكثير من الهوية الطائفية السنية. فلو صنف الأكراد ـ حاليا ـ على أنهم سنة لرفضوا. ببساطة: لأن هذا الإنتماء محفوظ, وغير مهدد بخطر ما, ولا يدفع التهديد عن هويتهم القومية. لذا أصبحت القومية هي الإنتماء المرحلي الأبرز. فلو هددوا من قبل دولة تخالفهم طائفيا ـ مثلا ـ لبرز على السطح انتماؤهم الطائفي أكثر من القومي, للحصول على دعم وحماية المحيط المماثل طائفيا. وهذا أمر طبيعي ومتوقع!

أما بالنسبة للمسيحيين فإنهم وإن حاولوا ـ في الفترة الأخير ـ إبراز الهوية القومية لفئات منهم, إلا أنها لا تجمع جميع المسيحيين, وتبقى هوية ضعيفة. ولعل سبب إبراز بعضهم للهوية القومية دون الدينية, ناتج من عدم خوف هؤلاء من خطر يهدد الهوية الدينية (المعززة بقوى كبرى قريبة من الساحة العراقية), إذا ما قورنت بالهوية القومية التي تعاني الإهمال.

لذا . . لا يمكن تصور هذا التصنيف قوميا, ولا طائفيا, ولا دينيا؛ وإنما هو "تصنيف واقعي لتكتلات استجابت للضرورة المرحلية". فلو تغيرت المعادلات السياسية المسيرة للواقع العراقي, بما يغير مصادر الخطر ومستهدفاته؛ لتغيرت الإنتماءات التي تتكتل كل مجموعة حولها.
بكلمة أخرى: إن تصنيف الجماعات العراقية ـ المتداول حاليا ـ ليس تعريفا جامعا مانعا لانتماءاتها المتعددة, وإنما هو تصنيف حسب انتماءاتها التي أبرزتها الضرورة المرحلية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مصير مفاوضات القاهرة بين حسابات نتنياهو والسنوار | #غرفة_الأ


.. التواجد الإيراني في إفريقيا.. توسع وتأثير متزايد وسط استمرار




.. هاليفي: سنستبدل القوات ونسمح لجنود الاحتياط بالاستراحة ليعود


.. قراءة عسكرية.. عمليات نوعية تستهدف تمركزات ومواقع إسرائيلية




.. خارج الصندوق | اتفاق أمني مرتقب بين الرياض وواشنطن.. وهل تقب