الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ربما تعود زهرة!

وجيهة الحويدر

2005 / 7 / 26
حقوق الاطفال والشبيبة



حسنية امرأة تجر همومها المختبئة تحت عبائتها كل يوم لتعبر دروب حياتها الصعبة. الزمن لم ينصف كثير من الناس لكن شقاء هذه المرأة ذو سحنة مختلفة. حظيت برجل معاق او ربما اجبرها القدر ان تتزوج من رجل اصم وشبه كفيف، معدم من كل ملذات الحياة عدا الرضا، لدرجة ان من يراه لا يدري كيف ان الفقر والألم لم يسأما من العيش معه. حسنية ايضا لم تسأم ولم تتراجع ولم تنسحب من حياة زوجها البائس. فالعمر لم يعد يعني لها سوى ان تواصل المسيرة، لإنقاذ ما يمكن انقاذه من قبضة العوز القاسية. رُزقت مثل كل فقراء العالم بكومة صغار وتنتطر رزقهم من الله، لكن الحياة لم تخلف وعودها قط مع احد حتى مع اتعس النساء على هذه الأرض.

في يوم بلا نزعة اندسَ مرض خبيث في دماغ ابنة حسنية الصغرى زهرة، وتسلل كما يتسلل الثعبان الغادر في مكمن فريسته الآمنة. صار ورم السرطان ينهش طوال الساعة في خلايا الذاكرة. اصبحت زهرة تلك الطفلة المسكينة ابنة العشر سنوات، لا تعرف ليلها من نهارها ولا صبحها من مسائها من شدة الصداع والدوار والحمى التي ألمت بها. حسنية الأم لم تجد دموعا لتذرفها على ألم ابنتها. فكما غدر بها الزمن غدرت بها ايضا دموعها حين احتاجتها لتغسل بها صديد الأوجاع العالقة هنا وهناك..

حملت حسنية نفسها المهشمة من شدة الصدمة وهي ممسكة بأبنتها ذات الوجه الشاحب والملامح المنهكة، وفرّت بها الى المستشفى الوحيد في المدينة، وكان الرد من كل الأخصائين انه لا بد من فتح هامة زهرة لإستئصال الورم، ودون وعود بالشفاء الكامل، فالأعراض الجانبية لا تعلم بها سوى الأيام التي ستحملها بين طياتها. قد تُشل زهرة تماما، او قد تُصاب بالعمى.. كل ذلك في علم الغيب كما افهموا والدتها..ومرة اخرى تشح الدموع على حسنية بالسيلان وتصتعصي عليها المرارة، وتتصلب تقاسيم وجهها ليصبح كجليد سيبيريا الذي لا يوجد فيه اي بارقة دفء تنم عن حياة...

حسنية امرأة بقيت تعيش على أمل وحيد مترنح غير اكيد الحدوث..سعت بجمع مال من فاعلي الخير وجمعية الإعانة، لتذهب بأبنتها الى مستشفى خارج المدينة، لتسألهم عن حالة زهرة..تود ان تسمع وعودا اخرى..تريد ان تجد نورا في نهاية النفق المعتم الذي يحاصرها بظلمته من كل الجوانب..تحلم كل لحظة أن زهرة ستتعافي بعد العملية، وانها ستعيش مثل جميع صغيرات حارتها الفقيرة..بين الأتربة والبيوت المتهالكة..وستكمل دراستها في مدرستها العتيقة التي تكاد تتهاوى على التلميذات كلما عصفت بها الأمطار..ربما تعود زهرة لتداعب المعتوهات والمعتوهين المنتشرين في الأزقة كالوباء المزمن..وتمزح معهم وتلاطفهم وتساعدهم كعادتها..ربما ترجع زهرة للعب مع اختها الكبرى الصماء التي ورثت عاهة والدها، وتعينها على مشاغلها اليومية..ربما تعود لتقرأ لأخوتها الصغار من كتبها المدرسية وتسليهم..ربما تعود زهرة للدنيا ..لعبائتها.. وحجابها.. وملابسها الرثة لترتديها مرة بعد اخرى..ربما تعود لتكمل مسيرتها..ربما تعود وتهزم كل معالم شقاء والدتها..

وجيهة الحويدر
---------------------------------------------------------------------------------------------

زهرة طفلة بحرينية بفضل الدكتور أمين آل طه والاستاذ حمود العتيبي ستتلقى علاجا قريبا في المستشفى التخصصي في الرياض على نفقة حامي الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الأمم المتحدة: هناك فوضى تامة في غزة وإسرائيل مسؤولة عنها


.. الجيش الإسرائيلي يواصل استهداف تجمعات النازحين برفح




.. الأمم المتحدة تدعو لتسهيل وصول المساعدات الإنسانية في السودا


.. الجيش الإسرائيلي يرتكب مجزرة بقصف تجمعات النازحين غرب رفح




.. دبابات إسرائيلية تقصف خيام النازحين في مواصي رفح