الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إلى حركة حماس: على هامش أزمة الرواتب والمشروع الوطني !

عبدالله أبو شرخ
(Abdallah M Abusharekh)

2014 / 6 / 9
القضية الفلسطينية


بداية، أود القول بأني نأيت بنفسي عن الصراع المحتدم على السلطة بين حماس وفتح طوال السنوات الأخيرة، والواقع، ولكي أكون صادقاً مع نفسي، فإنني لم أؤيد مشروع السلطة واتفاق أوسلو " غير الشرعي " والذي جاء كنتيجة انقلاب على أحلام الشعب في الانتفاضة الأولى، وما زلت أرى السلطة تعمل كمقاول لحراسة الجيتوهات والمعازل العنصرية التي فرضها الاحتلال الصهيوني، وأن دولة عباس – ليفني التي ستقام على أقل من 13 % على مساحة فلسطين مع بقاء التكتلات الاستيطانية الكبرى وتهويد القدس والأغوار لا تمثل حلاً عادلاً أو أخلاقياً لمشكلة الشعب الفلسطيني، هذا لو وضعنا في الاعتبار أن سلطة أوسلو تنازلت عن حق العودة على لسان رئيس السلطة ( ورئيس المنظمة، ورئيس فتح ) !

لكن اتفاق أوسلو أصبح أمراً واقعاً كحلقة أساسية ضمن مخطط عزل وفصل الشعب الفلسطيني عن أرضه وحقوقه الإنسانية بالعيش بحرية وكرامة. أصبحت هناك سلطة تستأثر بمقدرات الشعب الفلسطيني، وتحوز فتح وحدها على نصيب الأسد في وظائف السلطة سواء العسكرية أو المدنية، ثم أغلقت إسرائيل الخط الأخضر أمام عمال غزة ( عمال الضفة ما زالوا يعملون داخل إسرائيل ) وذلك ضمن إجراء عقابي ضد العمليات التي استهدفت المدنيين في إسرائيل، وزادت العقوبات بالحصار الجوي والبحري والبري ومنع التصدير حتى أصبحت رواتب السلطة هي مصدر الرزق شبه الوحيد في قطاع غزة.

مقدرات الشعب الفلسطيني التي تصرف رواتب لـ 70 ألف موظف من فتح، هي بالأساس جملة من المنح والتبرعات التي تعطى للشعب الفلسطيني ككل، إضافة إلى جزء كبير من موازنة السلطة وهو العائدات الضريبية التي ندفعها من دمائنا.

في ظل هكذا وضع كان لابد من الثورة على الظلم الفتحاوي لأكثر من 300 ألف عاطل عن العمل في غزة بضمنهم 80 ألف من خريجي الجامعات، وهذا يعني، أننا لو أردنا البحث عن العدالة الاجتماعية فإن علينا أن نبحث إعادة جميع التعيينات والترقيات ( الرشوات ؟ شراء الذمم ؟ ) التي تمت منذ نشوء السلطة عام 1994 وحتى الآن، فهي كانت تعيينات تقوم على الطاعة والولاء وليست تعيينات الكفاءة والعطاء، ومن موقعي كمختص بالرياضيات أستطيع القول بأن أداء السلطة في تكوين المناهج كان مخزياً ورديئاً، وهو الأمر الذي ميز أداء السلطة وفسادها المالي والإداري فأفسدوا جميع مناحي الحياة وقضوا على إمكانية تكون مجتمع مدني متطور يوظف أموال الدعم في قنواتها التي تخدم بناء المجتمع ونهوضه بشكل علمي ومتوازن.

لكن هذا ما وصلنا إليه، ولابد لنا من التفكير ملياً في واقعنا الشعبي والاجتماعي المتفاقم مع سنوات الحصار العقابي، فحماس بعد أوسلو وجدت لنفسها مشروعاً يضمن لها تمويلاً جيداً من أموال الدعم والصمود ورعاية الأيتام وعائدات الأنفاق والضرائب والتراخيص والمخالفات والرسوم الإدارية التي وصلت حد فرض مبلغ 10 شواقل على أطفال غزة الذين يعملون كعتالين أو موصلين في الأسواق، وهو إجراء مخزي، ذاك أن عمالة الأطفال غير قانونية وغير أخلاقية فكيف بحكومة تدعي الأخلاق الربانية أن تتاجر بدماء الأطفال البؤساء ؟!؟

الجبهة الشعبية عارضت أوسلو، ولم تأخذ حصتها في كعكة السلطة، وبعد إغلاق إسرائيل للخط الأخضر، جاع رفاق الجبهة، فتشتتوا في الأرض، فمنهم من وجد واسطة لكي يعمل في السلطة، ومنهم من عمل مع سلطة حماس أو حتى أصبح هو نفسه حماس، لكن الأغلبية ظلت بلا مأوى !

تنظيمات اليسار الفلسطيني بشكل عام فشلت في تنظيم أكثر من 300 ألف عاطل عن العمل رغم ادعائها بأن العمال والفقراء على سلم أولوياتها، لكن مسؤولي تلك التنظيمات فضلوا العمل كمدير في السلطة أو مدير في مؤسسة NGO وأصبح العمال والعاطلين عن العمل بلا قيادة تنظمهم أو تهتم لشؤونهم !

فتح فرضت اتفاق أوسلو " السري " على الشعب بأسره ودخلت مراحل مساومات وتنازلات وصلت حد اعتبار عودة اللاجئين " هراء ! "، أي أن فتح قد فرضت الاستسلام ووفرت سلطة تقدم التنسيق الأمني للاحتلال الصهيوني بينما غول الاستيطان يفترس ما تبقى من أرض.
ملحوظة: المستوطنات نهبت 50 % من أرض الضفة، والجدار العازل قضم 12 %، والطرق الالتفافية نهبت 8 %، أي أن 70 % من أراضي الضفة عملياً تحت السيادة الإسرائيلية !!

لكن من جهة أخرى، حماس لم تمارس مقاومة شعبية مقبولة عالمياً، بل مارست أشكال من المقاومة المشروعة ( ضد جنود الاحتلال ) ومقاومة غير مشروعة ( استهداف مدنيين )، ثم دخلنا مرحلة القصف الصاروخي الذي يدخل ضمن نطاق الحرب المفتوحة وليس المقاومة، ومع استمرار الحصار والعقوبات الاقتصادية القاسية على غزة أصبح مشروع المقاومة يساوي انتحاراً حقيقياً !!

فتح فرضت سلطة أوسلو ومنطق الاستسلام والتفريط بحق العودة، وحماس فرضت ما يشبه الانتحار !!

وبما أن الكلام يستدعي كلاماً آخر، أتساءل، ماذا قدمت منظمة التحرير بفصائلها العشر منذ 1964 وحتى اللحظة ؟؟! ماذا قدمت الحركات القومية والإسلامية ؟؟! ما هي إنجازات الجميع على أرض الواقع ؟؟! بصدق ودون انفعال ؟؟! لقد تحولت جميع المدن الفلسطينية إلى سجون أو جيتوهات معزولة .. جميع الأراضي الفلسطينية ( بما فيها غزة ) هي أراض خاضعة للسيطرة الصهيونية، بدليل إطلاق النار اليومي على الصيادين والتوغلات شرق خانيونس وبيت لاهيا، وبدليل القنوات الفضائية التي لا نشاهدها إلا بإذن من الاحتلال، وحتى بدليل الشواقل الإسرائيلية في جيوب السادة محمود الزهار وإسماعيل هنية !

يجب أن نصحو من بذخ السيارات الفخمة والفارهة ومشاهد المرافقين والحراس وفقاعات الاحتفالات بالنصر المؤزر، فهذه كلها لم تمنع إطلاق الرصاص على الصيادين البؤساء كما لم تمنع اغتيال الرموز والقادة العظماء !

نحن نعيش واقعياً تحت السيطرة الصهيونية، ويجب أن نفكر في استراتيجية جديدة تخطو بشعبنا قدماً نحو تحقيق أهدافه في العيش بكرامة وعدالة وحرية في وطنه. لو فكرنا ملياً في الواقع الجيو – سياسي الذي يفرضه الاحتلال، لوجدنا أننا نعيش داخل معازل عنصرية تفرضها العقلية الإجرامية الصهيونية، وأننا نقترب بشدة من النموذج الجنوب أفريقي. يتوجب علينا أن نطالب بالعيش في دولة ديمقراطية واحدة تضمن المساواة كما تضمن عودة اللاجئين. هل هو حلم ؟! فليكن، من كان يصدق أن العنصرية البيضاء في جنوب أفريقيا سوف تسقط وتتهاوى أمام حملات المقاطعة ؟! من كان يصدق أن الزعيم مانديلاً سيدخل السجن عام 1962 بتهمة ممارسة العنف المسلح، ثم يغير استراتيجية العنف إلى المطالبة بإسقاط التفكير العنصري بوسائل سلمية وحضارية ؟؟! الكفاح المسلح هو وسيلة لكن منذ متى كانت الوسيلة مقدسة ؟!

اليسار الأوروبي تغير، فلم يعد وجود لنمظمة الألوية الحمراء الإيطالية المتطرفة ولا وجود الآن للجيش الأحمر الياباني، بل أصبحوا ينظمون قوى الكادحين والفقراء في نقابات مهنية ومدنية تخوض انتخابات ديمقراطية وتحقق مكاسب حقيقية مثلما فعلت أحزاب الخضر وأصدقاء البيئة في البرلمان الأوروبي، ولكن اليسار العربي ( تماثيل الخشب ) تراجع وفقد مواقعه النضالية المتقدمة رغم تفاقم البطالة وانتشار الفقر المدقع !!

أفتخر بأنني أعلم جيداً عن جماعات BDS أو (Boycott Disinvestment and Sanction ) التي ضغطت من أجل المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض عقوبات على حكومة جنوب أفريقيا، وأعلم جيداً بأن تلك الجماعات تحتوي على عدة أحزب ومنظمات، وأن التيارات التي تشكل غالبية فيها هي تلك المؤيدة لقيام دولة واحدة ديمقراطية ! للمزيد انظر http://www.odsg.org/co

أدعو مجدداً جميع فصائل وقوى ومنظمات الشعب الفلسطيني إلى فتح حوار وطني شامل يؤدي إلى وضع خطة وطنية شاملة تتبنى خيار الدولة الديمقراطية الواحدة مع ضمان حق العودة والمساواة.

كما أدعو حركة حماس إلى الكف عن منطق العربدة والاعتداء بوضع اليد على البنوك ورواتب الموظفين، وأن تمارس الاحتجاج السلمي عن طريق الاعتصام أو الإضراب أو التظاهر أو عقد مؤتمرات صحفية تفضح فساد السلطة وتعييناتها وتطالب بحل مشكلة 300 ألف عاطل عن العمل، منهم فقط 40 ألف موظف لحماس !! أي أن المشكلة ليست فقط رواتب حماس كما صورت لنا وسائل الإعلام !

لا تفوتوا فرصة بناء مجتمع مدني متحضر يؤمن بالاحتجاج السلمي وينبذ العنف ويحرم الاعتقال السياسي ويضع حداً لمأساة شعب بأسره يعاني من فقدان الوطن منذ 66 عاماً .. فما رأيكم دام فضلكم ؟!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - مقالة ممتازة
تيسير زقوت ( 2014 / 6 / 9 - 14:39 )
تشريح علمي ودقيق لاوضعنا ,, مقال يستحق الدراسة بعناية ودقة من صانعي القرار ,, فعلا نحن بحاجة لصياغة استراتيجات جديدة للتعامل مع ازماتنا واخفاقاتنا المتكررة ,, وعلى اليسار الفلسطيني اعادة ترتيب نفسه من جديد ولفظ كل من يحاول جعل اليسار معقلا للبرجوازية. دمت بكل ود استاذ عبد الله ودام قلمك الجرئ


2 - آآآآآن لهم أن يرحلوا
أحمد العربي ( 2014 / 6 / 9 - 15:11 )
لقد ولغت كل من حماس وفتح في مستقبلنا ومستقبل أبنائنا وآآآن لهم أن يرحلوا عن صدورنا ، يكفي ما استنزفوه من دمائنا ، يكفي كل هذا الكم الهائل من التضحيات الجمة والكبيرة من الشهداء والجرحى والمعتقلين والمعذبين على أرصفة الطرقات .
اليوم قامت شرطة حماس بضرب إمرأة أرملة جاءت لتتقاضى راتب زوجها ومنعتها من الوصول الى البنك لاستلام راتب زوجها ، وذلك بحجة أنها تفوهت ضدهم ببعض الكلمات، هل تعرف ما الذي تحدثت به المرأة بعد منعها من صرف راتب زوجها، قالت لهم : والله لأفضحكوا وأرادت استخدام كاميرا الجوال ، فهاجموها ضربا على المفاصل - خبراء ومتدربون على التكسير،، بقايا رابين - وهي الان بمشفى الشفاء،، ،، عن أي دين يتكلم هؤلاء ؟ عن أي إنسانية يتحدثون؟ إلى أي غاب يسيرون بنا ؟؟
يا أمة ضحكت من تخلفها الأمم ، إن في فمنا دما ..... ثم ما الذي فعلته فتح أو السلطة ؟
من لهذا الشعب المظلوب والمنكوب ؟
إننا كشعب فلسطيني ضحايا خطين كذوبين مجرمين : خط المفاوضات العبثية والهزيلة ، وخط المقاومة الكاذبة ، فمتى سنتححر منهما ؟ لقد أضافوا إلينا أعباء أكثر من عبء الاحتلال ذاته ، كل التحية لك أستاذ عبد الله شرخ


3 - هي الدولة الواحدة
مصعب بشير ( 2014 / 6 / 9 - 19:36 )
لقد اتسم نضال الشعب الفلسطيني بالفوضى وقصور الرؤيا، قدم الكادحون كل التضحيات وقطفت الزعامات القميئة الثمار. أن ما نريده الآن انتخابات مجلس وطني في كل أماكن تواجد الفلسطينيين لإعادة صياغة ميثاق وطني منطقي وعصري. إلى أن يتم ذلك علينا أن نستعد لرد فعل الكيان الصهيوني، وضع آليات إدارة ثورية اقتصادية للحياة اليومية. التشبيك مع اليهود اللاصهاينة ممن هم داخل وخارج فلسطين، تشكيل جماعات ضاغطة. الأهم أن نستعد لدولة من البحر إلى النهر ذات .دستور جديد وعلم جديد ولغتان رسميتان

اخر الافلام

.. كأس أمم أوروبا: إسبانيا تكتسح جورجيا وإنكلترا تفوز بصعوبة عل


.. الجولة الأولى من الانتخابات التشريعية الفرنسية: نتائج ودعوات




.. أولمرت: إذا اندلعت حرب شاملة مع حزب الله قد يختفي لبنان.. وا


.. إسرائيل تتحدث عن جاهزية خطط اليوم التالي للحرب وتختبر نموذجا




.. ميليشيا عراقية تهدد باستهداف أنبوب النفط المتجه إلى الأردن|