الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قراءة في نص - الى امراة توضأت بالطفولة والوجع- جوتيار تمر / عايده بدر

عايده بدر
باحثة أكاديمية وكاتبة شاعرة وقاصة

(Ayda Badr)

2014 / 6 / 10
الادب والفن


الى امراة توضأت بالطفولة والوجع
حرف الجر الذي يقابلنا في بداية النص لا يمنح دلالة لغوية فقط بأن ما سيليه تابع له بل يمنحنا دلالة الإشارة نحو امرأة محددة بذاتها
ربط حالها بفعل الوضوء و الوضوء يمنحنا متلازمات الخشوع و السكون و الرهبة و التأهب لإقامة الصلاة لكن الصلاة هنا مختلفة فالصلاة هنا للوجع و الطفولة معا ...
ما الذي يربط بين الوجع والطفولة إلا زمنا تغتال فيه الطفولة التي ترتبط في أصلها بالفرح و البراءة و الجمال و تبتعد قدرا بعيدا عن الألم و الأوجاع
لكننا هنا نقف أمام امرأة تتأهب للصلاة على مواجع الطفولة المهترئة

كان في دمي وطن وذكريات رديئة
عن الخراب........
كان الموت فيه مملكتي.....
انتقالية مختلفة هنا بعد العنوان الذي هو بمثابة الدليل الذي يقودنا نحو عناصر هذه اللوحة و هو في ذات الوقت الإطار الحامي لها من خروج قد يشذ بالمعنى عن مبتغاه ...
هذه الإنتقالية أول خطونا الذي يمهد لفهم الرابط بين الطفولة و الوجع في لوحة المرأة
المرأة أم حتى و لو لم تكن بالجسد لكن المرأة مرتبطة دائما بالأرض بدورة الخصوبة و التوالد و الانجاب , و الطفولة ميلاد متجددة للحياة بدونها تتوقف أنفاس الحياة على الأرض
و تستحيل لوجهها الأصلي و هو الخراب و الوجع و الألم , و الوجع هو وجه الأرض الأصلي المختفي وراء خصوبة الميلاد المتجدد
لدينا فعلين ناقصين يستفتح بهما الشاعر قصيدته يشيران لحدث ماض توقف عن الحضور بفعل شيء غير من مسار وجوده
( كان في دمي وطن وذكريات رديئة عن الخراب........ كان الموت فيه مملكتي.....) فهذه الصورة التي التصقت به
و كونت لديه ذكريات رديئة ملؤها الخراب و الدمار توجت فيها الموت مملكة للأحياء في ذاكرته ووجدانه بل في نسيج تكوينه الذي انضوى على وطن لا يعرف غير الموت سلطانا على عرش الحياة .
هل استمر هذا الفعل ( الموت ) حاضرا أم توقف أم زال أم حدث تغيرا في مسار وجوده بحيث اختلف شكله و لم يختلف مضمونه ؟
هل سينتقل بنا الشاعر لمستو آخر يرسم به مرحلة جديدة ؟هذا لم نعلمه إلا بالسير حسب ما اقتضى لنا مسار الحرف هنا تقودنا نفس المرأة و دليلنا لا يزال هو الوجع
الحضور اللافت هنا في السطور الآتية هو حضور المخاطبة فالمرأة لا تحضر بذاتها بل هي على الطرف الآخر من القصيدة يناديها :
(اناديك من وحشة ظلّي من قحطي
كي أرسمك قصيدة...........وتميمة في طرف ضلعي
كي أعانق صورتك في الغياب )
بما أننا علمنا ما هي مملكة الشاعر التي تسكن دمه و ذاكرته , حاضره و من قبل ماضيه فلن يكون غريبا أن يخرج إليها النداء من ظل مستوحش ,
من قحط تنجبه مملكة الموتى/ الأحياء ... لكن لماذا النداء ؟ هل سيغير من أمر الموت شيئا ؟ هل سيجعل الفعل الناقص أعلى سطور الذاكرة تاما بحضور المنادى عليها ؟
الإجابة حاضرة أمامنا (كي أرسمك قصيدة...........وتميمة في طرف ضلعي ..... كي أعانق صورتك في الغياب )
إذا كان المحصلة من النداء غياب فلماذا لا نعتبر أن الموت هنا بدأ يتخذ أشكالا متغيرة بخلاف الموت الجسدي و الحسي فقط فالقصيدة التي سيرسمها
و التميمة التي سيعلقها سيظلان هما ما يتبقى من صورتها حين تغيب و الغياب موت آخر يضاف إلى قائمة أشكال الموت المتعددة
بين الحضور و الغياب تتشكل مسارات الحرف فهناك ما يشبه المنولوج الداخلي الذي يقيمه الشاعر مع ذاته
( كنت في اللغة.........كنت افسر البكاء
حين يرتل وطني آيات الدّم
هنا ..........في المدى ليل ناضج يشبه الدّمع
يعيد للشهقة لونها )

في الوقت الذي يسير بحذاه ديالوج بينه و بين المرأة كطرف سلبي في الحضور الظاهري الفعال ، إيجابي في بناء مسار رحلة الموت فحتى الآن كل ما نعلمه عنها هو ارتباطها بالطفولة و الوجع
(سأكتب لصورتك أحجية تتمرّد على مسارات القدر
على عشب يموت.........
ونخلة تنحني لشمس تبكي الوطن
لصورتك فاكهتها........كي ترتوي من النّدى شفتاك
هذا العشب يترصد جسدا يغسله الليل
ذاك وجهك يتلبسني في القصيد
في تراتيل الكهان القديمة
ذاك وجهك في تعبي قميص للقلب.........)

الصورتان المرسومتان هنا بعناية يتيحان لنا تأمل من نوع آخر :
كنت في اللغة.........كنت افسر البكاء
حين يرتل وطني آيات الدّم
هنا ..........في المدى ليل ناضج يشبه الدّمع
يعيد للشهقة لونها

حين يحيل تفسير البكاء إلى معاناة وطنه المذبوح بآيات الدم كلما ازداد ترتيل الوطن للدم كلما اتضح أكثر معنى البكاء في اللغة و هذا التوحد بينه و بين الوطن لا انفصام بينهما
ثم تأتي ( هنا ) الإشارة التي تحدد المكان دون تسميته في المدى و المدى لا حدود له لكن هناك ارتباط خفي بين هذا المدى اللامحدود
و بين الوطن من جهة و بينه و بين الذات الشاعرة من جهة أخرى فالوطن و المدى و روح الشاعر يتفقون في تفسير البكاء الذي هو بصورته الدموع و الدم
و الظلام الذي يحيلنا إليه تعبيره ( ليل ناضج ) كأنه اكتملت فيه كل مقومت الحزن فبات صالحا لمزيد من دمع آكثر

تكرار ( صورتك ) يلحقها مرة بأحجية متمردة سيكتبها هو لكنه يفصح عن ملامح تخصها في فاكهتها و ملامحها الذاتية
الأحجية تتمرد على مسارات القدر و مكتوبة فوق عشب يموت هو ذاته العشب الذي يكرر استحضاره و يترصد جسدا يغسله الليل
إذن الأحجية هنا المتمردة على مسارات القدر ستعيد إحياء العشب من جديد خاصة إذا اعدنا قراءة الجملة الشعرية بصورة مختلفة
(سأكتب لصورتك أحجية تتمرّد على مسارات القدر وسأكتب لصورتك فاكهتها) فتكون المحصلة هنا أن هذ العشب الذي يموت سيحيا من جديد و ترتوي من الندى شفتاها
أما الصورة (ونخلة تنحني لشمس تبكي الوطن )
النخلة التي تنحني لشمس فهي رمزية عالية تفسر صورة الوطنين اللذان يحياهما الشاعر خارجيا و داخليا فالنخلى رمز الوطن الأكبر ( العراق )
و الشمس رمز الوطن ( كوردستان ) و كلاهما وطن مزروع فيه الشاعر لخاصرته
و هذا العشب الذي يموت و في رأي هو رمز آخر لحزن الوطن لأنه كلما مات تجدد من جديد هو يموت لكنه في ذات الوقت يترصد جسدا يغسله الليل
و لا أظن الشاعر هنا يتحدث إلا عن ذاته هو رامزا لنفسه بالجسد الذي يغسله الظلام و الحزن و الوجع ووطن مدمى منذ الآزل لا يغيب عن حضوره الدائم في ذاته

سأكتب لصورتك أحجية تتمرّد على مسارات القدر
على عشب يموت.........
ونخلة تنحني لشمس تبكي الوطن
لصورتك فاكهتها........كي ترتوي من النّدى شفتاك
هذا العشب يترصد جسدا يغسله الليل
لعل هنا في القفلة انتقال من حالة الرصد النفسي الروحي و الحسي الجسدي الذي عشنا معه منذ بداية القصيدة ليختم بتكرار ( وجهك )
ليكون هو الملاذ الذي يركن إليه حين يبحث عن الراحة ، فالوجه الذي يتلبسه في القصيدة ، في التراتيل ، في التعب اعتبره قميصا يحمي القلب من وحشة العراء
ذاك وجهك يتلبسني في القصيد
في تراتيل الكهان القديمة
ذاك وجهك في تعبي قميص للقلب
.....
عايده بدر
8-6-2014








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - شكرا لك
منيب الراجي ( 2014 / 6 / 10 - 15:25 )
تنشقت عطر الشعر في مرآتك سيدتي
رؤية تأخذ بتلابيب قارئها و تجبره على تتبع مسار الكلمات
فالشعر هنا حقيقي و الرؤية صادقة
تقبلي تحياتي

اخر الافلام

.. وفاة زوجة الفنان أحمد عدوية


.. طارق الشناوي يحسم جدل عن أم كلثوم.. بشهادة عمه مأمون الشناوي




.. إزاي عبد الوهاب قدر يقنع أم كلثوم تغني بالطريقة اللي بتظهر ب


.. طارق الشناوي بيحكي أول أغنية تقولها أم كلثوم كلمات مش غنا ?




.. قصة غريبة عن أغنية أنساك لأم كلثوم.. لحنها محمد فوزي ولا بلي