الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لقطة المترو

مجاهد الطيب
(Megahed Al-taieb)

2014 / 6 / 10
الادب والفن


لقطة المترو
أقف وسط الزحام ، ووجهي – كالعادة - في اتجاه سير المترو.
الصوت مؤثر فعلا ، ومستقل ، يعمل بكفاءة على نطاق واسع ، لمّا يهبط إلى قاع بعد قمة يظل مسموعا.
تجلس عكس الاتجاه ، لكنها بدتْ قبل أنت تبدو ، بفضل قوة الإشارة وجودتها ، وبفضل أشياء اخرى . الصوت يقول : جميلة ، موهوبة ، لطيفة ، ودودة إلى الدرجة المطلوبة ، ليس هذا هو الظهور الأول لها ، والشاهد على ذلك مايحدث حالا ، هي تعرف ما تود قوله .حاضرة الذهن ، وربما تحضرُها أذهانٌ أخرى ، لا تبحث عن الكلام ، كأنها قالته من قبل عشرات المرات . يمكن أن نضيف إلى الجملة السابقة : " ومع ذلك كأنها تصنعه الآن – على إيدك ".
شدَّني - أن أرى قبل أن أرى – الصوت ، صوتها لا يدع الجملة في الوِسْع ، إلا بعد أن يلون بعض كلماتها أو يظللها أو يضع خطوطا تحت المستهدف أكثر ، وفي أحيان قليلة قد يُخرج سهما من الكلمة ؛ ليشرحها في هامش صغير، سكتاتها تطول وتقصر ؛ لتعطي المجال للتفاعل أوالاستحسان ، أو لسحب الجملة القادمة برفق . أعتقد أنها كانت مهتمة جدا أن يتم التسليم والتسلُّم بصورة محددة ، تعرفها ، وتنتظر حدوثها ؛ لتكمل . تفعل ذلك كله بـ الطريقة.
عندما التفتُّ ؛ لأدخل عصر الصورة ، لم تكن هناك مفاجآت ، كانت كما الصوت : جميلة موهوبة ودودة سريعة البديهة ، وبسيطة وعفوية . ثمة خفة أو تفاهة ؟ تفاهتها – إنْ كانت - في صميم الشخصية .
هذه التفاهة – فرضًا يعني - إنْ عُزلتْ لصارت الأمور في غاية الخطورة : ستأخذ في سكتها ما لا يُقدَّر: حضورها اللافت المتعوب فيه ، قدرتها على البث عكس الاتجاه ، اختلاف الوتيرة ، التنوع المذهل في عناصر الجملة ، التنقل بيسر بين عدد من الموضوعات في فترة زمنية جد محدودة ، لا تزيد بأية حال عن أربع محطات مترو.
تطعّم الجمل بقفشات من وحي اللحظة ، وبنفس خيط الغزْل ، تعقبها ابتسامة محدودة منها ، وابتسامة أكبر من صديقتها ، قد تضحك الصديقة أو تكركر ، لكنها تعود سريعا . أنا أقدِّر اللعبة الحلوة ، ولا أستطيع إلا أن أتفاعل ، بالطبع قد أحاول التماسك أحيانا ، من باب الغلاسة أو من باب احترام خصوصية من يشاركونني بالصدفة وسيلة مواصلات عامة .
المهم، قهقهتُ وعلا صوتي وصوت آخرين ، لكن العرض لم يتوقف للحظة ، هي تكتفي بابتسامة قصيرة كأنها ترشد إلى نوع الاستجابات المطلوبة ، لا أكثر ، وأنا وصديقتها وآخرون - كما ترون . استغربت هذا البرود منها ، لكن الصراحة بعد تفكير ليس طويلا ، تيقنتُ : كل ما في الأمر أنها كانت مشغولة بـ التالي ، هي تقدم فقرة طويلة ، ولن تنجرف في تيار إعجاب مازال في مهده ، فضلا عن كونها تبث على الهواء .
لما التفتُّ ؛ فصرت في نفس الاتجاه كانت تحادث صديقتها المواجهة لها في المترو ، نعم هي أصغر قليلا من صوتها ، لكن لا نستطيع أن نتحدث بالمرة عن " عدم مناسبة " . المترو شديد الازدحام ، إلا أنها لم تتأثر ، ليس لأهمية ما تقول أوإلحاحه ، في الغالب هي اعتادت أنْ تنجز في أصعب الظروف.
إضافة إلى ما سبق ، ما كان مؤثرا في المشهد هو المشاركة المميَّزة لصديقتها ، كانت دائمة التفاعل المحسوب والعفوي ، والابتسام والضحك بدرجاته ، ومع ذلك لم تكن ، في أي لحظة ، مأخوذة تماما . مداخلاتها محدودة ، لكن في القلب . تقدر مسألة الوقت – المترو لن يظل سائرا إلى الأبد ؛ لذا لم أسمع كلمة واحدة ، سواء عندما كانت عكس الاتجاه أو فيما بعد ، ما من شأنه تشيتت الأهداف المرجوة . أنت أمام خطاب متسق ، حقيقي ومؤثر ، يتم بين صديقتين - طرفين أحدهما أساسي والثاني جمهور.
تشعر كأن الحلقة قد تم تجهيزها من قبل ، لصناعة صورة ؟ بحثا عن جمهور أوسع ؟ أي صورة وأي جمهور ؟! عندما تأتي المحطة المطلوبة ستنزلان فجأة . تاركتين خلفهما إعجابا يتناقص تدريجيا ، مع كل محطة . أعتقد أن الإعداد قد تم فعلا، بهدف أن يصير العفوي عفويا ، فكما هو معروف ، الحقيقي لن يسعفه فقط كونه حقيقيا .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أحمد حلمى من مهرجان روتردام للفيلم العربي: سعيد جدا بتكريمي


.. مقابلة فنية | الممثل والمخرج عصام بوخالد: غزة ستقلب العالم |




.. احمد حلمي على العجلة في شوارع روتردام بهولندا قبل تكريمه بمه


.. مراسل الجزيرة هاني الشاعر يرصد التطورات الميدانية في قطاع غز




.. -أنا مع تعدد الزوجات... والقصة مش قصة شرع-... هذا ما قاله ال