الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رُبَّ ضارةٍ نافعة

محمد كمال

2014 / 6 / 11
مواضيع وابحاث سياسية




في ظلمة قانون “منع الأجانب من السياقة” يتناول المواطنون الموضوع بتندر وسخرية، والكل متفق على أن هذا القانون لا يحل أية مشكلة وخاصة القضية المباشرة للقانون وهي مشاكل المرور، بل أن هذا القانون ستكون له تبعات سلبية، محلية و دولية، فمن الجانب المحلي سيضيف هذا القانون مسؤوليات إضافية على كاهل إدارة المرور وهي إجراءات رصد المركبات على الطرقات بغية التأكد أن السائق مصرح له بالسياقة، وعلينا أن نقيس هذا الدور ونتائجه على سلاسة سير المرور وما يخلقه من عراقيل وتجميد لحركة المرور ومضايقة المواطنين وأولئك الأجانب المصرح لهم بالسياقة وتأثير ذلك على الموظفين وأصحاب المصالح وبقية المواطنين في تأخير مواعيدهم ومصالحهم، فمن الواضح أن هذا القانون سيخلق وضعاً مرورياً أسوأ من الوضع القائم والذي يتسبب فيه أبناء الوطن بشكل أساسي وليس الأجانب، وهذا فقط من جانب واحد، وعلينا أن نقيس التراكمات السلبية وما تتمخض منها من مشاكل وهي ستكون كثيرة، ولا يمكننا أن نفهم الماكينة الفكرية التي أنتجت هذا القانون الأهوج غير المبرر إطلاقاً، والأسوأ من ذلك أن ينصاع مجلس الشورى وتقف الحكومة محتارة، ومحلياً كذلك علينا أن نتصور تأثير هذا القانون على سير حياة العمالة الوافدة وعائلاتهم، فكيف يمكنهم الذهاب إلى أعمالهم وتلبية حاجياتهم من تسوق ومراجعة للمستشفيات والترفيه عن أبنائهم, وحتماً من غير المجدي وغير المعقول أن يستعين هؤلاء العاملين بسيارات الأجرة للتنقل بغية تلبية حاجياتهم وضروراتهم. أما دولياً فإن القانون يتنافى مع أبسط الحقوق البشرية والموثقة في متن المواثيق والقوانين والمعايير الدولية، من هيئات حقوقية تابعة للأمم المتحدة وأخرى منتشرة على طول الكرة الأرضية وعرضها وهي تمثل الصوت الصارخ والواضح ضد أي قانون وطني لا يراعي الحقوق الطبيعية للإنسان في العالم أجمع، وترصد هذه الهيئات الأوضاع التشريعية في جميع الدول للتأكد من أن حقوق وكرامة الإنسان مصانة، وعندما يحصل أي خروج عن هذه المواثيق والمعايير الدولية، فإن الدولة المعنية ـ وفي حالة قانون برلماننا، مملكة البحرين هي المعنية – ستكون عرضة للمساءلة والهجوم الإعلامي على المستوى العالمي الواسع، وخاصة إذا كان القانون يزكم الأنوف بعنصرية فائحة وتنحى منحى التفضيل والتفاضل، والقانون الذي أنتجته عبقرية عقول نوابنا النوابغ لا يخرج عن دائرة التبعية للروح العنصرية البغيضة في الوقت الذي لم تجف فيه بعد الحبر الذي صاغ ووثق معطيات ومخرجات مؤتمر التسامح بين الأديان والتي تشرفت دولة البحرين بتنظيمه وتنفيذه.
هذه هي بعض من الماّخذ والنقد الموضوعي ضد هذا القانون المشين، ولكن برز على سطح النقاش رأي من شاب في العشرينيات من عمره يفيد بأنه رغم النقد الموضوعي السليم إلاّ أن هناك جانبا إيجابيا لهذا القانون، وكان منطق هذا الشاب أن الإيجابية في تطبيق هذا القانون هي توفر فرص العمل للبحرينيين في الشركات والمؤسسات الأهلية والحكومية، كان الاستفسار عن ماهية هذه العلاقة بين القانون وتوفر فرص العمل للبحرينيين، فكانت مقدمات منطقه أنه في حالة التطبيق الجدي والكامل والدقيق لهذا القانون فإن البحرين سوف تفقد جاذبيتها للعمالة الوافدة، لأنها ستجد في القانون عبئاً إقتصادياً عليها ناهيك عن المساس بكرامتها وإنسانيتها، ويستتبع ذلك أيضاً خروج أعداد كبيرة من العمالة الوافدة وخاصة صاحبة المؤهلات والمهارات المهنية والحرفية، ومع خروج كثير من العمالة الوافدة وفقدان البحرين بريقها لاجتذاب عمالة أجنبية فإن فراغاً كبيراً سيحصل في بنية الوظائف في النشاط الإقتصادي في البلد، فتتحول معادلة العرض والطلب لصالح البحرينيين. وطبعاً يمتد هذا المنطق لينال من بريق البحرين سلباً بالنسبة لاجتذاب الاستثمارات الأجنبية.
إنه حقاً منطق يثير الاهتمام، وأهم وجه من أوجه هذا المنطق أنه يكشف عن مشكلة تكاد أن تصل إلى مستوى الأزمة، وهي مشكلة البطالة. عندنا بطالة غير مبررة تتمثل في أن أعداداً من خريجي المعاهد والجامعات يجدون صعوبة في الحصول على العمل ناهيك عن عدم نجاحهم في الحصول على الوظائف التي تتلاءم ومؤهلاتهم الأكاديمية أو تخصصاتهم الحرفية.
هذا المنطق المثير للجدل والاهتمام لا يبرر القبول بالقانون المشين، ولكن هذا المنطق قد كشف عن واقع التوازن بين العمالة الوافدة والعمالة الوطنية، وأن هناك خللا في هذه المعادلة التي تقتضي جلب العمالة والخبرات الأجنبية، وعندنا حالات كثيرة تكون فيها هذه المعادلة غير عادلة في حق القوى العاملة الوطنية، وهذه الحالة التي تسود وتستشري في غفلة من الإدارات في المؤسسات والشركات وحتى من قبل الأجهزة المعنية في الدولة.
من سخرية الأوضاع ـ وليس الأقدار ـ أن يخرج من ثنايا قانون مشين منطق يكشف خللاً في معادلة مصيرية وإستراتيجية وهي معادلة التوازن في البنية الوظيفية بين العنصر الوطني والعنصر الأجنبي، وكيف أن المعادلة الحالية تميل وبقوة إلى صالح العنصر الأجنبي على حساب العنصر الوطني, ناهيك عن أن العنصر الأجنبي يتمتع بامتيازات مالية وتسهيلات إدارية لا يحلم بها العنصر الوطني.
هذا الخلل في معادلة إستراتيجية تمثل عصب الحياة للمواطن والوطن في حاجة ماسة إلى مراجعة جادة وبمنهجية علمية وموضوعية من قبل القادة في السياسة ومن قبل الإدارات في الإقتصاد حتى لا يتفاقم الخلل في توازن المعادلة إلى أزمة على مستوى الوطن.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فاتح مايو 2024 في أفق الحروب الأهلية


.. السداسية العربية تصيغ ورقة لخريطة طريق تشمل 4 مراحل أولها عو




.. آخرهم ترامب.. كل حلفائك باعوك يا نتنياهو


.. -شريكة في الفظائع-.. السودان يتهم بريطانيا بعد ما حدث لـ-جلس




.. -اعتبارات سياسية داخلية-.. لماذا يصر نتنياهو على اجتياح رفح؟