الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المسيح يقرر الانتحار

أنطونيوس نبيل

2014 / 6 / 12
الادب والفن



- ويلٌ لمَن يوقظ الأشجار مِن نومها..
- وكيف لنا أن نفعل هذا، يا معلم؟!..
- حين تكفُّون عن الصياح..
- لكننا لم نسمعك تصيح مِن قبل!!..
- لقد اهترأتْ شفتاي مِن الصياح.. لكن أرواحكم الصماء لم تعُد جديرةً بالإنصات إليه.. أيسر عليكم أن تتذكروا مذاق الحليب الذي أرضعتكموه أمهاتكم، مِن أن تتذكروا نكهةَ صراخي المدجَّج بالذكريات..

(وسط إنشداه التلاميذ، يقاطعه أحدهم مُبتَدِراً)

- أخبِرنا يا معلم، كيف تُجازي الأشجارُ مَن يوقظها؟!..

(يجيبهم المعلم هامساً، وكأن الأحرفَ الواهنة التي انبثقتْ بين شفتيه، قطراتٌ من الدم الدَبِق تطفرُ من منقار عصفورٍ يُحتضر وحيداً بين نهدي الظلمة)

- إن أيقظتم الأشجار، فلن تتورَّع عن منعكم مِن صلبي.. ستشُحُّ عليكم بقطعتي الخشب اللتين من فوقهما سأتمم موتي..
- حسناً.. فلنوقظها من سباتها إلى مُنتهى الأيام..
- يا حمقى.. المساميرُ تدعوني، وهي تئن وَجداً.. تاجُ الشوك، يخشى أن يُزهر في انتظاري.. رشفةُ الخل، تتلهف إلى دفءِ لِثَتي الزرقاء.. الحربة، تتباهى بنصلها كما يتفاخر الشيوخ بأسقامهم، تزدان بلدغات البريق؛ لتُعانقَ نبضتي الأخيرة المجعدة.. أنجاسي الأحباء.. لن أخذل كل هذي الأشياء الحبيبة.. لن أخونها، مِن أجل أن أشاطركم أرضاً تتقيأ موتاها، وسماءً ليس في وسع نجومها أن تفعل شيئاً غير أن تتغوطَ ضوءها الفاتر المُزنَّر بالبثور.. لن أخونها، مِن أجل أن أزدرد بينكم لُقمتي المُرة، تحت سُحُبٍ قاتمةٍ تُمطر بتعالٍ أسنانها النَخِرة..

- يا معلم، إنَّا نتبع ظلك، الممسوح بزيت القدرة والجلال، بقلوبٍ تدهق عشقاً تقرَّحتْ أشغفتها في مطاردة أنفاسك، أينما ولَّيتَ وجهَ رُوحِك..
- وأنا أتوسلُ إليكم، أن تمنحوا الأشجار يقظتها؛ كي تمنحوني موتاً.. أن أتنفسَ هواءً نهشَ العِثاثُ ما به من أغنيات، لهُوَ أبشع مِن أن أُصلبَ ألف مرةٍ..
- إذن، فلن ننقطع عن الغناء.. يا كلمة "يهوه".. يا زهرته المتوقدة، التي شطأتْ في بلاقع سِنِي غُربتنا القاحلة..

(يشرع التلاميذ في الغناء، يبدأُ خافتاً، وسرعان ما تنجدلُ الحناجرُ في إيقاع رتيب مشترك)

- كفاكم.. (يضغط بكفَّيه على أُذنيه الشاحبتين، أصابعه محفوفةٌ بجدائل شعره الأشعث، وظاهر يده يخفق للهدير الذي انبجس تحت باطنها).. كفاكم.. إن ألسنتكم كأظافر تخمش سطح الزجاج.. كفاكم صريراً.. إن صريركم ملعونٌ كالخلود، واخزاً كرائحة نقود الصيارفة، أشدَ وطاة من جُرَذٍ ينتحبُ جذلاً قارضاً طرفَ ذيله، وملايين الثعابين تتكالب عليه.. كفاكم.. (يجثو المعلم على ركبتيه مترنحاً، مُتفرِّساً في جيفة ظله).. إن صريركم صمتٌ يعوي..

(يختطف المعلم خنجرَ بطرس، الذي اعتاد أن يَدُسَّه بين إزاره وجلبابه الفضفاض، والذي لم يكن يستخدمه بطرس في سوى تخليص الأسماك من قشورها اللامعة وزعانفها الجموح)

- أيقِظُوا الأشجار.. وإلا، فإن يدي المعروقة هذي وخنجركم اللقيط هذا، كفيلان بأن يُخرسا "يهوه" إلى أبد الآبدين.. هاهما متأهبان للانقضاض على زهرته التي تلقِّبونها بالـ "المعلم".. سأنتِفُ بهما بتلاتها النورانية عن جلدي كاشفاً عن قلبها الأخضر المُغبَّر.. سأُحيلُ الشَغافَ مُزقاً، وسأقذِفُ به نهباً لمناسر الجوارح مفقوءةِ الأعين..

(المعلم يَشُدُّ وَثاق قبضته على المقبض الناحل اللون المطموس الزخارف، مستعضداً بيده الاخرى يحدِّق إلى وجوه تلاميذه، الوجه تلو الآخر، كاشطاً بنظراته طبقات الشحم المتورِّد وقشور اللحم الصَدِئة، نابشاً حتى العظام بحثاً عن صليب)

- كفاكم..

(سِنُّ الخنجر يخترقُ خِرقةَ المعلم المُشبَّعة بالقبلات، يعلو صوتُ غناءِ التلاميذِ، غناءً مُطْمَئِناً كالنَّدى، لا يلفحه سوى نِثارُ ضحكاتِهم الخابية، غناءً كلما شارف على الخفوت أضحى أكثفَ حضوراً من بصقةٍ معرَّقة بالدماء، يَحْنِي المعلم جذعه الراجف، ورأسه تكاد تلامس الأرض، يَسْنِد التلاميذ ظهورهم إلى جذوع الأشجار الغافية في ارتياح، مستبسلين في الإبقاء على الغناء متواتراً، بينما هم يتثاءبُون ملء أشداقهم)

- لا أريد أن أخسرَ خنجري.. (يهمهمُ بطرس في بطءٍ قَلِق، قبلما يسكُب الحُلْمُ شمعَ أختامه بين جفنيه)










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بل: برامج تعليم اللغة الإنكليزية موجودة بدول شمال أفريقيا


.. أغنية خاصة من ثلاثي البهجة الفنانة فاطمة محمد علي وبناتها لـ




.. اللعبة قلبت بسلطنة بين الأم وبناتها.. شوية طَرَب???? مع ثلاث


.. لعبة مليانة ضحك وبهجة وغنا مع ثلاثي البهجة الفنانة فاطمة محم




.. الفنانة فاطمة محمد علي ممثلة موهوبة بدرجة امتياز.. تعالوا نع