الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الانفصال العاطفي..

نورا جبران

2014 / 6 / 12
الصحة والسلامة الجسدية والنفسية


نتعامل يوميا مع حالات تشتكي فيها الزوجة من الجبل الجليدي الذي يقف بينها وبين زوجها، وعدم تعبيره عن مشاعره، أو عن عدم رضاها عن المسافة بينهما في السرير، وعدم رضا الزوج عن الممنوعات التي تفرضها الزوجة على العلاقة الزواجية، أو متابعة الزوج لمواد وأفلام غير مناسبة، أو انخراط الزوجة لساعات طويلة على مواقع التواصل الاجتماعي، وتواصلها مع أشخاص آخرين، أو صمت الزوج أو غيابه الطويل عن المنزل، أو عدم احترام الزوجة لصورة الزوج أو طموحاته، أو عدم اتفاقهما في تربية الأولاد وتحديد الأدوار والمسؤوليات.
تعتبر العلاقة الزواجية من أكثر العلاقات احتكاكا وتواصلا، وهي من أكثر العلاقات تعقيدا وصعوبة، ولذلك ونتيجة التواصل اليومي، والقضايا المشتركة، ومشاكل الحياة اليومية فهي عُرضة للكثير من الصعوبات، ولطالما كانت مؤسسة الزواج موضع طُرفة وتندّر من قبل حتى المتزوجين أنفسهم، إلا أن هذا التندر بالسجن وفقدان الحرية، وتسمية الزوجة بالحكومة أو وزارة الداخلية، أو تسمية الزواج بالقفص، لا يلغي كونها مؤسسة مقدسة، وأن الأسرة أهم مؤسسات المجتمع، يقدم فيها طرفان عهودا بالحب والاحترام والاهتمام وتحمّل المسؤولية، ولكنها معرضة للملل أكثر من غيرها من العلاقات، وتحتاج جهدا ورعاية خاصة، وصيانة دائمة حتى تستمر في تحقيق الإشباع والرضا لطرفي العلاقة، والذي هو أهم أهداف الزواج.
بطبيعة الحال، تصبح جميع العلاقات أقل كثافة مع مرور الزمن، ولكن الأبحاث المتعلقة بالزواج تشير إلى أنّ الأزواج القادرين على وصف علاقاتهم بأنها تصبح أفضل سنة بعد أخرى فهي قادرة على الاستمرار والحفاظ على الشغف، أما العلاقات التي ينخفض مؤشر الرضا والأمور المشتركة مع الزمن، فهي علاقات تسير نحو الانفصال العاطفي.
ويشير هذا النوع من الانفصال إلى فصل أحد طرفي العلاقة الزوجية مشاعره عن الطرف الآخر، خلال الزواج، أي يستمر الطرفان في حياتهما معا، ولكن التواصل والحالة العاطفية للعلاقة غير مريحة، ولا يوجد فيها انجذاب أو مشاركة حقيقية. وهو تلك المرحلة من الحياة الزوجية التي يتراجع فيها تفاهم الشريكين، وتتقلص اهتماماتهما المشتركة، وتتراجع فيه رومانسية العلاقة، وتتراجع رغبة أحد الطرفين على الأقل في قضاء وقت أطول مع الشريك، رغم أن ظهورهما أمام الناس يبقى كما هو، أو يزداد أحيانا في محاولة لإقناع أحد الطرفين نفسه أو الآخرين أن الأمور تسير على خير ما يرام.
في العلاقات الزوجية غير الصحية هناك طرف يتخلى عن رغباته، ويعتبر تلبية الطرف الآخر لها ولو لمرات نادرة، أمرا يستحق التقدير، وغالبا ما يكون هو الأقل رضا عنها، والأكثر صمتا، ومع استمراره القيام بمحاولات لإصلاح الطرف الآخر وإنقاذ العلاقة، وعدم تلبية احتياجاته، ينفصل الطرف الأقل رضا من العلاقة عاطفيا، وبشكل تدريجي، ويستمر هذا الانفصال إلى أن تصل العلاقة مرحلة مأزومة، وغالبا لا يستطيع الطرف الآخر التعامل مع الأزمة، لأنّه ينكر مشكلات العلاقة ويراها جيدة، فهو ينال كامل حقوقه فيها.
علامات الانفصال العاطفي:
تظهر على الشريك الذي فصل نفسه عاطفيا من العلاقة الزوجية، وعلى العلاقة علامات أهمها عدم الرغبة في قضاء وقت مع الشريك، ويُفتقد الشعور بالمتعة في العلاقة الحميمة، وتصبح واجبا أكثر منها رغبة، بالإضافة إلى عدم الرغبة بالذهاب إلى السرير في نفس الوقت. ويتعاظم الاختلاف في الاتجاه نحو القيم والعادات والدين بين الشريكين. وتتزايد مشكلات التواصل والشعور بعدم الرغبة أو القدرة على التفكير أو مواصلة الحديث في مشكلات العلاقة.
ويتراجع حرص الطرف المنفصل عاطفيا على مشاعر الطرف الآخر، وشعوره بأنه فعل ذلك زمنا طويلا ولم يجنِ مقابل ذلك علاقة مُرضية. وتتوجه العاطفة والرغبة بالرفقة والاهتمام إلى الأطفال أكثر من أي وقت مضى.
آثار الانفصال العاطفي على الشريكين
الانفصال العاطفي تجربة مؤلمة لكلا الشريكين، ويؤدي إلى مجموعة من الأضرار والاضطرابات منها شعور الشريك المنفصل عاطفيا بالفوضى والمشاعر المتناقضة، فهو يشعر بالتمزق والخوف من الطلاق مع عدم الرغبة في استمرار الزواج، ويشعر بالاستياء والذنب تجاه نفسه ورغباته، وعدم القدرة على اتخاذ القرار، وفقدان السيطرة، وارتفاع مستويات التشتت والضغط النفسي، والشعور بالتعب والإرهاق الجسدي والعصبي وبعض الأعراض النفسجمية كآلام المفاصل والبطن والصداع. أما الطرف الآخر، غير المنفصل عاطفيا فيشعر بالقلق والشك في تصرفات الطرف المنفصل عاطفيا، ويتهمه أحيانا بالخيانة وعدم الوضوح، أو بالحساسية الزائدة وعدم القناعة، والمبالغة في تشخيص مشكلات العلاقة، مما يفاقم الخلافات.
تأثير الانفصال العاطفي على الأطفال
يتسبب الانفصال العاطفي للأطفال باضطرابات في التواصل وعدم الوضوح، وعدم الثقة بالنفس، وعدم التعبير عن المشاعر، وتعرض الأطفال للزواج المبكر أو العزوف عن الزواج، ويتمثل الخطر الأهم في عدم القدرة على تكوين أسر سليمة، وعدم المطالبة بحقوقهم في العلاقات التي يدخلونها، حيث يشعر الأطفال بأن التواصل بين الوالدين غير صحي، والعلاقة غير واضحة، وأنهما لا يعبران عن الحب لبعضهما، ولا يقتربان من بعضهما بشكل يعكس الحنان والحب الذي يٌفترض أن يتضمنه الزواج، كما أن مشكلات في احترام الوالدين لبعضهما قد تظهر أمام الأطفال، كالاستهزاء بعدم فعل أحد الطرفين شئيا مهماً في العلاقة أو البيت، أو التهكم باهتماماته وخططه، وخلو البيت من جو الفرح والسعادة وعدم التعبير عن الحب تجاه الأطفال لفظيا وجسديا.
التعامل مع الانفصال العاطفي
إنّ الانفصال العاطفي مسألة جدية وحساسة جدا وتحتاج مساعدة متخصصة، والاعتراف بمشكلات العلاقة الحقيقية، وأخذها على محمل الجدّ وحلها، تماما مثل أي مرض جسدي خطير قد يصيب الإنسان ويحتاج علاجا متخصصا واهتماما، لأن النتيجة لعدم إشباع حاجات الإنسان العاطفية والجسدية من الزواج قد تكون خلافاتٍ أو مشكلات صحية، أو إنهاء الزواج أو الدخول في علاقة أخرى بحثا عن حاجات تبقى ملحّة على الإنسان، ويصعب عليه تجاهلها، وهي لا تقتصر على الحاجات الجسدية، بل تتعداها إلى الحاجة إلى الحب والاهتمام والمشاركة والدعم والتشجيع والاحترام، فالخلافات الأسرية والعلاقات خارج الزواج، سواء من قبل الرجل أو المرأة، ومشاهدة الأفلام والمواد الجنسية، والغياب عن المنزل لساعات طويلة، والهروب إلى وسائل التواصل الاجتماعي لساعات طويلة أيضا، ما هي سوى أعراض لحالة عدم الإشباع العاطفي والجسدي التي يعانيها طرفي العلاقة أو أحدهما، ولا يمكن معالجة الأعراض دون حل جذور المشكلة وإشباع هذه الحاجات، لأنّ الوصول إلى قرار الطلاق بعد معاناة الانفصال العاطفي، قرار من الصعب جدا العدول عنه، نتيجة الاستنزاف النفسي الذي يتعرض له الشريك المنفصل عاطفيا، فكما تقول كاثي ماير، الخبيرة التي عملت أكثر من 30 عاما في الإرشاد الزواجي، بأن الشخص المنفصل عاطفيا، تظهر عليه علامات أثناء فترة الطلاق، أهمها الصمت، والبرود والرغبة في الابتعاد، وقضاء أوقات أطول خارج المنزل، وتسريع إجراءات الطلاق وتسهيلها قدر المستطاع. أما الطرف غير المنفصل عاطفيا، والذي كان يحصل على كامل حقوقه في العلاقة فتظهر عليه علامات مثل التظاهر بالصدمة وإنكار وجود مشاكل في الزواج ومحاولة إقناع نفسه والآخرين بوجود أسباب خارجية للطلاق، والبحث عن طرق لإنقاذ الزواج، والتوسل وإظهار الالتصاق بالشريك، والمبادرة في العلاقة العاطفية والجنسية، وسيطرة مشاعر القلق والخوف من المستقبل، والقيام بأعمال لتأخير عملية الطلاق، ومحاولات الابتزاز العاطفي وإثارة الشفقة، ودعوة أطراف خارجية للتدخل، والتركيز على ذكريات بداية العلاقة، ومحاولة استخدام الأطفال كوسيلة للضغط، ولكن هذه الأفعال جميعا لا تفلح بعد أن يكون الشريك قد اتخذ قرارا نهائيا صعبا بالطلاق.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - عوامل اخرى في الانفصال
سمر ( 2014 / 6 / 29 - 10:58 )
ما دور الخيانة ووجود طرف دخيل على الزوجين في الانفصال العاطفي؟
عادة المظاهر الانفصالية التي تحدثت عنها الكاتبة لا تبدأ بالتعزز لدى أحد الطرفين إلا إذا ظهر في حياته شريك جديد محتمل، أو دخل اضطرابات منتصف العمر.
وقتها تأتي المقارنات بين الزوج وبين الشريك الجديد المحتمل، ويبرر الزوج أو الزوجة لنفسها أنهم ضحية وأنهم احتملوا سنوات الزواج على مضض،ويعيدون حساباتهم من جديد
فحتى الذي كان يبعث في النفس الرضا يصبح هو نفسه سبب للانفصال، وكل هذا من أجل أن يخرج الخائن من الزواج برضا وشعور انه ضحية عدم اشباع / ومن اجل ان يبدأ علاقة جديدة يوهم نفسه انها بريئة من تهمة تخريب حياته السابقة وانه سيجد فيها تعويض ة
ولكن السؤال اين دور علاج المشكلة قبل ان تصل للطلاق؟
كثير من حالات الانفصال العاطفي يتداركها الزوجان ويخرجان منها بافضل من قبل..حين تكون الاعتبارات الأسرية الأخرى اهم من انانية احد الزوجين وتفكيره الذي يدور حول نفسه ورغباته وشهواته، والا لكانت البيوت كلها خربانه، فلا زواج يخلو من مرحلة الملل الزوجي والانفصال العاطفي،هذه من سنن الطببييعة نسعى وتعب للحصول على هدفنا، وعندما نملك الشيء نزهد فيه ه

اخر الافلام

.. لأول مرة منذ 7 عقود، فيتنام تدعو فرنسا للمشاركة في إحياء ذكر


.. غزيون عالقون في الضفة الغربية • فرانس 24 / FRANCE 24




.. اتحاد القبائل العربية في مصر: شعاره على علم الجمهورية في ساب


.. فرنسا تستعيد أخيرا الرقم القياسي العالمي لأطول خبز باغيت




.. الساحل السوداني.. والأطماع الإيرانية | #التاسعة