الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ألمانيا، ماركس وعودة الشبح

احمد علي

2005 / 7 / 27
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية


منذ ان أعلن المستشار الألماني ، غيرهارد شريودر ، نيته بإجراء انتخابات جديدة قبل موعدها المحدد . وذلك بعد الخسارات المتكررة لحزبه في انتخابات الويلايات . وخاصة خسارته المدوية في ولاية نورد راين فستفالن، المعقل التقليدي للحزب الاشتراكي الديمقراطي ال SPD ، حيث بقي بشكل متواصل ما يقارب ال 40 سنة حاكماَ فيها. وهي بنفس الوقت الولاية الأكبر من حيث عدد السكان ، لتصبح بذلك معظم الويلات محكومة من قبل تحالف اليمين الحزب الديمقراطي المسيحي ال CDU ، والحزب اللبرالي الحر الFDP . منذ ذلك الحين بدأت تطفو على ساحة الإعلام الألماني كلمة كشبنست ( الشبح) .
عودة الشبح ، كان عنواناً لأكثر من مقال في أكثر من جريدة، وفي العديد من البرامج الإذاعية والتلفزيونية.
فمن هو هذا الشبح ، وكيف عاد وبأي شكل؟.
أصل الكلمة ـ المصطلح، هو ما كتبه ماركس وأنجلز في البيان الشيوعي ، (( منذ مدة يحوم عبر أوربا شبح ... ترتعد له فرائص كل الأنظمة الأوربية ...أنه شبح الشيوعية)).ليغدو منذ ذلك الوقت مصطلحاً يشير إلى الشيوعيين واليساريين.
كيف عاد الشبح ؟.
تعيش ألمانيا منذ نهاية التسعينات ، ومع بداية دخولها مع باقي الدول الأوربية ، في المنظومة النقدية اليورو، أزمة اقتصادية حادة بكافة المؤشرات ــ طبعاً المؤشرات الألمانية والأوربية، وليست مؤشراتنا نحن ــ تمثلت بشكل أساسي في انخفاض نسبة النمو في الناتج القومي ، والذي بلغ حد الصفر في الأعوام السابقة ، والى 0,2 % العام الماضي ، وفي حين تضع الحكومة نصب أعينها نسبة نمو 2% ، لا يتوقع المحللون والخبراء الاقتصاديون رقم لا يتجاوز 1% هذه السنة. وهي من النسب المتدنية في أوربا والعالم ( الصين 9%) ، مما انعكس بشكل سلبي وحاد على سوق العمل، حيث يفقد الآلاف أعماله سنوياً، وليبلغ عدد العاطلين عن العمل إلى أكثر من خمسة ملايين ، وهو أعلى رقم تصله ألمانيا في مرحلة ما بعد الحرب.
ترافقت هذه الأزمة تحت تأثير وبسبب العولمة الكاسحة ، وسيادة القطب الواحد وفرضه لشروطه الاقتصادية ... ومع التوسع السريع لأوربا نحو الشرق ، أدى ذلك إلى نتائج سلبية عديدة من أبرزها ، هجرة الشركات ورأس المال نحو الدول ذات الكلفة الاقتصادية المنخفضة ، وبشكل خاص شرق أوربا، وجنوب شرق آسيا الصين خصوصاً، واستقدام الأيدي العاملة الرخيصة، لتحل محل العمالة الألمانية ، التي لا تجد أمامها سوى البطالة والعيش على المساعدات المتآكلة التي تقدمها الدولة.
ترافق ذلك مع عجز متفاقم في موازنة الدولة الاتحادية ، والويلايات على حدٍ سواء.انعكس بدوره إلى انخفاض في مستوى الخدمات العامة على كل صعيد، ولعل المثال البارز لها كان التعليم، حيث أدت مع عوامل أخرى، إلى انخفاض مستوى التعليم ونوعيته. يوجد في ألمانيا الآن أربعة ملايين أمي لا يعرف القراءة والكتابة، كما ان ألمانيا احتلت المركز ال 16 بعد دول مثل سنغافورة وكوريا الجنوبية وغيرها ، في اختبارات منظمة البيزا العالمية ، وهي من منظمة تجري اختبارات لمستوى التعليم وفق العديد من المؤشرات في معظم الدول الصناعية، لا بل ان إحدى تلك المؤشرات تقول بأن ألمانيا، هي الدولة الأولى من بين الدول الأوربية، التي يرتبط مستوى ونوعية التعليم وبالتالي العمل أو الوظيفة التي يمكن ان يحصل عليها الطفل الألماني ، بمستوى دخل ومعيشة أهله.
أدى هذا إلى حالة حادة من القلق وعدم الثقة بالمستقبل، على المستوى الشعبي، لم تعشها ألمانيا كما يقول كبار السن، حتى في السنوات التالية لهزيمتها ودمارها في الحرب الكونية الثانية.
أمام هذا الوضع وصل الجميع ، إلى خلاصة مفادها ، أنه لا بد من الإصلاح . ولكن كيف وبأية اتجاهات ؟. كان وما يزال هذا هو السؤال.
قدم شر ويدر مشروعه للإصلاحات والذي أسماه أجنده 2010 ، تلك الأجندة التي توافق عليها با لإضافة إلى شريكه في الحكم ، حزب الخضر ، بقية الأحزاب الممثلة في البرلمان، وان كانت أحزاب اليمين تطالب بإجراءات أكثر راديكالية، ما عدا حزب الاشتراكية الديمقراطية الPDS ، والذي يعتبر المدافع عن الألمان الشرقيين. هذه الأجندة التي أدخلت إصلاحات في قوانين وسوق العمل، والضمان الصحي، والضرائب. والتي كانت ترمي بمعظمها إلى تحميل الطبقات الشعبية، وزر الأزمة الاقتصادية . والتي لم تصل إلى تحقيق أهدافها المرجوة ، ألا وهي إنعاش الاقتصاد ، والتشجيع على الاستثمار وبالتالي توفير فرص عمل جديدة والحد من البطالة. لا بل إنها آدت إلى زيادتها. والى مطالبات جديدة ووعود كاذبة من أرباب العمل بتنازلات على حساب الطرف الآخر، العمال والموظفين . لدرجة ان رئيس حزب ال SPD الحاكم، اشتكى منهم علناً، وشبه البعض منهم ، بالجراد يهجمون على مواقع معينة في الاقتصاد ، يلتهمون الأخضر واليابس، ويرحلون إلى خارج ألمانيا.
النتائج المخيبة للآمال لأداء الحكومة وبرنامجها الإصلاحي ، وتوجهاتها النيولبرالية، والانتقال التدريجي للحزب الحاكم وشريكه حزب الخضر، من مواقع اليسار ويسار الوسط نحو اليمين، لا بل منافستهم لأحزاب اليمن نفسه في بعض الاتجاهات ، وبدون تحقيق نتائج إيجابية في الواقع، أدى إلى تململ واضح لدى قواعد وجمهور ال SPD ، مما انعكس في خسارته لكل الانتخابات المحلية التي جرت منذ طرحه لبرنامجه هذا. وأدى إلى ترك أكثر من 10000 لعضويتهم في الحزب، بمن فيهم رموز معروفة وتاريخية.
وما كان يزيد في حيرة وقلق الناس، هو تأكيد كل هذه الأحزاب، بأنه لا بديل عن هذه السياسة المتبعة، سوى تعميقها. وبدون تقديم تصور مقنع، لما ستؤول إليه الأمور في نهاية المطاف. مما خلق شعوراً لدى الكثير من الناس بأنهم إنما يخسرون فقط، ولا شيء آخر. لينعكس ذلك في اندفاعهم في اتجاهين، اتجاه نحو أحزاب اليمين تحت ضغط شعور اليأس من سياسات الحكومة وأحزابها، ولربما بشعور آخر وهو انه إذا كان لا بديل لهذه الإصلاحات النيولبرالية ، فاليمين اجدر بالقيام بها. والاتجاه الآخر الذي راح يبحث عن بديل آخر ممكن لهذه الإصلاحات ، والسياسات الحالية. هذا الاتجاه الذي عبر عن نفسه حركياً عبر اتجاهين هو الآخر.
الأول في غرب ألمانيا، كان في معظمه من الأعضاء الذين تركوا الحزب الحاكم، بالإضافة إلى بعض القادة النقابيين، والذين بادروا إلى تأسيس حركة سميت ( الخيار البديل العمل والعدالة الاجتماعية)، والتي اجتذبت إليها الأوساط اليسارية التقليدية أيضا، والاتجاه الآخر، الذي يمثله أساسا حزب الاشتراكية الديمقراطية ال PDS ،وهو وريث الحزب الاشتراكي الألماني الموحد ، الحاكم السابق لجمهورية ألمانيا الديمقراطية، والذي يملك قاعدة شعبية مقبولة في شرق ألمانيا، إلا انه بقي عاجزاً دوماً ان يمتد ويحقق جماهيرية في غرب ألمانيا.
بعد الإعلان عن نية أجراء الانتخابات الجديدة في الخريف المقبل، أعلن الرئيس السابق لل SPD ، ووزير المالية في حكومة شر ويدر الأولى أوسكار لافونتينه ــ والذي قدم استقالته آنذاك من رئاسة الحزب والوزارة احتجاجاً على سياسات الحكومة وبقي عضواً في الحزب ــ عن استقالته من الحزب واستعداده للانضمام والترشح عن حركة الخيار البديل، فيما لو دخلت الانتخابات بقوائم مشتركة، مع حزب الاشتراكية الديمقراطية PDS ،على طريق تشكيل حزب يساري جديد، قادر على إيصال كتلة ذات وزن إلى البرلمان، ومؤثر خارجه. حيث تلقى دعم مباشراً لفكرته ، من غريغوري غيزي ، السياسي الألماني الشرقي ، الذي قاد الحزب الاشتراكي الألماني الموحد ، في الزمن العصيب فيما بين سقوط جدار برلين والوحدة ، واعاد تأسيسه تحت اسم حزب الاشتراكية الديمقراطية PDS .
لاقت الفكرة تجاوباً سريعاً من قواعد وقيادات الطرفين، وما زاد في هذا التجاوب هي النتائج المفاجأة التي عكستها استطلاعات الرأي بخصوص الحزب المنشود.
كانت المشكلة الأولى بالنسبة للطرفين، هي مشكلة الاسم الذي ستشكل تحته القوائم الانتخابية. بالإضافة طبعاً إلى مشاكل عديدة أخرى، ستواجهها عملية التوحيد الفعلية بين الطرفين، حيث انهما ينتميان في الواقع إلى منابع وخلفيات وتقاليد مختلفة، إضافة إلى موضوع ما يسم هنا في ألمانيا ب أوسي ( غربي) وفيسي
( شرقي). والى ان الشريك الغربي هو في طور التشكل والتأسيس ولم يتح له الوقت الكافي لوضع برامجه وخططه.
ولعل المشكلة الأولى التي ذكرتها، تعكس تصورا لما يمكن ان تكون عليه الاختلافات في المستقبل. إذ أن
( الخيار البديل...) وضع شرطاً، وهو ان لا تكون القوائم تحت اسم حزب الاشتراكية الديمقراطية، أو اختصاره PDS ، لأنه يرتبط لدى الرأي العام في الغربية ، بمسألة انه وريث الحزب الحاكم في ألمانيا الشرقية سابقاً، وكان تغيير الاسم بما فيه كلمة الاشتراكية ، الأثيرة على قلوب الكثير من اعضاء ال PDS ، وجمهوره قراراً صعباً، الا انهما تمكنا من تذليل هذا الخلاف حول اسم الحزب ليصبح اسمه حزب اليسار، هذا الحزب الذي يحقق الآن في استطلاعات الرأي نسبة من 11 ـ 13 % من الأصوات على مستوى ألمانيا، و 30% في شرق ألمانيا وبذلك يكون هو الحزب الأقوى هناك .
وبرغم ان حزب اليسار ما زال في طور التأسيس، ولم تجري انتخابات لمعرفة قوته الحقيقة، إلا انه دفع باتجاه نتائج فورية سريعة ومهمة، وهي ان الحزب الحاكم اكتشف يسار يته من جديد ، بحيث انه اتخذ تقريباً من برنامج الجناح اليساري فيه ، برنامجاً سيخوض الانتخابات المقبلة على أساسه. وأكتشف حزب الخضر بأنهم إنما هم كانوا اليسار ــ كانوا يسمون حزبهم حتى وقت قريب جداً محرك الإصلاحات ــ وإنما مارسوا السياسات التي مارسوها في جوانب منها تحت ضغط شريكهم في الحكومة الSPD .
أما المفاجأة فكانت ان السيدة إنجيلا ميركل، رئيسة الحزب الديمقراطي المسيحي ، ومرشحته لمنصب المستشار في الانتخابات، اكتشفت بأنها شرقية، تلك الشرقية التي كانت تحاول منذ اليوم الأول للوحدة وحتى الآن التخلص منها وبأي شكل، ارضاءً للجمهور الغربي، ولبيان قدرتها على الحكم. أكثر من ذلك كان ال CDU مسروراً في البداية ، لتأسيس حزب على يسار ال SPD والخضر، لأنه كان يعتبر بأنه سيكون مشكلتهم ويأخذ من قاعدتهم الإنتخابيه، مما يساعد على الفوز في الانتخابات. إلا أن الآية تغيرت الآن وبسرعة وبات يعتبر بأن حزب اليسار هو مشكلته هو أيضا. وخاصة في شرق ألمانيا، مما دفع بقيادته، وفقط بعد ما يقارب أسبوعين من طرحه لبرنامجه الانتخابي ، إلى ضرورة طرح برنامج انتخابي موازٍ يخص شرق ألمانيا.
وهكذا ظهر الشبح حيث لم يكن ينتظره ، أو يتوقعه الكثيرون .
أما شكله فلم يكن هذه المرة على شكل حزب شيوعي ، وإنما حزب يساري ، تحتاجه الطبقات الشعبية والمتوسطة، في ألمانيا حاجةً ماسة، حزب يستطيع على الأقل كبح جماح الاندفاع نحو النيوليبراله ، بما تعنيه من انقلاب على كل المكاسب ، التي حققنها الفئات الشعبيه عبر تاريخ طويل من الصراع يمتد إلى زمن ماركس على الأقل.
أما ان يتمكن هذا الحزب من تقديم بديل حقيقي، لهذه السياسات, فأنه سؤال مفتوح على الزمن. .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أون سيت - لقاء مع صبري فواز | الجمعة 26 أبريل 2024 | اللقاء


.. مشاركة النائب رشيد حموني في برنامج مع - الرمضاني- مساء يوم ا




.. Messages to the Tories: -Get Out- Socialist issue 1275


.. The Arab League - To Your Left: Palestine | الجامعة العربية




.. أخذ ورد بين مذيعة CNN وبيرني ساندرز بشأن ما إذا كانت إسرائيل