الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المشهد السفلي

حسين سليمان- هيوستن

2005 / 7 / 27
الادب والفن


من نافذة غرفتي في القبو الأرضي، أرى سيقانا تمشي على الرصيف، تمر من دون هوية. سيقان الناس، فيبدو لي المشهد غريبا. فأتذكر " غابة من سيقان" الفيلم الذي لعب بطولته محمود ياسين. تحت الطاولة هناك.. ماذا تفعل السيقان تحت الطاولة، منفصلة عن الرؤوس؟ ومحمود ياسين يحبو تحت الطاولة ينظر إلى سيقان تنفرج عن كراسيها في قعدة تقلد لعبة الليل.
لا تصلح هذه المقدمة لقصة قصيرة، لكنها صالحة لكتابة نص يبدو فيه جزؤه الأسفل يمر أمام نافذتي الواطئة. ليس. من أمام النافذة، وهي ليست نافذة لكنها منفذ لأشعة الصباح حين تخترق الغرفة العزلاء وتحمل معها الغبار وأوساخ الرصيف.
لنر الناس من الأسفل. لنر أوساخ الطريق. هيا. ليس هيا بل هلم. سأرى نفسي من الأسفل. ليس من الأسفل لكن من خلال المستنقع الذي يعكس لي الفضاء وهناك غيوم بيضاء راكضة بعد أن أمطرت السماء ليلة البارحة وكان الجو قلقا مضطربا والريح التي تقلد نفسها منذ زمان بعيد، تعوي فوق الأرض الممتدة الفسيحة وتجلب بعوائها المطر. لقد انطفأت الكهرباء وجاء الرعد القاسي. مع البرد والليل. جاءت الخلخلة. المكان. فعرفنا أن العالم قد تغير قليلا، لم يعد فيه الاطمئنان السابق. لقد بدا فيه روح المغامرة. وهذه الروح، روح المغامرة وجدتها روحا بليدة تعوي عواء الريح أيضا.
كيف لي أن أفسر النص السابق؟
ثم ينهمر المطر. تعصف الرياح بقوة ويمسي الرصيف مجرى للمياه الساقطة. تسقط مع العواء على بلاط الرصيف وأسمع الخرير النازل من سطح المبنى وهو يهدم الأرض ويهدر وبعد قليل سيبدأ بالفوران وبالنزع.
في طريقي الى بروكسل، في المطار، ليست بروكسل، بل في مطار باريس. نزل المطر وصارت قبة المطار الزجاجية مياه تسيل وتقرأ لنا كيف تنزل السماء علينا وكيف نراها من الأسفل.
وأصبحنا على حين غرة قاعا لنهر.
التجوال في المطار هو تجوال لرؤية أسفل الناس المسافرين. سيقان المسافرين. تنزل السيقان، الأرجل، الأقدام، تنزل كلها دفعة واحدة مسافرة تريد الوصول.
لماذا تريد الوصول؟
لقد خطت منذ زمان على طريقها. وكل مرة تهبط قليلا في مطار، في كراج، تنزل حمولتها عند أقرب واحة.
هذه الكتابة بدأتها من دون واعز. لم يكن هناك شحنة تلح على الكتابة. بل وجدت أن لدي فراغا مناسبا لها، ثم منذ زمن لم أمسك. لم أكتب.
بالتأكيد، الجلوس إلى طاولة الكتابة، محاورة القلم واستحضار الخيال لعمل أدبي سيكون ميتا ولا روح فيه إن كان من دون طاقة تشتعل في النفس. فالطاقة التي أعنيها هنا هي الروح التي تحرك الناس، تحرك السيقان لمشهد نافذة واطئة أرى منها الحركة أرى منها الرصيف والغبار. لقد بعثت الشمس فضاءها وتغلغل في قضبان النافذة، فانكشف الغبار مع محمول المدينة تثيره أقدام نظيفة. ينقلون الأقدام بتؤدة وبعض الأحيان بتردد. بعض الأقدام تقف في وسط النافذة، الأقدام، ثم تعود أدراجها لا تتابع. مع كل العلم أن العودة ليست ناجعة. حين خرجت من المنزل احمل سيقاني وأقدامي، حين خرجت كان علي أن أكمل المشي على الرصيف، حتى أصل.
لكن الحزن الآن واسع، سوقه مقبي. وعلى الجانبين دكاكين قديمة. مفتوحة أو مغلقة وفيها بائعون ومشترون. فيها...
لا أتصور أنني أمشي نحو الأمام. الذي أفعله إنما هو المشي بالأقدام على رصيف يتحرك نحو الخلف. نحو الحزن مثلا. نحو الشيء الذي لا يحمل الفرح. نحو الزمان الذي نسيته في المنزل حالما وطأت قدماي ..النحو.. الخارج.. نحو الرصيف. في حالة كونية طارئة حلمت بأنني قد قطعت ساقي إلى ملايين السيقان كي تمشي معي. فمن يعرفني، فمن يعرف ساقي حين النظر من نافذة واطئة؟!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فرحة للأطفال.. مبادرة شاب فلسطيني لعمل سينما في رفح


.. دياب في ندوة اليوم السابع :دوري في فيلم السرب من أكثر الشخص




.. مليون و600 ألف جنيه يحققها فيلم السرب فى اول يوم عرض


.. أفقد السقا السمع 3 أيام.. أخطر مشهد فى فيلم السرب




.. في ذكرى رحيله.. أهم أعمال الفنان الراحل وائل نور رحمة الله ع