الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


آن الأوان لإنهاء الشراكة القسرية بين الشعوب -العراقية-

مهدي كاكه يي

2014 / 6 / 12
مواضيع وابحاث سياسية


الكيان العراقي المصطنع الذي تم تأسيسه من قِبل الإستعمار الأنكلو - فرنسي حسب معاهدة سايكس-بيكو، يمر اليوم بظروف صعبة تعكس التنافر بين شعوب هذا الكيان التي تمّ حشرها فيه دون إرادتها، حيث أن عوامل تاريخية وثقافية ودينية تُفرّق بين هذه الشعوب. لذلك، فأنه منذ تأسيس الكيان السياسي العراقي الى سقوط حكم صدام حسين، كان العرب السُنّة يحتكرون الحكم في هذا الكيان ويحكمون بالحديد والنار ويبيدون الشعبَين الشيعي والكوردستاني. هكذا طوال عمر هذا الكيان المصطنع، عاشت شعوبه في حروب ونزاعات وبسببها سالت بحار من الدماء وتم إهدار ثروات هذه الشعوب في حروب وإتتفاضات وبقيت هذه الشعوب تعيش في ظل الجهل والمرض والفقر. هكذا لم تُتَح الفرصة لهذه الشعوب لخلق مجتمع متجانس ذي ثقافة وأهداف مشتركة ومصير واحد ويتشبع بروح الإحساس بالمواطنة والوطنية.

لقد نشرتُ في مناسبات عديدة بأنه لا يمكن نجاح العيش المشترك ضمن كيان سياسي واحد لمجتمعات متخلفة ذات قوميات أو أديان أو مذاهب مختلفة، حيث أن الشعور القومي لا يزال سائداً في المجتمعات الغربية المتمدنة، على سبيل المثال لا الحصر، التناحر القومي في كل من بلجيكا وإسبانيا وكندا وبريطانيا وغيرها. الشعب الأسكتلندي سيجري في شهر أيلول القادم إستفتاءً لإستقلال بلاده. نرى إستمرار النزاع القومي في الدول الغربية المتقدمة، فكيف يكون الحال في المجتمعات الشرقية المتخلفة، مثل الشعوب "العراقية"؟! نفس الشئ بالنسبة للنزاع التاريخي بين الشيعة والسُنّة الذي عمره 1400 سنة.

يجب أن يعترف المرء بالواقع الذي يفرض نفسه. منعاً لإستمرار القتل والحرب والدمار والإستنزاف المدمًر للثروة البشرية والطبيعية وتدمير الإقتصاد والحياة الإجتماعية والصحية والتعليمية، يجب على الأحزاب السياسية وممثلو الشعوب العراقية وكافة الجهات التي لها دور في إتخاذ القرارات السياسية في الكيان السياسي العراقي، أن تتحمل مسئولياتها التاريخية والأخلاقية و أن تكون واقعية، تتفق فيما بينها لتشكيل ثلاث دول على أنقاض العراق بشكل سلمي، دون إراقة مزيد من الدماء و إهدار مزيد من المال وليتم ذلك بإشراف الأمم المتحدة ووضع قوات تابعة للأمم المتحدة على حدود الدول الثلاث التي تنبثق من الكيان العراقي لفترة محددة الى أن تستقر الأمور فيها.

بالنسبة الى شعب كوردستان، فأن الظروف الحالية التي يمر بها الكيان العراقي هي فرصة تاريخية لحكومة إقليم جنوب كوردستان لتحرير كافة الأراضي الكوردستانية المحتلة من قِبل الكيان العراقي إبتداءً من الموصل، مروراً بكركوك وخانقين ومندلي وبدرة وجصان الى الخليج الميدي (الفارسي). تتحمل القيادة الكوردستانية مسئولية تاريخية كبرى بإنتهاز هذه الفرصة النادرة لتحقيق هدف الشعب الكوردستاني في الحرية والإستقلال والرفاهية. إذا لا تقوم حكومة الإقليم بواجبها في هذه الظروف التاريخية المتاحة، فأن شعب كوردستان مدعو الى الإنتفاضة وإزاحة الحكومة الكوردستانية الحالية عن الحكم و الإتيان بحكومة مؤهلة لقيادة الجماهير الكوردستانية الى حيث التحرر والإستقلال وأن حركة التغيير تستطيع أن تلعب دوراً تاريخياً في قيادة الجماهير الكوردستانية الى النصر فيما لو تخلّف
الحزب الديمقراطي الكوردستاني والإتحاد الوطني الكوردستاني في أداء واجبهما الوطني في هذه الظروف التي يمر بها العراق والمنطقة.

بالنسبة الى مواقف الحكومة التركية والإيرانية والأمريكية من تحرير المناطق المحتلة من إقليم جنوب كوردستان وإستقلال كوردستان، فأنه من المستبعد جداً أن تستطيع إيران أن تتدخل عسكرياً بشكل مباشر في حالة إعلان إستقلال كوردستان لِسببَين رئيسيين: أولاً: إن الدول الغربية وفي مقدمتها الولايات المتحدة وكذلك إسرائيل لا تسمح لإيران بإحتلال جنوب كوردستان و أن تصبح جارة لحليفها سوريا وأن تزداد نفوذ إيران في المنطقة؛ ثانياً: ضعف الإقتصاد الإيراني، حيث تعاني إيران من مشاكل إقتصادية خطيرة بسبب الحصار الإقتصادي المفروض عليها من المجتمع الدولي وأن المساعدات العسكرية والمالية التي تقدمها إيران لكل من الحكومة السورية وحزب الله اللبناني، تستنزف الإقتصاد الإيراني وتُشكّل عبئاً إقتصادياً كبيراً عليها. كما أن لإيران إستثمارات كبيرة في الإقليم وأنها تأخذ في الإعتبار ضياع هذه الإستثمارات في حالة إتخاذ إجراءات عدائية ضد جنوب كوردستان. لذلك فأن التدخل العسكري الإيراني في شئون الإقليم هو أمر مستبعد جداً. في حالة إستقلال كوردستان وتحرير مناطق الإقليم المحتلة، ستلجأ إيران الى محاولة شق وحدة القيادة الكوردستانية في الإقليم وذلك بخلق صراع بين الحزب الديمقراطي الكوردستاني والإتحاد الوطني الكوردستاني. لذلك يجب على هذين الحزبَين أن يكونا حذرَين من المؤامرات التي تخططها إيران وأن يعرفا بأن جميع الدول المحتلة لكوردستان هي أعداء شعب كوردستان و تعمل لإجهاض أية محاولة كوردستانية لتحرير كوردستان وشعبها. كما أن إيران ستحاول القيام بعمليات التخريب والإغتيالات في الإقليم.

تعاني تركيا في الوقت الحاضر من مشاكل إقتصادية كبيرة ومن مشاكل داخلية كثيرة، حيث أن جبهتها الداخلية هشة نتيجة المظاهرات المستمرة ضد الحكومة التركية والصراع على السلطة. كما أن دول الإتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل لا تسمح لتركيا بمحاولة إحتلال جنوب كوردستان والإستحواذ على الثروات الطبيعية فيه والإخلال بالتوازن الإقليمي وأن تهيمن تركيا على منطقة الشرق الأوسط. بإحتلال تركيا لجنوب كوردستان، سيتوحد شمال وجنوب كوردستان و يصبح الكورد الأكثرية في تركيا، مما يعمل على توحيد كوردستان وشعبها والذي يُعجّل بدوره في تحرر كوردستان ولذلك تأخذ تركيا هذا الأمر بنظر الإعتبار و تكون حذرة جداً في القيام بمحاولة غزو جنوب كوردستان. تضاريس كوردستان الجبلية تجعل إحتلال جنوب كوردستان عملية صعبة ومكلفة جداً بشرياً ومادياً. كما أن لتركيا إستثمارات ضخمة في الإقليم وأن المجازفة بإعلان الحرب على إقليم جنوب كوردستان من قِبل تركيا ستُشكّل ضربة كبيرة للإقتصاد التركي. لذلك فأن محاولة تركيا لإحتلال جنوب كوردستان ليست أمراً سهلاً. في هذه الحالة فأن تركيا ستحاول فرض الحصار الإقتصادي على الإقليم والعمل على شق الصف الكوردستاني، وخاصةً بين الحزب الديمقراطي الكوردستاني والإتحاد الوطني الكوردستاني. كما ستحاول تركيا القيام بالتخريب والإغتيالات في الإقليم.

إذا حاولت تركيا إحتلال جنوب كوردستان، فأنها ستفشل، بل يمكن أن تصبح محاولة تركيا لغزو الإقليم، بدايةً لتحرير كافة التراب الكوردستاني من الإحتلال إذا ما توحّدت القوى السياسية الكوردستانية في إقليم جنوب كوردستان (خاصة توطيد العلاقات بين الإتحاد الوطني الكوردستاني والحزب الديمقراطي الكوردستاني) وعلى مستوى كوردستان من خلال تأسيس قيادة كوردسانية موحدة مؤلفة من حكومة إقليم جنوب كوردستان و حزب العمال الكوردستاني وحزب الإتحاد الديمقراطي وكافة القوى السياسية الأخرى. إن وحدة القوى الكوردستانية وتأمين شروط الأمن الوطني الكوردستاني ووضع خطة عسكرية دفاعية مبنية على حرب العصابات وحرب المدن، تحقق نصراً ساحقاً على النظام التركي وتقود في نفس الوقت الى تحرر كوردستان من الإحتلال وإستقلالها.

نتيجة إختلال القوة العسكرية بين الإقليم والقوات التركية، يحتاج الإقليم الى تأسيس قوات شبه عسكرية، تتمتع وحداتها بالمرونة والتنقل والتحرك الدائم واللامركزية في إتخاذ القرارات، للتغلب على التفوق العسكري العددي والنوعي والتسليحي للطرف المُعادي. بسبب التفوق العسكري للعدو، لا يمكن القيام بحرب الخنادق وجهاً لوجه، بل يجب إتباع حرب العصابات وحرب المدن. يمكن بناء وحدات عسكرية صغيرة على شكل خلايا تتألف كل خلية من 10 الى 12 فرداً. ينبغي أن تتسلح القوات المسلحة الكوردستانية بأسلحة دفاعية، مثل الألغام و مضادات الآليات المصفحة ومضادات الهليوكوبتر ومضادات الطائرات وبنادق القنص والقنابل اليدوية والمفرقعات وغيرها. ينبغي أيضاً إنتشار القوات المسلحة في أكبر رقعة جغرافية ممكنة لإجبار العدو على نشر قواتها وبالتالي تشتيت قواتها و إضعافها و التغلب عليها. هكذا ترتبط الخلايا مع بعضها و تُشكّل وحدات أكبر، كما في الجيوش النظامية. لذلك ينبغي إعلان التعبئة العامة والقيام بتدريب كافة الكوردستانيين القادرين على حمل السلاح وتعليمهم الصنوف العسكرية المختلفة و حرب العصابات في الجبال والأرياف و حرب المدن.

في الحقيقة أن إستقلال كوردستان يخدم المصالح الأمريكية والإسرائيلية في المنطقة، حيث تنبثق خارطة جديدة للشرق الأوسط تكون لصالح الدول الديمقراطية في العالم. لذلك فأن رفض الولايات المتحدة الأمريكية لإستقلال كوردستان قد يكون مجرد رفضاً ظاهرياً ولا يُعبّر عن الموقف الحقيقي المؤيد لمشروع إستقلال كوردستان أو يكون هذا الرفض حقيقياً ناتجٌ عن غباء الإدارة الأمريكية. على كل حال، ينبغي على القيادة الكوردستانية أن تضع المصالح الوطنية في نصب أعينها و تعمل جاهدةً لتحقيق الهدف الكوردستاني في الإستقلال وفرض الواقع الجديد على الدول الكبرى والدول الإقليمية. لِتكون إسرائيل قدوة لها، حيث كافح الإسرائيليون في نفس الوقت ضد العرب وضد بريطانيا، التي كانت فلسطين تحت إنتدابها، ووضع الإسرائيليون المصلحة الوطنية فوق أي إعتبار آخر ولم يستمعوا لأية جهة مهما كانت حينما كان الأمر يتعلق بالأهداف الوطنية الإسرائيلية. لهذا، بعد مرور 18 شهراً على تأسيس إسرائيل، قامت بريطانيا بالإعتراف بإسرائيل.

إن هدف العرب السُنّة في العراق هو إستلام السلطة من جديد وإستعباد الشعبَين الشيعي و الكوردستاني ولا يرضون بِغير ذلك. لذلك ينبغي أن يقوم الشيعة في العراق بالعمل على تأسيس دولة لهم في جنوب ووسط العراق لضمان وجود كيان سياسي يجمعهم و يحميهم من الأعداء وإستغلال الثروات الطبيعية فيه لرفاهية الشعب الشيعي. ينبغي أن تبادر القوى السياسية الشيعية في العراق والمثقفين الشيعة بإعلان دولتهم والكف عن إرسال أبنائهم الى ساحات الموت في المناطق السُنية وأن يتمتعوا بالواقعية وإلا فأن أنظمة الحكم السُنيّة في المنطقة تحيك المؤامرات والخطط لإعادة السُنّة الى حكم العراق و إستعباد الشيعة من جديد.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. معركة ساخنة بين بايدن وترامب؟ | المسائية


.. الإصلاحي بيزشكيان والمحافظ جليلي يتأهلان للدور الثاني من الا




.. ميقاتي: لبنان سيتجاوز هذه المرحلة والتهديدات التي نتعرض لها


.. حماس تدعو الأردن للتحرك من أجل مواجهة مشروع ضمّ الضفة الغربي




.. أبرز التحديات التي تواجه الديمقراطيين في حال أرادوا استبدال