الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


غزوة المالكي الموصلية

جودت هوشيار
كاتب

2014 / 6 / 12
مواضيع وابحاث سياسية


سقوط مدينة الموصل بيد المسلحين من تنظيم ( داعش ) أمر جلل ، خطير وغريب. لم يخطر ببال أحد حتى وان كان مؤلفاً للقصص الخيالية ومهما كان خياله خصباً . الموصل الحدباء من أهم وأرقي المدن العراقية قاطبة شعباً وحضارة وثقافة .ولكن الأمر الأكثر غرابةّ هي تسليم هذه المدينة العظيمة الى داعش من دون قتال والهروب المخزي لأشباه العسكريين من جنرالات الدمج وترك أهلها لمصير مجهول .

تخيل أيها القاريء الموقف العسكري في مدينة الموصل في الساعات الاولى من فجر يوم الأثنين التاسع من حزيران الجاري : ثلاث فرق عسكرية جرارة مجهزة بأحدث الدبابات والمروحيات الهجومية المقاتلة والصواريخ والمدافع الثقيلة وأنواع أخرى من شتى صنوف الأسلحة الفتاكة واحدث وسائل الاتصال ، جيش لا يقل تعداده عن (45) ألف منتسب وفرقة واحدة للشرطة الاتحادية قوامها (30) الف منتسب مع (30) الف منتسب من الشرطة المحلية، فضلا عن وجود فوج لقوات سوات وقوات طوارئ". كل هذه القوات ، التي سامت الشعب العراقي الذل والهوان . أسرعت بالهروب وأطلقت سيقانها للريح تاركة وراءها كل معداتها وأسلحتها ومن دون أي مقاومة على الأطلاق وتركت المدينة العزلاء من دون أي دفاع وأتاحت لبضع مئات من المسلحين المجهزين بأسلحة خفيفة ومتوسطة للسيطرة على مدينة واسعة ، مترامية الأطراف كالموصل التي يسكنها أكثر من أربعة ملايين نسمة . واطلاق سراح جميع المحكومين والمعتقلين من السجون ووقعت بيدها كل مؤسسات الدولة - اذا جاز لنا اطلاق تسمية الدولة على أقطاعية نوري المالكي . .

محافظ قلق وجنرال مرتاح :

يقول محافظ الموصل السيد أثيل النجيفي في حديث متلفز أنه توجه - مع عدد من خيرة ضباط الجيش العراقي السابق ( المتقاعدين حاليا ) والذين يمتلكون خبرة ممتازة في حرب المدن - الى مقر قائد العمليات المشتركة الفريق اول ركن عبود قنبر . ويضيف النجيفي بمرارة : وجدت قنبر ( مرتاحا ) وكأن الأمر لا يعنيه ولم يحدث شيء على الاطلاق رغم أن الغزاة كانوا على مبعدة كيلومتر واحد فقط من المقر .وسألت قنبر : ماذا أنتم فاعلون ؟

قال قنبر بكل قنبر بكل هدؤ : لا شيء ، نحن بأنتظار أمر القائد العام للقوات المسلحة ( يقصد نوري المالكي ) .
وعبثا حاول النجيفي حثه والقادة الآخرين الذين كلنوا بمعيته على مقاومة الغزاة واضعا كل امكانات المحافظة وكل خبرات عدد من المع ضباط الجيش العراقي السابق تحت تصرفه. ولكن قنبر ظل مرتاحا ولامباليا فهو بأنتظار أمر المشير من بغداد . ونحن نعلم الآن والعالم يعلم أي أمر أصدره المشير الى قادة الجيش الكبار : " أنسحبوا وأتركوا كل شيء ورائكم . " هربت تلك القيادات وتخلت عن كل أسلحتها ل (داعش ) ، وتم احتلال تلك المقار والسيطرة على طائرات الهليكوبتر التي كانت موجودة في مطار الموصل ، في عملية مخططة أشبه بعملية تسليم وأستلام .

بزات الجنرالات تحت الأقدام :

القدة العسكريون الكبار (قائد القوات البرية الفريق اول ركن علي غيدان وقائد العمليات المشتركة الفريق اول ركن عبود قنبر وقائد عمليات نينوى الفريق الركن مهدي الغراوي) نزعوا ملابسهم العسكرية وارتدوا ملابس مدنية وهربوا بأتجاه أقليم كردستان وسلموا أنفسهم للبيشمركة
وقد عرضت القنوات الفضائية بزات عسكرية لرتب عالية ( فريق ركن ، لواء ركن وعميد ركن ) وبزات لضباط من مراتب أدنى مرمية تحت الأقدام في منافذ الدخول الى أقليم كردستان عندما تزاحم القيادات المالكية المهزومة من دون قتال للجؤ الى الأقليم . هذه القيادات الدونكيشوتية التي طالما هدد المالكي يها اقليم كردستان المزدهرالمسالم .

بالله عليكم الا تشبه هذه المسرحية المبتذلة ، سيئة الأخراج نكتة بايخة لا تضحك أحداً .
قلت في مقال لي نشر قبيل الأنتخابات البرلمانية الأخيرة ، تحت عنوان ( سيناريو المالكي للفوز بولاية ثالثة ) : أن الهدف من أستدراج تنظيم ( داعش ) حليف بشار الأسد و نوري المالكي وايران الى داخل المدن السنية ، هو خلط الأوراق وأفراغ تلك المدن من سكانها وتشريدهم لمنعهم من الأدلاء بأصواتهم في يوم الأقتراع ، وكنت أقصد بذلك سكان مدن محافظة الأنبار في المقام الأول ثم محافظتي صلاح الدين وديالى . ولكني لم أتخيل يوما أن المالكي سوف يسلم محافظة نينوى بكاملها الى ( داعش ) لأن هذا الأحتمال لم يكن ليخطر على بال حتى أشد المعارضين لحكم المالكي القمعي .

أطل علينا المالكي يوم امس من على شاشة قناة العراقية ليقول : " أن ثمة مؤامرة أو خديعة قد حصلت وأنه لا يعرف من أصدر أمر الأنسحاب الى القادة العسكريين." وبطبيعة الحال فان المالكي كدأبه دائما يكذب على الملأ دون أن يرف له جفن . فجنرالات الدمج ، الذين لجأوا الى أربيل يقولون أن أمر الأنسحاب أصدره المالكي شخصياً ، وهو الآن يتنصل من المسؤولية ويرميها على آخرين ( مجهولين ) حيث لم يتهم المالكي جهة معينة بتدبير المؤامرة أو الخديعة المزعومة .
ما حدث في الموصل جاء تتويجا لعمليات مماثلة أقل شأنا منها أنسحاب الجيش من مدن الأنبار وتسليمها الى ( داعش ) والتواطؤ مع ( داعش ) في عملية اقتحام سجن ابوغريب واطلاق ما يزيد على الف من عتاة الارهابيين، وهروب القيادات والحراس، وانسحاب المهاجمين من دون خسائر.
وانا اكتب هذه السطور جاء في الأخبار ان المالكى سحب قواته من الحدود العراقية السورية والعراقية الأردنية وتركها مفتوحة لدخول ( داعش ) .

جيش الدمج :

يطلق العراقيون على جيش المالكي اسم ( جيش الدمج ) لأنه تكوّن نتيجة دمج عدة ميليشيات أرهابية وتعيين عدد كبير من المتطوعين المدنيين العاطلين عن العمل ، أرغمتهم الظروف القاسية على التطوع في الجيش لتأمين لقمة العيش . وكل هؤلاء لا يجمعهم أي هدف مشترك وليس لديهم أي خبرة قتالية، ما عدا عناصر الميليشيات المدمجة الذين لا يتقنون مهنة سوى قتل المدنيين العزل بدم بارد.. وكل هؤلاء غير مؤهلين لخوض أي معركة قتالية ، لأن قتل المدنيين العزل شييء وقتال المسلحين شيء آخر تماماً .
هذا الجيش قادر فقط على مهاجمة المتظاهرين والمعتصمين المطالبين بالخبز والكرامة ، كما حدث في ساحة أعتصام الحويجة قبل عام تقريبا حيث أطلقت قوات المالكي النار على صدور المعتصمين وسحلتهم ومثلت بجثامينهم . وبلغ عدد ضحايا هذا الهجوم الأجرامي الغادر ستين قتيلاً ومئات الجرحي . وكما حدث في بلدة ( بهرز ) الجميلة ، بلدة البرتقال والبساتين الخضراء ، حيث وجه المالكي قطعان ما يسمى ( عصائب أهل الحق ) و( ميليشيا بدر) الأجرامية ، لأعدام عدد كبير من رجالها وأغتصاب النساء وسرقة ما خف وزنه وغلا ثمنه من منازلها ومتاجرها ..
قوات المالكي ( الأمنية ) أو بتعبير أدق ( جستابو المالكي ) تخصصت أيضاً في تعذيب السجناء واغتصاب السجينات ومداهمة منازل المدنيين العزل وأشهار السلاح بوجوههم وابتزازهم أو اعتقالهم وانتهاك أعراضهم . هذه هي ( بطولات ) جيش الدمج . ماذا يتوقع الأنسان من جيش يقوده جنرالات كارتونية مشغولين بسرقة المال المخصص لأرزاق الجنود ، حتى الأجازات المستحقة للضباط والجنود لا تمنح الا لقاء رشى . ومنذ مذابح الفلوجة لا يعود أي ضابط أو جندي الى وحدته بعد أنتهاء أجازته . وبلغت نسبة الهروب من الجيش أكثر من 30 . تصور أيها القاريء الكريم (300) ألف ضابط وجندي يفضلون البطالة وفقدان لقمة العيش على البقاء ضمن جيش مهزوز ينخره الفساد .

بيت القصيد :

الصلاحيات التنفيذية لرئيس الوزراء في العراق واسعة جدا ، وفوق هذا احتكر المالكي الملف الأمني وهيمن على السلطة القضائية بعد شراء ذمم كبار القضاة ، وضيّق الخناق على البرلمان الذي لم يعد قادرا على ممارسة دوره التشريعي والرقابي . كما سيطر المالكي على الهيئات المستقلة ، ومع ذلك يطلب الآن من البرلمان الموافقة على اعلان حالة الطواريْ ، أي ايقاف العمل بالدستور والغاء المحاكم المدنية بعد أن تيقن أنه لن يحصل على أغلبية الثلثين في مجلس النواب الجديد لأختيار رئيس الجمهورية - كما ينص الدستور العراقي - والذي يقوم بدوره بتكليف زعيم الكتلة البرلمانية الأكبر بتشكيل الحكومة الجديدة . وربما – وأرجو أن أكون مخطئاً – أدخل المالكي داعش الى مدينة الموصل ليتسنى له ايجاد مبرر لأعلان حالة الطواريء وتجاهل البرلمان الجديد والبقاء في الحكم حتى الممات . ولكن رهان المالكي خاسر لا محالة .، لأن البرلمان لن يحقق مأرب المالكي المريب ولن يوافق على اعلان حالة الطواري التي يريدها المالكي ، لسحق المعارضين للولاية الثالثة . بقاء المالكي في سدة الحكم هو الخطر الأكبر المحدق بالعراق اليوم .

[email protected]
جـــودت هوشـيار








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. 200 يوم على حرب غزة.. ماذا جرى في «مفاوضات الهدنة»؟| #الظهير


.. مخاوف من اتساع الحرب.. تصاعد التوتر بين حزب الله وإسرائيل| #




.. في غضون أسبوع.. نتنياهو يخشى -أمر- الجنائية الدولية باعتقاله


.. هل تشعل فرنسا حربا نووية لمواجهة موسكو؟ | #الظهيرة




.. متحدث الخارجية القطرية لهآرتس: الاتفاق بحاجة لمزيد من التناز