الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المثقف و الحركة والصورة الكاذبة : ردا على صورة

عزالدين بوركة

2014 / 6 / 14
الثورات والانتفاضات الجماهيرية


إن المثقف هو قائد القضية أو المدافع عنها علانية والصارخ في وجه السلطة.. إنه سياسي في الكتابة لا في الممارسة، إنه صوت وصورة الجمهور.. لا صورة على حائط افتراضي في موقع للتواصل الاجتماعي.
يقول لانيو في ميثاقه الذي يعد اعلانا عن ميلاد نوع خاص من المثقفين: (إننا ننكر على أنفسنا كل توق إلى الشهرة أو الشعبية ونمنع على أنفسنا كل طمع في أن نصبح ذوي سلطة أو نفوذ. إننا نلزم أنفسنا بألا نكذب أبدا مهما كان الموقف الذي وجدنا أنفسنا فيه، وألا نخلق أو نساند بأقوالنا وكتاباتنا أوهاما حول أمور هذا العالم المتقلبة).1.
الدافع الرئيسي لتسطير هذه الأسطر، هو خروج عدة (مثقفين)- دعونا نضع هذه الكلمة بين قوسين- إلى العالم الافتراضي، ونشرهم لصورهم، مؤخرا، وهم في خرجة من خرجات حركة عشرين فبراير(لسنتين مضت) المُطالِبة بحق الكرامة و الحياة والحرية والعدالة الاجتماعية. ومن المفارقة أنهم جميعا ضلوا صامتين في أكواخهم أو قصورهم العاجية، ولم يواكبوا الركب إلا بعد اتضاح الصورة لهم، و الطريق المعبد الذي عليهم استغلاله للركوب على ظهر العشرين، لتصبيغ صورهم بألوان زاهية، وإظهارها على أحسن شكل.. ولا ننسى سلامة ظهورهم من "زراويط" المخزن. "لعل المفارقة الأساسية للصورة هي أنها تنتج الموت عندما تحاول أن تحفظ الحياة و(تخلدها). عندما تسعى الصورة لأن تجعل الغياب حاضرا، فإنها تغدو بذلك شهادة حقيقية على ((غياب هذا الحضور)). (ع. بنعبدالعالي). هذه الصورة التي لا تعدوا إلا أن تكون دعاية إلى ماركة (إيديولوجية أو فكرية أو إعلامية) يحاولون تسجيلها باسمهم. ففي مجتمع الفرجة يسهل توصيل تلك الصور (من التصور) الخادعة. "إنها [أي الفرجة] ليست مجموعة من الصور، إنما علاقة اجتماعية تتوسطها الصور. إنها لب لا واقعية المجتمع الواقعي فوراءها عملية تحويل وإنتاج وصناعة. لعلها أهم صناعات العالم المعاصر، ذلك العالم الذي أصبح فيه كل شيء يباع و يشترى، أي سلعة [صورة المثقف مثلا]. الفرجة بالضبط هي اللحظة التي تتحقق فيها السلعة الاحتلال الكلي للحياة الاجتماعية. معنى ذلك أن العلاقة بالسلعة لا تصبح مرئية فحسب، بل المرء لا يعدو باستطاعته أن يرى سواها، فالعالم الذي يراه هو عالمها. ليست الكوكاكولا والاديداس والنايك [يحق لنا إضافة ماركة المثقف] منتوجات نستهلكها، ولا هي مجرد صور نراها أنى اتجهنا بأنظارنا. إنها عالمنا. عالم أوهامنا".2.
بالأمس 12/06/2014 وضع "شاعر" وإعلامي صورة له وهو في مظاهرة من مظاهرات العشرين.. ((لا نريد ذكره بالاسم لأنه لا يشكل إلا جزء من الإعلاميين الذين استغلوا الصور للوصول لمآربهم الإعلامية والشخصية))، يتباهى بها كأنه قد خلق الحدث بخروجه أو أنه غير مسار الحركة.. قد سبق لنا حضور ( لم و لا نريد الحديث عن الأمر أبدا) لمعظم جلسات تنسيقية الدار البيضاء للحركة . إلى أن حفظنا وجوه المناضلين والمخبرين.. ولم تلحظ أعيننا ، أي واحد منهم-أي مثقفي الصور- الذين ينتمي إليهم صديقنا الشاعر.. لا نعلم متى يلتقطون صورهم التي يقتنصونها في مؤخرة المظاهرة قبيلة التسلل والرجوع دون عودة، ليضعوها على حائطهم الافتراضي "باش افرقعو لينا ك***نا بيها" متظاهرين أنهم قد تظاهروا. إن نالوا من هذه المظاهرات صورا، فقد نالت منهم الانتفاضات، والربيع العربي، ولم تتركهم على حالهم. وكشفت عن حقيقتهم. وهذا واضح في تخبطهم أمام شاشات التلفزيونية (بعيدا عن الشارع)، يقدمون مبررات واهية مكشوفة بأقمار الاصطناعية، وأدوات التجسس الحديثة.
من هو المثقف؟
إن مفهوم المثقف المناضل أعمق من وضع صورة على حائط افتراضي.. والتقاط جيمات عبثية وتعليقات واهية "خاوية" فارغة من المحتوى الفكري و الفهم للوضع الراهن السياسي و الثقافي. فإن المثقف الحقيقي هو سياسي بالسلب. سياسي بالقلم وليس بالممارسة أو الصورة. يحيلنا هنا الحديث عن لفظ المثقف l’intellectuel وظهوره إبان عهد الثورة البلشفية والحركة الثورية التي قادها المثقفون آن ذاك في مواجهة النظام الاستبدادي. وفد يذهب البعض إلى القول أن المفهوم بمعناه الصحيح ظهر بعد ما أصطلح عليه بقضية دريفوس (1894)، حيث أُتُهِم الضابط برتبة قبطان دريفوس بالخيانة ونقل معلومات سرية للألمان. قاد الإعلام الفرنسي-أغلبه- المعادي للسامية والمتمثل في جرائد مثل (la croix) و جريدة (Anti-juif) حملة شرسة ضد دريفوس.. مما أبّطَ الجمهور حقدا ضد دريفوس وازدادت عداواتهم تجاه اليهود والسامية.. هذا الإقتحان الشعبي لم يمنع و يردع بعض "المفكرين" و الأدباء بعد استيعابهم للقضية- بعد تدخل أصدقاء الضابط- الخروج ببيان منشور بتاريخ 14/01/1898 في جريدة الفجر تحث عنوان LA MANIFESTE DES INTELLECTUELS (بيان المثقفين) وقعه الأديب الفرنسي-الروسي إيميل زولا الذي نزل بكل ثقله وتاريخه الفكري و الأدبي والثقافي -وقد أرسل رسالة مفتوحة لرئيس الجمهورية- عبر مقالاته المتعددة في هذا الصوب، وأيضا أناتول فرانس ومارسيل بروست وليون بلوم. وقد قاد هذه الحركة الدفاعية الفيلسوف الفرنسي Alain حاثا على مراجعة الحكم الصادر في حق دريفوس. كان هذا البيان بابا نحو ظهور ظاهرة جديدة يتعلق الأمر هنا بنزول الأدباء والمفكرين الفرنسيين (السابق ذكرهم) إلى حلبة الصراع، إلى الساحة العمومية، في حجم مشاركة مكثفة، وفي سجالات عنيفة امتدت أحيانا إلى ساحة سربون.3.
لقي هؤلاء المثقفين ردودا قوية وعنيفة من مفكرين فرنسيين الذين حملوا لقب les héritiers أي وارثي الفكر والثقافة عكس هؤلاء الموقعي البيان الآتين من الريف و الفقر الذين لقبوا ب les boursiers أو الممنوحين. غير أن هذه المعادات التي انتهجها المضادون لدريفوس من مثقفين، لم يردع الموالين إليه و المدافعين عليه، لجلجلة الرأي العام والمواصلة إلى نيل دريفوس حريته و تعويضات على السنوات التي قضاها في السجن- وقد تم ترقيته فيما بعد.. يقول أحد أولائك الذين عاينوا هذا الصراع في كتاب له غني الدلالة (جمهورية الأساتذة) : ((لقد كانت قضية دريفوس ثورة وانتصار المثقفين. لكن من هم المثقفين؟ لا يتعلق الأمر بأولئك الذين كانوا ينظرون إلى الأمر باستعلاء. لقد كانت الرابطة الوكن الفرنسي أكادمية. وأغلب الكتاب البارسين معادين لدريفوس).4.
أليس هذه القضية ترتبط ولو بخيط رفيع بين قضية موت أرسطو؟ ألم يختر أرسطو الموت بالسم على أن يضع يده بيد النظام الجديد الذي استغل الديمقراطية لصالحه- آن ذاك؟ ألا تحيلنا هذه القضية لفولتير وقضية كلاص Callas الشهيرة (لا تسعفنا الأسطر لذكرها)؟ وكتابه الشهير (محاولة في التسامح) أ لم يكن صرخة (صرخة فيلسوف/مثقف) في وجه العدالة والمجتمع الفرنسيين، دفاعا لفتح القضية من جديد؟ وبراءة كلاص من المنسوب إليه..
الناظم بين المثقف العربي والحراك الشعبي بربيعه (الذي عاد خريفا) وانتفاضاته، علاقة يشوبها لُبس واضح.. علاقة تردد وخيانة أحيانا.. مما يجعلنا أمام التشكيك في دور المثقف العربي في اليومي والإنساني في هذا العالم.. قد يبدو للأغلبية أن المثقف هو مجموعة من المعارف والدراسات الأكاديمية والمعرفة، بل إن المفهوم أعمق ويتوغل إلى أن يصبح صدى الصوت المدوي للفعل الشعبي.. إن ما قدمه "المفكرون"/المثقفون الفرنسيون إبان الثورة الفرنسية هو ما أوصل فرنسا لما هي عليه من قوة، ومعرفة ليومنا هذا.
فأي خرجة إعلامية ولو من منبرك وأي سطر سطرته يا أيها الشاعر؟ للدفاع عن القضية.. تعبنا من وضع الصور.. "دير ليها كادر وهنينا".
-----
1. Albert Thibaudet : la république des professeurs
2. عبد السلام بن عبد العالي-ميتولوجيا الواقع
3.محمد الشيخ- المثقف والسلطة
4. نفس المصدر








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل وبخ روبرت دينيرو متظاهرين داعمين لفلسطين؟ • فرانس 24 / FR


.. عبد السلام العسال عضو اللجنة المركزية لحزب النهج الديمقراطي




.. عبد الله اغميمط الكاتب الوطني للجامعة الوطنية للتعليم التوجه


.. الاعتداء على أحد المتظاهرين خلال فض اعتصام كاليفورنيا في أمر




.. عمر باعزيز عضو المكتب السياسي لحزب النهج الديمقراطي العمالي