الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الليبرالية ليست هي الحل

معقل زهور عدي

2005 / 7 / 27
مواضيع وابحاث سياسية


تابعت بكثير من الاهتمام مقالات الدكتور برهان غليون حول الديمقراطية والليبرالية التي أثارت بعض الجدل الذي لايخلو من الفائدة ، وبغض النظر عن تنوع الآراء فما أعتقده أن الدكتور برهان غليون قد تمكن من اضافة اضاءة هامة للوعي الديمقراطي بحيث بات من الصعب تجاهل تلك الاضافة مستقبلا والتي تتمثل في حسم التمييز بين الديمقراطية والليبرالية أولا، وفي رفض وصاية التيار الليبرالي على الفكرة الديمقراطية ثانيا ، وفي التأسيس لمعسكر ديمقراطي يتسع لأكبر عدد من الأطياف الفكرية ثالثا .
في الفترة السابقة بذل أطراف من التيار الليبرالي جهدا فكريا لاقصاء التيارات الأخرى ( القومية ، اليسارية ، الاسلامية ) ، والنظر اليها كتيارات مسببة للاستبداد وملتصقة به ، وبالتالي طرح الليبرالية ليس بوصفها أحد أجنحة حركة التغيير الديمقراطي بل بوصفها بديلا وحيدا معبرا عن الحركة ( الممثل الشرعي والوحيد ) ، وللمفارقة فان التطبيق الفعلي لذلك الطرح الليبرالي يتضمن تكريس المفاهيم الاقصائية ، ويعيدنا الى تأسيس نمط جديد من الاستبداد تحت شعار ( الليبرالية هي الحل ) .
لقد أشار د.غليون في مقالاته ذات الصلة الى فكرة هامة تتمثل في تعايش مختلف المكونات الفكرية ( قومية ، يسارية ، اسلامية ، ليبرالية ) وتوافقها على برنامج مشترك للتغيير الديمقراطي ، وبالطبع فان توافقا كهذا يفترض أن يضع الأساس لنظام سياسي مستقبلي تتنافس فيه مختلف التيارات دون أن يقصي أحدها الآخر ويتم الاحتكام فيه لصناديق الاقتراع ، وبالتالي يتم حل النزاعات الاجتماعية والفكرية والسياسية بطريقة سلمية وديمقراطية .
هكذا تنتفي الحاجة للمبالغة في تعظيم الفكرة الليبرالية وتوسيعها ( رغما عن أنفها ) لتشمل كما اقترح البعض ( الدفاع عن مصالح الطبقة العاملة والطبقات الفقيرة !!!) ، أو الظن بأن تلك الفكرة يمكن تأسيسها فقط على أنقاض التيارات الأخرى بعد هدمها ومسحها من الوجود وهو هدف بعيد المنال .
في مقابل عقلنة الفكرة الليبرالية لابد للتيارات الأخرى من افساح المجال أمام التيار الليبرالي ، والتخلي عن النظر اليه كتيار مارق .
وفي الحقيقة فقد ظهر في الفترة الأخيرة أن التيار الليبرالي ليس كلا منسجما ولكنه ينقسم الى اكثر من اتجاه فمثلا : هناك التيار الليبرالي الذي يطمح ليكون معبرا عن ( الليبرالية الثقافية ) بالدرجة الأولى ( التأكيد على حقوق الانسان وسيادة القانون وحق المواطنة والحريات العامة والفردية ) ويظهر ذلك التيار كرد فعل لما قام به الاستبداد الطويل من تحطيم لتلك المنظومات الفكرية والحقوقية ودفن لها وهو تيار قريب لليسار الليبرالي .
وهناك التيار الليبرالي الذي يطمح ليكون معبرا عن مصالح البورجوازية التقليدية المدينية وثيقة الصلة بكبار التجار والصناعيين ويبدو كوريث شرعي لأحزاب الكتلة الوطنية والشعب التي ظهرت مع استقلال سورية .
وهناك التيار الليبرالي الذي يعبرعن مصالح البورجوازية الجديدة التي بدأ يتعاظم وجودها ودورها منذ التسعينات حتى اليوم والتي نشأت في أحضان النظام الشمولي وبفضل رعايته واحتكار السوق وعلى حساب القطاع العام لكنها اليوم تطمح للخروج من شرنقة ايديولوجية البعث والتعبير عن ذاتها بحرية أكثر بما يتناسب مع حجمها الاقتصادي ، وطموحها لتوجيه الدولة والمجتمع وفق مصالحها المتنامية ، وتتميز ليبرالية تلك الطبقة بالنزوع نحو التكيف مع قوى الاقتصاد العالمي ، كما أنها شديدة الحساسية تجاه خروج المسألة الديمقراطية عن هامش ضيق لا يخل بالتوازنات التي تستند اليها .
من أجل ذلك يغدو أمرا مضللا في بعض الأحيان الحديث عن التيار الليبرالي كما لو كان تيارا واحدا منسجما ، كما تصبح مسألة اتخاذ موقف محدد منه دون تمييز اتجاهاته مقاربة لاتتصف بالموضوعية .
من وجهة نظر اليسار الديمقراطي لايمكن انكار وجود مهام ليبرالية في المرحلة التاريخية الراهنة ، مثل ارساء الحريات العامة وحقوق الانسان وسيادة القانون وحق المواطنة ولجم الدولة عن التغول على المجتمع واعادة المبادرة اليه ، تلك المهام وما يتصل بها لابد من انجازها بالتأكيد ، لكن ذلك لايفترض القبول بالبرنامج الاقتصادي الليبرالي خاصة ذلك المستنسخ من توجيهات صندوق النقد الدولي ومنظمات تحرير التجارة العالمية ومراكز الفكر التابعة للحكومة الأمريكية والشركات متعددة الجنسيات ، وتلك هي نقطة الخلاف الأولى مع التيارات الليبرالية .
أما نقطة الخلاف الثانية فهي مراهنة اليسار الديمقراطي على تحالف الطبقة العاملة والوسطى كحامل اجتماعي لتحقيق المهام الليبرالية السابقة بدلا من المراهنة على البورجوازية الجديدة منقطعة الجذور ، أو البورجوازية المدينية الضعيفة ، وما نزعمه هو ان انتشار الثقافة والوعي السياسي واستعادة دور النقابات المهنية والعمالية ورسوخ السلم الأهلي سيخلق بيئة حاضنة لتبني الطبقة العاملة والوسطى للمهام الليبرالية ضمن مجموعة متعددة ومتكاملة من المهام .
تنظر التيارات الليبرالية الى تحقيق المهام الليبرالية كأهداف مستقلة ونهائية ، بينما ينظر اليسار الديمقراطي الى تلك المهام كجزء مترابط مع المهام الأخرى التحررية الديمقراطية .
مرحلة العولمة تطرح دمج المهام التاريخية التي لم تنجز في المراحل السابقة ومهام المرحلة الراهنة في سياق واحد ، كما ان تعميق الديمقراطية في الداخل يقتضي الحرية في العلاقة مع الخارج وعدم الارتهان لمشيئته ، وخوض معارك الحرية في وجه نزعات الهيمنة للخارج يقتضي انجاز درجة من الديمقراطية والحريات العامة في الداخل .
ليس من الضرورة أن تقف وجهة النظر هذه حجر عثرة أمام برنامج مشترك للتغيير الديمقراطي مع بعض التيارات الليبرالية ، كما أن الدخول في برنامج مشترك للتغيير لا يتطلب إخفاء الاختلافات بل إظهارها والسعي المستمر لتمييز خط اليسار الديمقراطي وعدم إلقاء سلاح النقد في أية مرحلة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حيوان راكون يقتحم ملعب كرة قدم أثناء مباراة قبل أن يتم الإمس


.. قتلى ومصابون وخسائر مادية في يوم حافل بالتصعيد بين إسرائيل و




.. عاجل | أولى شحنات المساعدات تتجه نحو شاطئ غزة عبر الرصيف الع


.. محاولة اغتيال ناشط ا?يطالي يدعم غزة




.. مراسل الجزيرة يرصد آخر التطورات الميدانية في قطاع غزة