الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


البُعد الاقليمى للمشهد السياسى المصرى الداخلى

أحمد محمد أنور

2014 / 6 / 15
مواضيع وابحاث سياسية


ليس من شك فى أن الوضع الداخلى لأى بلد يعكس بدرجة أو بأخرى مكانة هذا البلد على المستوى الخارجى ، ويُشكل أداة قياس تأثيره فى محيطه الإقليمى ، ويُصور حركة نظامه السياسى ، ودرجة استجابته إزاء طروء مزيد من المتغيرات الدولية والاقليمية بإضطراد ، وبالتالى ظهور معطيات الوضع الخارجى برُمَته فى صورة سياسات عامة يتم صياغتها على أيدى خبراء وأكاديميين وسياسيين ، على كافة الأصعدة الحيوية والاستراتيجية للدولة ، مثل تحديات الأمن القومى والانفاق العسكرى ومستوى التسليح والأمن المائى والغذائى والكفاءة المعلوماتية لأجهزة المخابرات ، وقضايا الطاقة والتنمية والبطالة والقضاء على الفقر وغيرها.
ومصر كدولة ذات ثقل سياسى ، ورصيد دبلوماسى محترف ، وتراث قانونى وتشريعى عريق ، وتاريخ عسكرى وطنى مشرف ، وتراكم حضارى عظيم ، مصر ليست استثناءً عما عرضناه آنفاً ، ذلك أن التناحر السياسى المسيطر على الساحة السياسية الداخلية ، ودرجة الاحتقان المتزايدة فى الشارع المصرى ، وعدم إتساق الأحكام القضائية فى قضايا الرأى العام - مثل قضايا قتل المتظاهرين وقضايا نهب المال العام – مع جوهر الثورة ، وعدم تنفيذ الأحكام القضائية فى أحيان كثيرة ، والعدوان على القضاء فى أحيان أخرى كأزمة النائب العام ومشروع السُلطة القضائية ، وتورُط كثير من الموصوفين بالنخبة فى أحداث الفوضى والعنف جنباً الى جنب مع النخبة السياسية والأمنية الحاكمة ، وتدهور مستوى الخدمات العامة كالمواصلات والنظافة والكهرباء ، وتدنى الأحوال المعيشية للمواطنين ، وانكشاف معظم مؤسسات الدولة المترهلة – كالاعلام والداخلية والرئاسة والقضاء – واهتزاز ثقة الرأى العام الشعبى فيها ، مع استمرار وجود العديد من ملفات الفساد دون حلول جدية أو حتى نوايا لإحداث حلول حقيقية وعادلة ، كل هذا ساهم فى إفراز واقع سياسى مشوه ، نُقاسى كل لحظة مراراته.
فى هذا السياق ، لا شك أن الوضع الداخلى فى مصر ، قبل الثورة وبعدها ، ظل يؤثر وبقوة على وضعية مصر – الدولة والنظام والمجتمع أيضا – فى محيطها الاقليمى ، بل وعلى استقلال إرادتها السياسية وقرارها الوطنى ، فعلى المستوى الرسمى للنظام قبل 25 يناير وبعدها ، ظلت الدولة المصرية تعيش حالة من التخبط السياسى وانعدام الرؤية ، رغم امتلاكها الكثير من الأدوات الفعالة فى إدارة أزمات الإقليم ، وصارت خطواتها تتأرجح فى ظل حالة من انعدام الإتزان التى كانت أبرز مُنجزات تحييد ارادتها السياسية منذ توقيع اتفاق السلام مع اسرائيل سنة 1979 ، ومع قيام الثورة العبقرية فى مصر والتى كانت نذيراً مُلهماً بحيوية تصحيح المسار ، ظل النظام السياسى الحاكم – الجنرالات وأشباه المشايخ – يدير الدولة المصرية بلا مبالاة ولا كفاءة ولا استراتيجية ولا إرادة لتحقيق أهداف الثورة فى العيش والحياة بكرامة ورفاهية وسلام ، واستمر – تبعاً لذلك – تقزيم مركز الثقل المصرى فى المنطقة ، واستمر بالتالى خلق واقع جديد تمثل فى عملقة دول الريع النفطى على حساب الدولة المترهلة فى مصر ، فضلاً عن تشعُب الأيادى الاسرائيلية وتعمقها فى جذور الاقليم من تركيا حتى منابع النيل ، وصار من نكد الدنيا أن ينظر البعض الى دولة قطر على أنها حامية العروبة وراعية العمل العربى المشترك رغم أدوارها التخريبية فى أكثر من قُطر عربى ، وأن ينظر العامة والخبراء الى تركيا – التى خطب الرئيس الاسرائيلى شيمون بيريز فى برلمانها سنة 2007 – على أنها قلعة الخلافة وحصن الاسلام أمام الغطرسة الاسرائيلية ، بل صار تطاوُل دول صغيرة مثل كينيا برعاية من أثيوبيا وحلفائها أمراً يتير الشجن فى نفوس المصريين ، ليس لأنه صادر من أشقاء كنا حتى وقت قريب موضع احترام وهيبة فى وجدانهم الجمعى ، ولكن لأن الأمر لم يعد همساً ولا حدثاً فردياً ، بقدر ما صار واقعاً مفروضاً على مصر وشعبها ، وبقدر ما أصبح يُشكل احدى مُرتكزات السياسة العامة لهذه الدول ، فى حين ظل النظامان – السابق والحالى – فى مصر ، فى حالة تخبُط وعشوائية سياسية ، يتمتعان بأقصى درجات قِصَر النظر والغباء السياسى الذى لا تُخطئه عين مراقب – أو متابع عادى غير متخصص – فى إدارة الأزمات التى تتعلق بأمننا القومى ، فيما تضاءل الثقل المصرى فى المعادلة الاقليمية حتى أصبح بلا فاعلية أو قدرة على الادارة والتأثير ... وما يصح على الوضع السياسى يصح على الوضع الاقتصادى بإمتياز.
إن الوضع الداخلى المشوه الذى تعيشه مصر ويقاسيه أهلها فى كل ما يتعلق بأمور حياتهم اليومية ، صار يفرض نفسه بقوة ، صار يفرض نفسه بقوة على وضع الدولة المصرية ومدى تأثيرها فى محيطها الاقليمى ، فالمشكلات التى تواجهها مصر ليست ترفا ، بل حصادا متراكما ومستمرا زرعته أيادى نجسه وعقول فاسدة وضمائر خربة ، واليوم تواجه الادارة الضعيفة التى تتصدر المشهد ، مشكلات من نوع وحجم الديون المتراكمة ، ملف مياه النيل ، وعزم دول المنابع على بناء مزيد من السدود ، التصديق على اتفاق عنتيبى دون موافقتنا ، ومشكلة الوضع المتردى فى سيناء الشقيقة ، ناهيك عن الانفلات الأمنى والتدهور الاقتصادى المستمر ... كل ذلك يحتاج الى رؤية سياسية ثاقبة ، وادارة واعية ، واستراتيجية متماسكة ، وقرار وطنى مستقل ، وقبل كل ذلك وفاق وطنى نحن أحوج ما نكون اليه ، سواء أتى كُل ذلك من رحم النظام ، وإلا فليرحل ولينجُ بالسفينة غيره ، .... المشهد المؤلم الذى تعيشه مصر اليوم هو من صُنع أيديكم - النخبة السياسية الحاكمة والمعارضة فى آن - فلا تلوموا إلا أنفسكم
أحمد محمد أنور
القاهرة فى 28 يونيو 2013








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. سودانيون يقتاتون أوراق الشجر في ظل انتشار الجوع وتفشي الملار


.. شمال إسرائيل.. منطقة خالية من سكانها • فرانس 24 / FRANCE 24




.. جامعة أمريكية ستراجع علاقاتها مع شركات مرتبطة بإسرائيل بعد ا


.. تهديد بعدم السماح برفع العلم التونسي خلال الألعاب الأولمبية




.. استمرار جهود التوصل لاتفاق للهدنة في غزة وسط أجواء إيجابية|