الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الأثر الفكري للمهدي المنجرة

عزالدين بوركة

2014 / 6 / 16
مواضيع وابحاث سياسية


يبحث الجمهور عن من يسوق له الرمز.. حيث يُفرغ كبثه الاجتماعي والاقتصادي والسياسي الحاصل.. هذا الرمز الذي يُسوّق عبر الصورة التي تأخذ مكانها في اللاوعي الجماعي عند الجمهور. لا يعني الرمز بالضرورة ماركة استهلاكية مادية، بل يتجاوز الأمر ليصبح أحيانا ماركة استهلاكية فكرية ولغوية وأدبية-بشرية- وأيديولوجية.. مثل ما يعمل على تسويقه البعض حينما يسوقون صورهم كرموز-فارغة- عبر وسائل الإعلام.
لا يعني تواجد الصورة الدائمة عبر وسائل الإعلام قيمة وجودية أو قيمة قابلة للخلود والتخليد.. فما أن ينقطع الحبل الكهربائي وتختفي الصورة من البث.. يختفي الرمز.. متيحا لرمز آخر المساحة للظهور. والتظاهر.. واحتلال الحيز الإعلامي. ولا يعني ابتعاد بعض الأدباء و المفكرين والكتاب على الساحة الإعلامية (المهدي المنجرة مثالا) موتا لهم. فالخلود بمعناه الفكري والرمزي يتواجد ويوجد ويُوحِد. حيث تتوفر السلطة المعرفية والسلطة الفكرية. والرأي والموقف الثابتين. عند المفكر خاصة.
لقد بين نيتشه أن ارادة المعرفة هي ارادة القوة وأن المعرفة توليد للتفاصيل، وحتى اللغة في نظره فعل سلطة، فإستراتيجية التسمية هي استراتيجية هيمنة. أليس هو القائل :(( ان حق السيد في اطلاق الأسماء يذهب إلى مدى بعيد، إلى حد أنه يمكن اعتبار أصل اللغة فعل سلطة صادر عن هؤلاء الذين يهيمنون. إن هؤلاء قالوا هذا كذا وكذا والصقوا بموضوع ما فعل ما لفظا معين فامتلكوه)). (عبدالسلام بنعبدالعالي).
بأي معنى يمكن الكلام عن سلطة المعرفة؟ [...] انها سلطة متعددة الوجوه والمظاهر: تتجلى فيما يمارسه التقليد في قهر السلطان خصوصا في مستوى المعرفة العلمية، وفي ما تتجلى به المفاهيم من سطوة ولاحيادية من حيث أنها كمفهوم، لا تعكس وقائع ذات وجود موضوعي مطلق مستقل تمام الاستقلال عن عملية بناء المفاهيم وما تنطوي عليه من قيم ومعايير.. من خلالها يتم تفسير الظواهر وهي الأصح تأويلها: مما يجعلها تنتمي إلى أنسجة متشابكة من المعتقدات و الالتزامات المذهبية، فتكف عن أن تكون مجرد أدوات محايدة بريئة طوع اليد ورهن الإشارة.1.
قد يبدو من الوهلة الأولى السهولة مما كان الكتابة عن المهدي المنجرة، فلا يكفيك أن تلملم عناوين الكتب وبعض الأسطر من كتاباته-العزيرة- واختزالها في مقال لنقول أننا كتبنا.. فالكتابة بعد آخر. يلتقي فيه الكاتب مع/على من/ما يُكتب. الكتابة تحويل الفكرة إلى لغة واصطباغها بقيمة لغوية. انها روح تتناقل من الكاتب إلى القارئ. بكثرته أو قلته. وهذا هو نص المنجرة.
وليس النص/ إلا جسد آخر/ لموت الكاتب (عبدالله زريقة)
اليوم 13/06 رحل عنا المنجرة فجأة. رحلة جسدا ولم يرحل كلمة وقيمة للقيم. فقد ندفن الجسد، لكن غير مستطيعين أن ندفن كلمة خرجت وسُطرت.. فالكلمة المكتوبة أبقى وأدوم.
المنجرة الملتزم بالخط الذي رسمه لنفسه. خط المثقف والعالم. بعيدا عن الأضواء الإعلامية المحلية. غير عابئ بنكران وطنه له. واختياره الهامش. الهامش لا يعني بالضرورة ما هو مادي. فالهامش هو الابتعاد عن السياسي والسياسة بالفعل وممارستها بالكتابة والكلمة والنص في مواجهة السلطة (المخزنية).
إن المثقف يعتبر أن للالتزام هنا والآن بالحدث أهمية تفوق مستقبل أثره بعد وفاته. إنه إنسان يقدم الفعل والتأثير الاستراتيجي على الحدث وعلى ومعاصريه، أكثر مما يقدّم المسيرة المحتملة-والمجهولة منه بالضرورة- لعمله وسط جماهير المستقبل. يدور مصير المثقف، حسبما يقول سارتر في مقالة له حول معنى الأدب، وفي نص آخر أكثر دقة بعنوان (الكتابة من العصر (1946-2000)) في مجرى حياته، ويقاس بالتأثير الذي يمكن له أن يتركه في زمنه، الذي يعتبره (المطلق الحي، الوجه الجدلي الآخر للتاريخ). يهدف المثقف، حتى من خلال كتاباته بالذات إلى التأثير في العالم، الذي هو عالمه، بوصفه فاعلا حيا؛ وليس من خلال التأثير الافتراضي الذي يمكن له أن يجعل منه كلاسيكيا محتملا، أو "خالدا": إن الكتب التي تنتقل من عصر إلى آخر هي ثمرات الأموات.(...) إن جعل الحاضر مطلقا وتشبيه العمل أو الأثر بالثمرة الحية والقابلة للأكل – أو التي يمكن تقديرها أو تذوقها، حين قطافها فقط، أي حين ينشر العمل فقط- يعني تضييق حقل الكتابة والقراءة بشكل خاص وجعله ضمن بُعد ضيق جدا، ما يعني أن الثقافة الماضية بمجملها، وكذلك الإرث الماضي قد أعطيا دور ثانويا إن لم نقل كثيرا للسخرية. وحدها الدلالة التي تعطي للأثر من قبل القراء الأول، المعاصرين للكتاب، هي ما يهم سارتر بالفعل.2.
وإذا كان سارتر قد أبدى قلة اهتمامه بمستقبل أثره بعد وفتاه ولم يتطلع إلى استقبالها من قبل الأجيال اللاحقة بعد وفاته، فإن نيتشه بدوره قد استسلم دون كلل للعزلة والألم الجسدي، ليبدع عملا ظل غير معروف، ان لم نقل مجهولا طيلة حياته.. فهو لم يعش إلا من أجل كتابة أعمال لم يصل إلى يدي القراء في حياته إلا العدد القليل منها.
جمع المنجرة بين هذا وذاك.. كان على نقيض سارتر في الاهتمام بالأثر.. لأن عملية الكتابة عند المنجرة عملية ناتجة عن خلفية علمية والدراسات المستقبلية.. وبين نيتشه في العزلة (في وطنه وخارج) والنقيض لنيتشه في القراء في حياته من حيث القراءات. العزلة هنا قادته إلى رؤية الحادث الوطني من زاوية أكبر، ووضعه بين معقوفتين نظاما ومجتمعا في مؤلفاته وهو يتناولهما في كتاباته." هذا غريب لم تزحزح عن مسقط رأسه، ولم يتزعزع من مهب أنفاسه، وأغرب الغرباء من صار غريبا في وطنه وأبعد البعداء من كان بعيدا في محل قربه"( أبو حيان التوحيدي)
فما هي الروابط بين كتابة الأثر وبين كتابة العرائض والبيانات التي تعبّر عن هيكلية المثقف؟ نعتبر الأصالة الفكرية (المصداقية) ظاهرة فردية بالضرورة. فكيف يمكن أن تنسحب على وضعية المثقف التي تفترض، برأيه، حضورا للمجموعة والتي تقوم أساسا علاقة اجتماعية؟ طالما جرى التأكيد واقعا: أن المثقف المعزول شخص لا وجود له. وكي يوجد مهنيا، وليفكر وليعمل، فعليه ضرورة أن ينغمس وسط جماعة. وما هو الجامع بين الفيلسوف، وعالم اللغة وعالم الدلالات والإثني والفيزيائي؟ أفكار مهنية؟ مفاهيم فلسفية؟ قناعات أخلاقية؟ اعتقادات دينية؟ أليس من الأجدى أن يصير إلى تقاسم أفكار تهم الجمهور، وشؤون المدينة؟ مصلحة مشتركة حول الأحداث، الوطنية والعالمية، ومن أجل القضايا التي تشكل حبكة التاريخ، كما تعاش من قبل الناس الواعين؟ رؤية عامة مشتركة؟ أو وضعية المثقف بالذات؟
إن العزلة التي نحن بصدد الحديث عنها عند المنجرة هي عزلة نظام عزلة مخزنية (إن صح التعبير) وإعلامية وابتعادا عن الصورة تعففا و ابتعادا عن تسويق الصورة كما أسلفنا الحديث، الصورة قابلة للمحو والحذف. أما الأثر فيدوم ويُخلد.
لا يمكن جعل مشاركة المثقفين في الحياة العامة مشابهة لأفراد من نوع خاصة، أو ممن نطلق عليهم من الآن فصاعدا اسم (المغفلين)؛ ولا مشابهتهما بمحترفي في الأعمال الفعلية أو الثقافية أو الإبداع، حتى لو صاروا مبدعين وكتابا وشخصيات. تعبر هذه المشاركة عن نفسها عبر ممارسة نوع معيّن من القول العام، يختلف كلية عن العمل الذي يعتبر مطلقا يتجاوز التاريخ: تجاه ولد يموت، لا تعتبر (السأم) [رواية سارتر] ذات وزن خاص، هذا ما قاله سارتر يوما ما. لا يمكن للعمل أن يفعل شيئا تجاه الموت؛ إنها تثير السخرية إذا ما واجهت الظلم أو الشر، وهذا ما يستدعي كتابة تشكل معركة. وهكذا يُعتبر المثقف حيوان غريبا بالفعل. فالمثقف لا يتحد بوصفه باحثا أو بوصفه أستاذا أو فنانا من حيث الامتهان الحرف أو الخبرة. وفي الوقت نفسه لا يمكن إعطاؤه صفة المواطن ببساطة وسهولة.3.
الأثر الخالد والظاهر في مواقفه وآرائه الصلدة، وفي مؤلفاته نأخذ على سبيل المثال لا الحصر كتابه "عولمة العولمة" الذي تناول فيه موضوع العولمة التي استطاعت أن تخترق كل الحجب في بلادنا على وجه الخوص، بسبب من التفاصل الخطير بين الحكومات واحتياجات الشعوب -كما يرى المنجرة-بل لقد نجحت في فرض نفسها لأن هذه الحكومات تصرّ بدأب على رفض أي نوع من أنواع التفاهم
والمصالحة مع شعوبها، واختارت أن تعتمد على الغرب لحماية نفسها من هذه الشعوب،
فأصبحت العولمة في بلادنا وللأسف الشديد ضمانا لبقاء هذه النظم السياسية
واستمرارها بنفس النسق الذي عرفه العالم الثالث منذ خمسين عاماً من دون أية نية في
أي تغيير. (مقال). وينقسم الكتاب إلى خمسة أقسام هي "تحرير العولمة"، و"العولمة والمعرفة في المجتمع المعاصر"، و"مستقبل المنظومة الدولية في الألفية الثالثة"، و"المجتمعات العربية .. اختلالات الراهن وسيناريوهات المستقبل"، و"أي صورة للعرب في المستقبل؟".
من إنجاز: عزالدين بوركة
----
1.سالم يفوت- سلطة المعرف
2. جيرار ليكلؤك- سوسيولوجيا المثقفين
3. نفس المصدر








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. متضامنون مع غزة في أمريكا يتصدون لمحاولة الشرطة فض الاعتصام


.. وسط خلافات متصاعدة.. بن غفير وسموتريتش يهاجمان وزير الدفاع ا




.. احتجاجات الطلاب تغلق جامعة للعلوم السياسية بفرنسا


.. الأمن اللبناني يوقف 7 أشخاص بتهمة اختطاف والاعتداء -المروع-




.. طلاب مؤيدون للفلسطينيين ينصبون خياما أمام أكبر جامعة في الم