الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


د. ميثم الجنابي: الثقافة الحقيقة هي ثقافة منظومة

حسين رشيد

2014 / 6 / 16
الادب والفن


ميثم الجنابي: الثقافة الحقيقة هي ثقافة منظومة

شكلت الثقافة العراقية، وعلى مر مراحلها المتعدد التاريخية منها والاجتماعية والسياسية، الكثير من الجدل والنقاش. خاصة فيما يتعلق بشكل هذه الثقافة وهويتها، ومدى انتاجها والتاثيرات المتعدد عليها. وما جنتها هي أي الثقافة من هذه العوامل بشكل عام وما طرحتها من اسئلة على مر مراحلها، ولاجل ذلك كان للاسبوعية هذا الحوار مع د. ميثم الجنابي.

حاوره: حسين رشيد

• هل توجد علاقة بين الدولة والثقافة؟ وكيف يمكن تطبيقها على العراق في ظرفه الراهن؟
إن العلاقة بين الثقافة والدولة علاقة عضوية. فالدولة هي الحاضنة الكبرى للثقافة. تماما بالقدر الذي تؤثر الثقافة على نوعية المسار التاريخي للدولة. ومع انه لا يوجد قانون صارم قادر على تحديد هذه النسبة المتبادلة بين الاثنين، إلا أن مما لا شك فيه، هو أن الثقافة هي الوجه "الروحي" للدولة. فكلما تكون الدولة أكثر شرعية وانفتاحا واحتراما للإنسان والمصالح العامة كلما تكون الثقافة أكثر إبداعا. والعكس بالعكس. وليس مصادفة أن نرى على سبيل المثال نمو الإبداع الثقافي في العراق مع مجرى التفتح التاريخي في نشوء الدولة العراقية الحديثة حتى الرابع عشر من تموز عام 1958. وما بعده نلاحظ الضمور التدريجي والموت الفعلي للثقافة الحية، والاستعاضة عنها بثقافة مزيفة، أيديولوجية خادمة ووضيعة. أما الثقافة الحية فقد اضطرت "للهجرة". مع ما ترتب عليه من ضمور تدريجي لها والبقاء بوصفها حالة فردية فقط.
إن التلاشي التدريجي للثقافة الحية مرتبط وثيق الارتباط بالسيطرة الشاملة للنزعة الراديكالية السياسية وهيمنة "الغريزة" السياسية والحزبية المتخلفة على مقاليد الدولة. بحيث جرى إرجاع الدولة الى السلطة فقط. مع ما ترتب عليه من إرجاع الثقافة الى خادم وضيع للسلطة، كما حدث في مجرى الهيمنة التامة والشاملة للراديكالية السياسية الهامشية (التوتاليتارية البعثية والدكتاتورية الصدامية). والشيء نفسه يمكن قوله عن العراق الحالي. فهو ما زال يعاني من ثقل تقاليد المرحلة السابقة. ولم يخرج منها بعد. إلا أنه استطاع كسر قيودها الخارجية. وبقي كما يقال قيودها الداخلية المتعلقة باستفحال الحزبية والجهوية والطائفية والعرقية أي مختلف بقايا الخراب الشامل للدكتاتورية. كل ذلك يشير الى حقيقة هامة بهذا الصدد وهي أن الثقافة والدولة وثيقي الارتباط، كما أن كل منهما يعكس ويحدد لحد ما "هوية" الآخر.

• كيف نصنع، أو يمكن أن نساهم في صناعة الثقافة. من ثم صناعة الهوية الثقافية الوطنية؟
إن الثقافة الحقيقة، أي الحية والمبدعة والفاعلة والمؤثرة في بناء الفرد والجماعة والمجتمع والنظام السياسي، هي منظومة. أي أن الثقافة الحقيقة هي ثقافة منظومة وليست جزئية. وهذا ينطبق على كل ما هو كبير وضروري، بل على كل موجود حي فعال مؤثر عاقل قادر في الوجود التاريخي للدولة والأمة. والثقافة من بين أكثرها جوهرية بهذا الصدد، لأنها العمود الفقري (الروحي) للدولة والأمة. وتصنيع الثقافة يفترض وجود منهجية تدرك قيمة وأهمية ونوعية المنظومة الضرورية لهذا العمل. بمعنى إننا بحاجة الى منظومة شاملة تحدد ماهية الثقافة ومهماتها الحالية ووسائلها وأهدافها الحالية والمستقبلية. ولكل منها برنامجه الخاص ضمن هذا السياق. وهذا يحتاج أولا وقبل كل شيء الى مسح سوسيولوجي شامل "للحالة الثقافية" العراقية،مع ما يترتب عليه من دعم مادي ومعنوي من جانب الدولة. ولعل الأولوية هنا للتربية والتعليم. فهو الأساس الضروري لإرساء أسس المعرفة والعلم والتطور المدني. ويستحيل تحقيق ذلك دون بنية سياسية متطورة ونظام اجتماعي ودولة تحتكم للقانون والشرعية. أما الوجه الآخر، الموازي لعمل الدولة فهو نشاط الفئة المثقفة ودورها المستقل في إرساء ما يمكن دعوته بالدولة الروحية. ويستحيل تحقيق ذلك دون استقلال الثقافة والمثقف وارتقاء شخصيته ووزنه الى مصاف المرجعية العقلية والروحية والأخلاقية للمجتمع. حينذاك فقط يمكن للثقافة أن ترتقي الى مصاف "الثقافة الوطنية". وهذا هو الوجه والمضمون الفعلي "للهوية الثقافية الوطنية".

• هناك رأي يقول، أن للهوية الثقافية ثلاثة مستويات، الهوية الفردية، والهوية الجمعوية، والهوية الوطنية أو القومية، هل ينطبق هذا على الثقافة العراقية؟
إن هذا التقسيم "سوسيولوجي" عادي. ويمكن إزالة أقسام منه وإضافة أخرى. بمعنى إننا نستطيع إضافة عشرات أو مئات أخرى من هذا القبيل. وكلها قابلة للتطبيق ليس في العراق بل في كل دولة. اعتقد أن الصيغة الأبسط والأكثر عمومية وقيمة بالنسبة لتحديد "هوية" الثقافة بما يتطابق ويستجيب لحقيقتها كما هي، هو الحديث عن ثقافة حية مبدعة، وأخرى تقليدية ميتة. والثقافة العراقية الحالية اقرب الى الثانية منها الى الأولى.

• طيب دكتور الثقافة العراقية هل هي قابلة للثقافات الأخرى أم طاردة ؟ وما هو تأثير تلك الثقافات في حال افتراضنا أنها ثقافة متأثرة بما غيرها.
إن الثقافة الحية تحتوي بقدر واحد على إدراك ذاتي و"نسبة" معقولة للقبول و"الطرد"، أو بصورة أدق للتمثل والنفي. أما الثقافة التقليدية الميتة، فإنها "طاردة" لما في غيرها. والمقصود بالقبول عندي، كما أشرت قبل قليل هو التمثل النقدي والعقلاني والمستقبلي للإبداع الثقافي العالمي. وعندما أشرت الى أن الثقافة العراقية الحالية اقرب الى التقليدية والميتة، فان ذلك مرتبط بضمور الروح الثقافي العراقي الذي بلغ "ذروته" في مرحلة الدكتاتورية الصدامية والتوتاليتارية البعثية. وما قبل ذلك كان يهيمن عليها أيضا نفسية التحزب والايديولوجيا والفكرة السياسية المسطحة. من هنا خنوعها وخضوعها لقشور الثقافة (أي التقليد) و"قبولها" به. من هنا ولعها بالمبهرج والمثير. لهذا كان وما زال تأثير الثقافات الأخرى في الثقافة العراقية يتسم بالسلبية الفجة. إن التأثر العراقي بالثقافة الخارجية هو استلاب ثقافي، وذلك لأنه لا تمثل نقدي فيه. والسبب يكمن في الثقافة العراقية الحالية لا عراقية فيها بالمعنى الدقيق ولا عراقة في المعاناة. من هنا ضعف الإبداع الحقيقي فيها. وما لم يجر تذليل ذلك، فان الأمر ستبقى كما هي، أي "ثقافة جاهلة". وهنا مفارقتها الغبية!
• هناك من يقول أن الثقافة العراقية في أزمة، الى أي مدى ذلك صحيح، وهل هي ثقافة مستنسخة أم متجددة؟
الثقافة العراقية هي الوجه الآخر أو الصيغة "الروحية" الخاوية للازمة التاريخية التي يمر بها العراق. إن التجربة التاريخية للعراق على امتداد قرن من الزمن (منذ الخروج من العثمانية وحتى الاحتلال الأمريكي، ولحد الآن أيضا، أي عام 2011) تكشف عن انه مازال يراوح في مكانه. وبالتالي فان تجاربه تتلاشى ولا تراكم فيها،. ذلك يعني انه يعيش بمعايير الزمن وليس التاريخ. وهذا مؤشر على انه لا ثقافة حية فيه. إن الثقافة الحية لا تسمح بإعادة تكرار مهزلة الزمن على مسرح تاريخها الذاتي!! بعبارة أخرى، إننا نستطيع أن نطلق مختلف الأوصاف على الثقافة العراقية الحالية بما في ذلك "المتجددة" ولكنني لا أستطيع أن أطلق عليها وصف ثقافة حية مبدعة. وهذا هو الوجه الآخر والفعلي للازمة المتحكمة فيها.

• أيهما أكثر تأثير في صناعة الثقافة، التراث أم الثورة المعلوماتية؟
الإجابة على هذا السؤال مرتبطة بتحديد ماهية الثقافة. وبما إنني حددتها على أساس أولوية وجوهرية الإبداع الحي النقدي والعقلاني فيها، من هنا يمكنني القول، بان كل ما في الوجود يؤثر فيها بأقدار تناسب مع ما فيها من قدرة واستعداد للإبداع الحي. عندها يصبح التراث والثورة المعلوماتية روافد ونسب فيها وليست كيانات مستقلة أو قائمة بذاتها. فالتراث جزء من "الثورة المعلوماتية". و"الثورة المعلوماتية" تصبح جزء من التراث. وهكذا دواليك. بعبارة أخرى، إن الثقافة الحية المبدعة تذلل على الدوام تناقض "القديم" و"الجديد" و"التراث" و"المعاصرة" من خلال دمجهم في معاناة الإبداع الحقيقي. وذلك لان الثقافة الحية الكبرى منظومة، وبالتالي تتمثل كل ما في الوجود بوصفه جزءا عضويا لنموها. إنها تعمل وتفعل وتنتج وتبدع بمعايير الحقيقة وليس بمعايير القديم والحديث. إنها تتعدى مقاييس الزمن الميت وتذله بمعايير التاريخ، أي التراكم الضروري والواعي لحل إشكاليات الوجود "المتجددة".
***








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مليون و600 ألف جنيه يحققها فيلم السرب فى اول يوم عرض


.. أفقد السقا السمع 3 أيام.. أخطر مشهد فى فيلم السرب




.. في ذكرى رحيله.. أهم أعمال الفنان الراحل وائل نور رحمة الله ع


.. كل الزوايا - الفنان يحيى الفخراني يقترح تدريس القانون كمادة




.. فلاشلايت... ما الفرق بين المسرح والسينما والستاند أب؟