الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قراءة موضوعية للانتخابات

خليل كلفت

2014 / 6 / 17
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان



يفقد المحلِّل أو المناضل السياسى كل مصداقية عندما يفقد الموضوعية. ويرتفع فى مصر الآن برج بابل من السجالات المحمومة بلا مصداقية، منطلقة من أيديولوجيات سياسية منها الحاجبة للواقع والتبريرية بطبيعتها، ومنها أيديولوجيات تشترط بطبيعتها الكاشفة الالتزام بمقتضيات العقل والعلم والموضوعية.
ولا يمكن للأيديولوجيات إلا أن تتصارع وتتعادى. ولكنها تنحدر الآن جميعا "بربطة المعلِّم" إلى مستوى المهزلة أو المأساة أو التراجيكوميديا إذ تعتمد فى تبرير فكرها أو سلوكها السياسى على قلب الحقائق. وفى هذا السياق، هناك أيديولوجيات تقوم على الالتزام بالموضوعية ولكن أنصارها لا يسترشدون ببوصلة العلم ونجمه الهادى فيما يبحرون فى ظلام دامس يطمس الاتجاهات الأصلية والفرعية، ويتورطون أكثر ليغوصوا فى مستنقع فقدان الاتجاه والتحوُّل إلى مواصلة التنكيت والتبكيت واستعراض خفة الدم على صفحات الفيسبوك.
ومن هنا يغدو قدَرهم أن يتجاهلوا ويتناسوا وينسوا تماما ما هو أهم من كل الانتخابات، والرؤساء، والأيديولوجيات، والمصالح؛ أعنى مصير الشعب وضرورة تفادى حرب أهلية مدمرة تحمل معها الخراب العاجل والهلاك النهائى للشعب. وتتمثل القضية الكبرى اليوم فى تفادى الحرب الأهلية والدولة الدينية اللتين تشترط كل منهما الأخرى، وهذه حقيقة ساطعة ملقاة على قارعة الطريق.
وإذا كانت جماعات الأصولية الإسلامية الإرهابية بقيادة الإخوان المسلمين قد اختارت طريق الحرب الأهلية والدولة الدينية، "نحكمكم أو نقلتلكم"، فإن هناك مَنْ يرفضون الأيديولوجيات الدينية-السياسية للإخوان والسلفيِّين ودولتهم الدينية والحرب الأهلية، ويعتقدون مع هذا أنه توجد بدائل سياسية متعددة تسمح بتفادى الحكم العسكرى والحكم الإخوانى على السواء. وقد اندفع ماركسيون واشتراكيون وناصريون وقوميون بعيدا عن أيديولوجياتهم الأصلية إلى أناركية معادية للدولة والمؤسسة العسكرية دون أن تكون معادية للرأسمالية. وهذا جوهر أناركيات عديدة.
والحقيقة أنه لا توجد اليوم على المسرح السياسى بدائل كثيرة للوصول إلى السلطة بل توجد فقط إما الدولة والجيش أو الإخوان المسلمون ودولتهم الدينية. وهناك قانون كل الثورات فى التاريخ الحديث، بل فى تاريخ المجتمع الطبقى كله، ومؤداه أن قوى الثورة الشعبية إنما تكون وقودًا للثورات ولا تصل، ولا يمكن أن تصل إلى السلطة التى تستولى عليها طبقة استغلالية صاعدة أو تبقى نفس الطبقة فى السلطة.
ويخشى ثوارنا أن تؤدى رئاسة رجل قادم من خلفية عسكرية إلى ديكتاتورية عسكرية. والحقيقة أن كل بلدان العالم، وعلى رأسها أمريكا، تحكمها ديكتاتوريات عسكرية برئاسات مدنيِّين من أصلاب مدنيِّين.
ولا يفهم ثوارنا أن أىّ دولة إخوانية لا يمكن إلا أن تكون ديكتاتورية عسكرية وفوق ذلك دينية اعتمادًا على جيش إخوانى.
ولا يفهم ثوارنا أنه لا توجد ديمقراطية فى البلدان المسماة بالديمقراطية؛ بل هناك ازدواجية فى كل بلد منها: ديكتاتورية عسكرية للرأسمالية من أعلى، وديمقراطية شعبية من أسفل حققها الشعب بتضحيات هائلة.
ولا يفهم ثوارنا أن مقاومة الديكتاتوريات العسكرية لا تكون بإلغاء الجيوش فهذا يحوِّل المجتمع البشرى إلى غابة حقيقية، بل إن تحقيق مكاسب منتزعة منها يمثل جوهر مبادئ مقاومتها بكل الوسائل المشروعة، ويدرك الماركسيون أن هذه هى الإستراتيجية الإلزامية للثوريِّين إلى أن تأتى ثورتهم اللاطبقية فى زمن آخر ما يزال بعيدا جدا.
ولا يدرك ثوارنا أننا نواجه مؤامرة إخوانية أمريكية إسرائلية قاعدية قطرية تركية حماسية، ولا يفهمون مقتضيات الوقوف مع معسكرهم الطبيعى.
ويعتقد ثوارنا أن الدولة تعرف جيدا من أين جاءتها الضربة، ويعتقدون أنها جاءتها من قوى اليسار والشباب، وأن الحكم الجديد سيتجه إلى ضرب القوة التى ضربتها، عن طريق حكم عسكرى-بوليسى بالغ القسوة. وهذه مغالطة تتجاهل أن الضربة جاءتها من متلازمة الاستغلال والفساد والاستبداد التى أنجبت متلازمة الفقر والجهل والمرض، وتتجاهل أنه لا مناص من أن تعمل الدولة على تفادى خطر ضربات أخرى مماثلة عن طريق إصلاحات عاجلة.
ويتحدث الإخوان المسلمون، وثوارنا معهم، عن سقوط شعبية السيسى، وعن التزوير، وعن اليوم الثالث، وعن الانتخابات الراقصة. والحقيقة أن ثورة 25 يناير كانت رقصًا ومهرجانا وعُرْسا. وكانت الأفراح الجديدة تعبيرا عن أمل فى الأمن. ولأن النساء هن الأكثر حساسية للأمن فقد جئن بأطفالهن وأعراسهن. والحديث عن التزوير مضحك لأنه مع الشعبية الهائلة لا حاجة إلى تزوير. وكان الفرق ضئيلا فى نسبة المشاركة إذ كان 4.72% لصالح انتخابات 2012، وكان ضئيلا فى نسبة الأصوات الباطلة إذ كان 1% لصالح انتخابات 2012، وكان الفرق هائلا فى نسبة الفوز بين السيسى: حوالى 96.9% ومرسى: 51.73%.
وكان الاستقطاب بين شفيق ومرسى هو السبب فى ارتفاع ضئيل فى نسبة المشاركة وانخفاض ضئيل فى نسبة الأصوات الباطلة، وكان له تأثيره فى تقارب نسبة أصوات مرسى وشفيق. وكانت شعبية السيسى بحكم دوره فى مواجهة الإخوان وأملا فى الأمن سبب ارتفاع نسبة فوزه. ومن المفارقات أن الاستقطاب كان شديدا للغاية أيضا فى انتخابات 2014، ولكنه كان بين السيسى والإخوان المسلمين، وليس بين المرشَّحيْن الرئاسيَّيْن! ويبقى أن نستشرف قريبا ضرورات ما بعد الانتخابات.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مقتل 5 أشخاص جراء ضربات روسية على عدة مناطق في أوكرانيا


.. هل يصبح السودان ساحة مواجهة غير مباشرة بين موسكو وواشنطن؟




.. تزايد عدد الجنح والجرائم الإلكترونية من خلال استنساخ الصوت •


.. من سيختار ترامب نائبا له إذا وصل إلى البيت الأبيض؟




.. متظاهرون يحتشدون بشوارع نيويورك بعد فض اعتصام جامعة كولومبيا