الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في عُمْق -الثقب الأسود-!

جواد البشيتي

2014 / 6 / 17
الطب , والعلوم


جواد البشيتي
لـ "الثقب الأسود" Black Hole خاصية جوهرية غريبة عجيبة، هي قابليته لاستيعاب كل ما "يُسْكَب (أو يُصَبُّ)" فيه من مادة؛ فلو كان "نصف قطره" سنتيمتراً واحداً، و"سَكَبْتَ" فيه (أيْ في هذا "الثقب" الذي يشبه جسماً كروياً صغيراً) من المادة ما يَعْدِل آلاف الملايين من الشموس وَزْناً؛ فإنَّه يظل مُحْتَفِظاً بماهيته نفسها، وبخواصِّه الجوهرية نفسها؛ لكنَّ "نصف قطره" فحسب هو الذي يتغيَّر، فيَكْبُر مع كل زيادة في مخزونه من المادة؛ ونظرياً، يمكن أنْ يظل هذا "الثقب الأسود" مُحْتَفِظاً بماهيته نفسها، ولو "سَكَبْتَ" فيه كل مادة الكون!
تَخَيَّلْ أنَّكَ جِئْتَ بكل مادة (أو بكل كتلة) الشمس، و"سَكَبْتَها" في "ثقب أسود"، "نصف قطره" لا يزيد عن سنتيمتر واحد؛ فما التغيير الذي يَقَع؟ تغيير واحد لا غير، هو استطالة "نصف قطره"؛ لقد كان 1 سم، فأصبح 3 كم؛ و"حَقْل جاذبية" هذا الجسم الكروي، أيْ "الثقب الأسود"، هو الآن بحجم "حقل جاذبية" الشمس؛ لأنَّ "كتلته" تَعْدِل "كتلة" الشمس.
وتَخَيَّل أنَّكَ الآن تَقِف على "سطحه (Event Horizon)"؛ فما التغيير الذي تُعاينه؟ الجاذبية عند سطحه أشدُّ كثيراً من الجاذبية عند سطح الشمس؛ لأنَّ "نصف قطر" هذا الجسم أصْغَر كثيراً من "نصف قطر" الشمس؛ لكنَّ عِظَم جاذبيته السَّطْحيَّة لن يُعْجِزَكَ عن مغادرته إلى الموضع الذي منه جِئْتَ.
هذا "السَّطْح" هو "مُنْحنى فضائي"، يشبه "محيط دائرة"؛ فَلْتُقَرِّر الآن "المجازَفَة"، وَلْتَخْتَرِق "السَّطْح" إلى "الدَّاخِل"، أيْ في اتِّجاه "النقطة المركزية (Singularity)" لـ "الثقب الأسود"؛ وهي نقطة "صِفْرِيَّة الحجم، لانهائية الكثافة". لو اخْتَرَقْتَه إلى "الدَّاخِل" بمسافة لا تزيد عن سنتيمتر واحد، فإنَّكَ، عندئذٍ، لن تستطيع أبداً العودة إلى حيث كُنْتَ؛ لن تستطيع ولو سِرْتَ عائداً بسرعة الضوء، التي هي السرعة القصوى في الكون (300 ألف كم/ث).
أنتَ الآن لا خيار لديكَ؛ فسوف تستمر في السقوط نحو تلك "النقطة المركزية" بسرعة هائلة، وتزداد كل ثانية؛ لكن، ما الذي تراه مِنْ حَوْلِكَ في أثناء سقوطكَ (الحر) نحو "المركز"؟ إنَّكَ لن ترى شيئاً من المادة؛ لن ترى مادة ولو في شكل "جسيمات"؛ فـ "الفراغ"، ولا شيء غير "الفراغ"، هو الذي "تراه"؛ فأين هي "المادة" التي "سُكِبَت" فيه، والتي تَعْدِل كتلتها كتلة الشمس؟ إنَّها متموضِعَة في "المركز"، أيْ في "النقطة المركزية" من "الثقب الأسود"؛ وهي نقطة تُمثِّل اجتماع "صِفْرِيَّة الحجم" و"لانهائية الكثافة". و"صفرية الحجم" تعني أنَّ هذه النقطة لا طول لها، ولا عَرْض، ولا ارتفاع؛ تعني "انعدام المكان"؛ لكنَّ "انعدام المكان (بأبعاده الثلاثة)" في "النقطة" لا يتنافى مع احتفاظ هذا الجسم الكروي (أيْ "الثقب الأسود") بـ "حَجْم"، أو بـ "نصف قطر"، يزداد مع كلِّ زيادة في مخزونه من المادة.
إنَّ "صِفْرِيَّة الحجم"، أو "انعدام المكان (بأبعاده الثلاثة)"، في "النقطة المركزية"، مع العاقبة الحتمية لذلك، وهي "انعدام الزمان" فيها أيضاً، هو أَمْرٌ ما زال مدار خلاف فيزيائي وكوزمولوجي وفلسفي.
المادة (أو الكتلة) المتموضعة في "النقطة المركزية" يمكن أنْ تَعْدِل إلكتروناً أو آلاف الملايين من الشموس؛ لكنَّ ماهية هذه المادة تظل لغزاً محيِّراً للألباب.
تَخَيُّلاً، أنتَ الآن بَلَغْتَ في سقوطكَ تلك "النقطة (الغريبة العجيبة)"؛ فهل لكَ أنْ تجيبنا عن السؤال الآتي: إلى أيِّ "مكانٍ" يمكن أنْ يَقودَكَ سَيْركَ (أو سقوطكَ) في "نقطة" هي "اللامكان"؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - في عمق
ناس حدهوم أحمد ( 2014 / 6 / 17 - 10:33 )
كل شيء لا نهائي ولا شيء يمكن الوقوف عنده . فالكون والكينونة ووجود الوجود لا يعرف البداية ولا النهاية هذه أشياء بسيطة ندركها بكل سهولة ولكن أسرار الوجود بما هو وجود لا يدرك . وحتى لو أدركنا شيئا بسيطا فليس معنى ذلك أننا أدركنا بالفعل شيئا ما . حتى التفكير في شخصنة الكون وما هيته أو غايته
يمكن أن يكون نوعا من الخطأ نوعا من العجز . ليس هناك زمان أو مكان للمحاسبة والبحث والتنقيب والتصور والأمل . هناك فقط الحد الفاصل بيننا كوهم قائم في الحقيقة . وبين ما نزعم أننا نبحث عنه كحقيقة كأمر غير ملاحق ولهذا وجد الله بين النقيضين كفعل أمر به نتوقف في كل هذا العبث القائم بذاته
ونراهن عليه حتى نستطيع أن نعيش ونقاوم .


2 - شكر
سعيد ( 2014 / 6 / 18 - 00:58 )
شكرا استاذ ..اتللذذ كثيرا بمقالاتك


3 - تأثير الجاذبية على الكتلة
حسن عبد اللطيف ( 2014 / 6 / 19 - 17:14 )

الأستاذ الفاضل / جواد البشيتى
تحية واحتراما وبعد

عند سقوط جسم بحرية فى مجال الجاذبية لجسم آخر (نفترض أن كتلته هائلة جدا بالنسبة للجسم الساقط) ماذا يحدث لكتلة الجسم الهاوى .. ؟
ان سرعة الجسم الهاوى ستزداد بشكل كبير لو كان المركز الجاذب خاص بنجم عظيم أو بثقب أسود .. ترى ماذا يحدث للكتلة فى هذه الحالة ؟

فى مقال سابق سألتك عن هذا فقلت لى ان الكتلة تزداد .. فهل تتكرم بتوضيح مقصدك ؟


4 - الأستاذ حسن عبد اللطيف ــ توضيح
جواد البشيتي ( 2014 / 6 / 19 - 19:27 )
تحية
نعرف أنَّ كتلة الجسم تزداد مع كل زيادة في سرعته؛ وهذا ما نعرفه في حالة أنْ تكون الزيادة في سرعته متأتية من خضوعه لقوَّة دَفْع أو سحب خارجية؛ لكنَّ زيادة سرعة الجسم في حالة السقوط الحر ليست متأتية من خضوع هذا الجسم لقوَّة (خارجية) لأنَّ الجاذبية ليست -قوَّة-؛ ومن هنا تنشأ الإشكالية النظرية. -النسبية العامة- أوضحت أنَّ تمدُّد الزمن في الجسم يزداد، و-المتر- فيه يتقلَّص، وطاقته (وكتلته) تزداد، مع كل زيادة في الجاذبية التي يخضع لها.

اخر الافلام

.. هل فقد القدير نهاد طربيه نظره فعلًا؟... إليكم السبب خلف إصاب


.. غموض حول مقـ ـتـ ــل الطبيبة نهى سالم في تركيا




.. صحة غزة: ارتفاع عدد الوفيات جراء سوء التغذية إلى 37 شخصا


.. منظمة الصحة العالمية تكثف جهودها لإعادة إحياء مستشفيات خان ي




.. تطوير طريقة لتحلية مياه البحر للتغلّب على ندرة المياه العذبة