الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التحرش الآن في مصر الصياد الوسخ

خليل فاضل

2014 / 6 / 17
ملف فكري وسياسي واجتماعي لمناهضة العنف ضد المرأة


في المجتمعات المتخلفة تزحف الحشرات والقوارض والزواحف من أطراف المدينة إلى قلبها ومعها سلاحها الأبيض، وموبايلاتها بصورها الإباحية، وكليباتها الفاحشة، بشعرِها المدهون بالجيل الرخيص. كلٌ يحمل عضوه المنتصب بين فخذيه، مع بضع جنيهات، ويدٌ تعبث بالسلاح الأبيض والموبايل والعضو التناسلي، تأهبًا للانقضاض على سُرَّة البلد. ينهشون القلب منها، ويتركون لعابهم وسوائلهم ووساختهم هناك. يتضورون جوعًا ليكونوا في الدائرة، بعيدًا عن الاستبعاد والاستعباد. يأتون من أطراف العاصمة المحرومة إلى مركزها في المنتصف، وسط البلد. تغمرهم الأضواء الثلجية والفسفورية والشمسية، وتجمعهم مع نساء وبنات، تفوح منهن روائح عطرة، ويلبسن فساتين مزدانة بألوان مختلفة، ويتحدثن بلكنة الآخر الغريب، تقطعها كلمات أفرنجية (فرنسية وإنجليزية)، على خلفية مبنى المتحف المصري القديم بلونه الدموي الآيل للغروب، ومبنى الحزب الوطني المحترق بسُخامِه، ذكرى الفوضى في الثورة، وعمارات القاهرة العتيقة التي بناها الطلاينة والفرنسيون والإنجليز، فسحة المكان والزمان؛ فالليلة عيد، والرئيس الجديد يحتفلون بتنصيبه، إذن فلتعم الفرحة ولنحتل حديقة الميدان، نأخذ مكان الثوار ومطربي العود الرنان، ولترتفع حواجز الميدان الحديدية، متى شاءت الداخلية ومتى شاء حرس حدود ميدان التحرير؛ فالزواحف تستبيح الميدان بحثًا عن الفريسة، وبعيدًا عن الجنس والرغبة واللهفة، التي يمكنهم إشباعها في أحيائهم (المدينة الأُخرى) متى شاءوا، هنا نوع آخر من النساء في يوم عطلة مجلس الوزراء، وتزامنًا مع حواديت التعذيب المُمنهج في السجون، تبدأ طقوس وإشارات التحرش المُمنهج بحثًا عن أنثى، أو جسد، أو رائحة، أو عن خوف، رعب، هلع، هيصة، ازدحام، اكتظاظ، صياح، صراخ، ويقف الرجال الذين تتحدث عنهم الأغاني الحماسية، الذين يبنون الوطن، شباب المستقبل يصورون بموبايلاتهم الحدث في شبق التلصص العلني، شبق المشاهدة، بقلب وعقل القوّاد، وببرود الثلج في زمهرير الشتاء، ويتفرجون كما الرجال في صناديق الرغبة المدفوعة الأجر في بلاد الشمال.
تتسرب الصور إلى الإعلام الموازي، ويتطرق إليها الإعلام الخاص، ويتجاهلها نسبيًا إعلام الدولة، ولا يظهر في الحادثة سوى ثلاث: المرأة، وابنتها، والضابط الذي أنقذهم، أما باقي العبيد والخصيان فلقد استمتعوا بالحفل للغاية.
ها هم المسامير الصدئة يدقها المجتمع المرتبك في عمود الانسان الفقري، ليلوث دمه، بعد أن تلوث غذاءه وهواءه.
ويأتي الشباب رجالًا ونساءً، وتأتي النخبة بحريمها وسادتها لتدين، لكنهم لا يدركون أن لعبة القط والفأر في اصطياد مجموعة من المُتحرشين المُنحطين الآتين من عشوائيات، محرومة من الحيز الإنساني المعقول، ومن الراحة، والنظافة، والثقافة، ولا يملكون رفاهية التنزه أو التنقل في حرية، وهنا إذا جرّد كل المتحرشين الضحية في هجمة ذئاب، وإذا تجمعوا واستمتعوا بموتها الانساني وسط ضحكاتهم الفجّة، أتى الجنس هنا كقشرة خارجية سهل كسرها، وتختلط كل الأمور، فإذا ارتدت امرأة النقاب أو الحجاب، أو كانت سافرة، فهي معرضة للانتهاك نهارًا جهارًا، وفي زحمة الليل وفي هدأته، وفي فراشها مع زوجها الذي تلبسه روح المتحرش؛ فكلما زاد عنادها وكرهها لمزيج رائحة عرقه وتراب الطريق، كلما زاد إصراره على اغتصابها كزوجة والتمتع بأخذها عنوة، فالصيد أنواع، والصياد الوسخ يتقن تعذيب الضحية، ثم إيلاجها بعنف وبتكرار، ليفرغ فيها ضعفه، وكرهه، وحقده، ووحشتيه، وقلة حيلته، ويأسه، وتهميشه، وفشله.
المتحرشون أنواع، لا يقلون وساخة عن بعضهم البعض، فالمتحرشون ذوو الياقات البيضاء في مكاتبهم المُكيفة، والباشوات في بيوتهم مع خادماتهم، والكبير والغني مع الضعيف والفقير، ومدير البنك مع موظفاته الحلوات الصغيرات، وصاحب الأرض مع بنات التراحيل، وأخطرهم المتحرش المُنحط المحروم من الغناء، والاستمتاع، والقدرة على صرف ما لديه من مال على ما يعرفه من فنون الحياة الدنيا.
من هم هؤلاء في عرض الطريق العام؟ أولادنا ، وأحفادها، وأخواننا، وإفرازاتنا، ونتاج أفعالنا، وعوراتنا، وتوحشنا، وقبحنا، وكذبنا، وسفالتنا، وإهانتنا لأنفسنا، وتاريخنا الضائع في الحروب والسلام وأمنيات الرفاهية والرخاء.
بخلاف الثمانية عشر يومًا في يناير 2011، لم نر أبناء الطبقة الأرستقراطية في الميدان، لكننا دومًا ما نرى بنات الطبقة الوسطى المُستهدفة من الطبقة الدنيا والعليا، تلك التي ضُغطت وتعرَّت وسط هؤلاء وهؤلاء. الطبقة الوسطى لها احترامها وحفاظها على كينونتها، في حين تمزقت أواصر تلك العليا المهيمنة على الأرض والعرض، والطبقة الدنيا التي يبصق عليها الجميع ليل نهار، وهي تسرق الأرض لتبني عليها عنوة، وتسرق الكهرباء والماء، وتظل محرومة من التعليم والصحة والاحترام.
ليس هناك جنس مكبوت وليس هناك خلل عقلي.
هناك أطفال شوارع يمارسون الجنس، أمام أعيننا في كل مكان في القاهرة وغيرها، وهناك حوادث بشعة في وسائل النقل العام ليل نهار.
هناك فوضى ودعوات محمومة من البنات لإخصاء المتحرشين، ولفقأ عيونهم، وستكون حربًا أهلية في شوارع مصر، بين الرجال والنساء، تترك لنا خلفها ضحايا مبتوري الذكورة ومدن تعج بحركة الحمقى.
هناك تواطؤ سري بين أجهزة الدولة التي ترهلت وتعفنت، وبين مفهوم الرجولة والنخوة، والأنوثة والزواج والطلاق، وبين فقدان التماسك وانتشار الوقحين الكذابين الذين يبعثون على الغثيان في الشاشات ليل نهار.
إذن المسألة في صُلب بنية المجتمع العجوز، وفي صلب العقل، والحقيقة. إذن فلنتمهل وننسى كما نسينا ولنشاهد مباريات كأس العالم ومسلسلات رمضان، ونذهب للعمرة وللحج، ثم تقوم قيامتنا عند الموجة القادمة للتحرش والقتل وحوادث الطرق والعنف السياسي، وصوت الانفجارات، والتصفيق، والتعذيب، والأنين المكتوم، وذكرى الهجوم العشوائي هناك في الميدان، في التحرير، التحرير من عبء المسئولية والمواجهة بين الأنا والآخر.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تعليق
عبد الله خلف ( 2014 / 6 / 17 - 22:15 )
المتحرشون هم من الملاحده , راجع :
فضائح الدروانيه وفضائح اخلاق الملاحده الاجراميه (متجدد) :
http://antishobhat.blogspot.co.uk/.11/blog-post_2522.html

اخر الافلام

.. تفاعلكم | تفاصيل مفجعة عن شبكة لاغتصاب الأطفال عبر تيك توك ف


.. دور قوى وجوهرى للمرأة في الكنيسة الإنجيلية.. تعرف عليه




.. اغنية بيروت


.. -الذهنية الذكورية تقصي النساء من التمثيل السياسي-




.. الحصار سياسة مدروسة هدفها الاستسلام وعدم الدفاع عن قضيتنا ال