الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل يتراجع العراقيون عن قيم التسامح والمودة!!

اسعد الامارة

2005 / 7 / 28
الارهاب, الحرب والسلام


لااعتقد ان من عايش شعب الرافدين او عاش في كنف ارض العراق من شماله الى وسطه ، غربه وشرقه وجنوبه ،لمس هذه السمة المميزة وهي سمة قبول الغريب والسائح والزائر وطالب العلم والعابر من اواسط اسيا الى اوروبا، انه شعب آلف الحضارات تلو الحضارات من بابل الى اشور الى الحضارة الاسلامية حتى العثمانية المتأخرة ، كان يتسم بقبول الاخر ويتقبله مهما كان دينه او مذهبه او جنسه او لونه او انتماءه السياسي ، كان يقدم انواع المساعدة لمن يطلبها لا ضعفا او تملقاً ،بل يشعر من يتعامل مع الشخصية العراقية ان هناك امتداد لجذورها عبر التاريخ القديم وسمات الرفاهيه والتحضر واضحة في تعاملها ، ولكن بعد عقود من القسوة الزائدة عن الحدود الطبيعية منذ بداية الجمهورية الاولى في العام 1958 وما تلاه من تاريخ ، اشتدت القسوة حتى اضحت بعد سلسلة الحروب والهزائم ان يتعايش مع الضغوط الحياتية من تعسف وارهاصات خوف من السلطة التي اشتدت قسوتها ضد المواطن العراقي وضد ما يؤمن به من دين او مذهب او فكر سياسي فكانت التصفيات التي تقوم بها الدولة تأخذ اشكالا متعددة منها الحرمان من العمل او المطاردة السياسية او المتابعة المستمرة خلال واثناء ممارسة الشعائر الدينية حتى غدا الوضع في السنوات الاخيرة اشبه بالغابة التي تفتقد الى الضبط الاجتماعي القيمي او المجتمع الذي استبدلت فيه قيم التحضر الى قيم البداوة والتظاهر بمظاهر عدة منها واولها لهجة التخلف البدوية التي سادت المجتمع العراقي ثم قيم التظاهر بحمل السلاح ومنح ترخيص حمله واستخدامه في الافراح والاتراح او نجاح طفل في الدراسة الابتدائية او منح هدايا للمتفوقين الناجحين الاوائل في الدراسة الثانوية والجامعية هدية"مسدس طارق" او بندقية كلاشنكوف"وما الى ذلك من معايير جديدة لم يكن يألفها الشعب العراقي حتى صار التظاهر بحمل السلاح سمة البداوة التي زحفت الى بغداد العاصمة والموصل حاضرة التاريخ الابدي والبصرة عاصمة الثقافة الازلية، ومن هنا كانت قيم الثقافة التي تحكمها معايير النقاش والتداول الفكري ونقد الشاعر وتعديل سلوك الاخر من خلال مؤسسات عريقة فكرية وحركات سياسية استندت في رؤيتها الى فلسفات علمية معاصرة كانت او مدارس بنتها المذاهب الدينية كالمدرسة الحنفية التي اعتمدت فكر ابو حنيفة النعمان او المدرسة الجعفرية التي اعتمدت فكر الامام جعفر الصادق او المدارس الفلسفية المعاصرة الاخرى مثل الماركسية اللينينية او الماوية او اتجاهات فكرية وجودية كان لها وقع عظيم على عقول الشباب وافكار الناضجين ، هذه الاتجاهات الفكرية والدينية والفلسفية كانت تدعو جميعها الى الفكر والابداع العقلي رغم ان بعضها كان يؤمن بالاتجاه الثوري في التغيير ولكن لم يخطر ببالها ان تقمع الاخر او يمنع الاخر من ممارسة طقوسه وشعائره الا في حقبة تسلط الدكتاتورية المتمثلة في فترة النظام السابق الذي استبدل قيم الحضارة بقيم البداوة وقيم قبول الآخر بقيم مطاردته ورفضه وقمعه ،وقيم التسامح والمودة والتعارف الى قيم القمع والتعسف والكراهية وبغض من يخالف الرأي حتى وان كان مفكرا او فيلسوفاً او مبدعاً وخصوصا خلال الربع قرن الاخير-فترة حكم الطاغية- في العراق ، هذا الشعب الذي بدأ ينسحب تدريجياً الى العنف المنظم واشراكه بقسوة في ممارسات الدولة حتى شملت الكارثة كل شخص عاش على ارض العراق وكان مسالما ، وتحول الناس في مواجهة مع الموت كل يوم وبذلك فان قيم التسامح بدأت تتراجع وتحل محلها قيم التسلط والقسوة والعنف رغم ان الدولة انذاك ترفع شعار"لسنا طلاب حرب" وما الى ذلك من زيف لم ينطلي على العقل العراقي ولكنه كان وما زال عقل مقهور امام قوة العنف التي بدأت تنضج وتنتظم تحت مسميات جديدة وسؤالنا : هل يعالج العراقيين مرض العنف بالفتك؟ هل يمارس شعب الثقافة عبر التاريخ سلوك الانتحار الجماعي في الجهاد المزعوم؟ هل يتحول شعب التسامح المذهبي عبر التاريخ الى بؤرة لتخلف بداوة المقاومة والجهاديين الطائفيين؟ الم تكن ثقافة التسامح الطائفي والمذهبي في عراق ما قبل صدام ،ثقافة التزاوج من الاديان الاخرى والاقتران من المذاهب الاخرى هي السائدة حتى غدا الشعب العراقي بنسيجه خليط متجانس ضرب قمة التوافق الاجتماعي والنفسي والمعنوي بين شعوب المنطقة من اسيا الى افريقيا.الم تغذي ثقافة المذاهب والاديان في العراق ما قبل(الطاغية صدام) ثقافة التسامح وقبول الاخر، وغذت العقيدة الاسلامية بهذه الافكار والاتجاهات قبل مجئ السلفية المتعصبة الى الوجود الانساني وهي بعد كانت في رحم صلب السفاح حتى ولدت فكراً سفاحاً آمن بالعنف منذ مولده وتبنته انظمة دكتاتورية ومنها الطاغية سراً الى اللحظة التي يريدها ، وهي العراق اليوم .. عراق ما بعد الدكتاتورية.
كان الشعب العراقي الذي يؤمن ايماناً مطلقاُ بمشاعر وعقيدة الآخر ويكن له الاحترام الذي لا يوصف ، ما الذي يجري في العراق اليوم بفعل تفجيرات الاسلاميين المتشددين وبقايا النظام السابق، هؤلاء هم انفسهم قادة التخلف والبداوة ورجال السلفية المتعصبة ، ادركوا ان شعب العراق وارض العراق تختلف عن كل ارض اخرى بما فيها من مقدسات وفكر متنور وابداع في العلم والفن وكل مجالات الحياة حتى بدأوا بنشر ثقافة الموت وجعلوها تسير مع قلق الموت الذي يساير ابناء الشعب العراقي كل يوم ، اليس هذا نوعا من عصاب الحرب ، اليست هذه حالات مستمرة من حالات الكوارث المتوقعة كل يوم والحروب التي تمارس في المدن وفي مواقف السيارات وفي المدارس وفي البيوت التي لم تصبح آمنه، كيف اذن تستمر ثقافة تقبل الآخر ، وكيف اذن لا تتراجع قيم المودة والتسامح في مثل هذا الوضع الذي يعيشه الشعب العراقي، اليس رجال التعصب والتخلف السلفي يزرعون بقوة ثقافة القتل والتصفية الجسدية لكل من يخالفهم في المعتقد والمذهب والرأي والفكر وطريقة التفكير، اليس هم دعاة حروب وطلاب فتك بالآخر الذي لا يتفق معهم بالرأي حتى وان كان مسلماً مؤمنا نطق بالشهادتين !! الى ذلك يقف الشعب العراقي موقفا لا يحسد عليه ازاء هذه التفجيرات وزرع المفخخات والقتل الجماعي ، هل يعالج هذه المواقف الكارثيةفي الحياة اليومية القائمة على العنف والارهاب بالمثل ويترك لغة التسامح والمودة وهي التي عرفها منذ فجر التاريخ،لدينا ما يدل على ان الوعي الفردي والجمعي الديني والسياسي والمذهبي والطائفي في العراق ادرك خطورة مشكلة فيما بدا من اساليب يريد بها التعصب والتخلف ورجال النظام السابق اشعال السنةالنيران في وحدة الشعب العراقي ، وجل ما نريده ان نتفق مع قول نيتشه في قوله المأثور : ان الاخطاء تنجم اكثر ما تنجم من الجبن عن مواجهة الحقائق ،اذن لابد ان يستبدل الشعب العراقي سياسة النعامة بسياسة التبصر فيما يجري رغم الضغوط التي واجهها خلال العقود الماضية وهي اكبر بكثير من طاقته في التحمل ويعلم الكل في شعوب الارض ان هذا الثمن الذي يدفعه الشعب العراقي يجب ان يدفعه اذا اراد لنفسه الشفاء من داء التعصب والطائفية والدكتاتورية والسلفية التدميرية الجديدة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. لماذا يتظاهر المعارضون لخدمة التاكسي الطائر في باريس؟ • فران


.. إسرائيل - حزب الله: أخطار الحسابات الخاطئة • فرانس 24




.. أحدها انفجر فوق شاطىء مكتظ.. لحظة هجوم صاروخي أوكراني على جز


.. بوريل يحذر من أن الشرق الأوسط على أعتاب امتداد رقعة الصراع م




.. روسيا تستدعي سفير الولايات المتحدة للاحتجاج على استخدام القو