الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


خواطر في زمن القلق

سعدون الركابي

2014 / 6 / 17
مواضيع وابحاث سياسية


خواطر في زمن القلق

قبل اكثر من إسبوعٍ, زار مدينتي تيمشوارة, السفير العراقي في بوخارست, عمر البرزنجي. و لقد أثار الإعجاب لدى جميع الحضور مِمن حضر للقاءهِ, من العراقيين الذين يقطنون المدينة, و كنت أحدهم. و لقد أردتُ ان أكتب خاطرة حول هذا اللقاء, ولكن الفاجعة التي اصابت العراق و أهله, بسقوط أجزاءٍ من شمال العراق, بيد الهمج المغول, من وحوش القاعدة و الوهابيين. جعلتني في حيرة من أمري, فأطبق علي حزنٌ شديد و ألم. و سكتُ عن الكلام الى حين. و بعد ذهاب السَكرة, جائتني الفكرة. فلقد أثار السيد السفير, إعجاب الحضور بثقافته العالية, و نظرتهِ السامية للدين و الوطن و المواطنة. و بأنهُ يرى بأن كلً سنيٍٍٍٍٍٍٍٍٍِِ لا يمكنهُ إلا أن يحب آل البيت, أي هو بالضرورةِ شيعيٌ. و إن كل شيعيٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍ لا يمكنهُ إلا أن يعتقد بسنةِ رسول الله, اي هو بالضرورة سني. هذا المنطق لا يشمل _ طبعآ _ خوارج العصر الهمج المجرمين المُتوحشين من جموع القاعدة و الوهابيين. كما اثار إنتباهي, بلاغة الرجل و فصاحته, في اللغة العربية طبعآ. بمستوىً يفوق الكثير من المثقفين العرب. وهذا الأمر لن ينقص _ طبعآ _ من كرديتهِ على الأطلاق, بل يزيدها بريقآ ولمعانآ. و هذه الحقيقة تناقض النهج الذي يتبع اليوم في كردستان العراق, بأبعاد الجيل الكردي الحاضر و الأجيال القادمة, عن اللغة العربية و بقية العراقيين و العرب عامةً ( نهجٌ أتاتوركيٌ قديم ). و رغم إن الأكراد يتمتًعون بكامل حقوق المواطنة المادية و المعنوية في العراق, و إن لغتهم قد فُرضت على بقية العراقيين في معظم المجالات الرسمية. و هم يشاركون بقوةٍ في الحكم و في إختيار أعضاء الحكومةِ و البرلمان في العراق. و يتدًخلون في كل صغيرةٍ أو كبيرةٍ في العراق, و هذا حقهم كمواطنين عراقيين. و لكنهم في نفس الوقت, بنوا لهم إقليمآ مستقلآ, شبه دولةٍ مستقلةٍ. لا يسمحون لأيِ عراقيٍٍٍ, أيآ كان, سواء أ كان مسؤؤلآ كبيرآ أو صغيرآ, في الحكومة العراقيةِ أو البرلمان أو مواطنآ عراقيآ, بالتدخُلِ في شؤؤنهم, و لو بهمسةٍ. و الأكراد يتصرًفون بالموارد في منطقةِ كردستان لوحدهم, دون إذنٍ من أحد, من حكومة العراق المركزية. و هم يحتفظون لأنفسهم بمحصول ما يبيعونه من هذهِ الموارد دون دفع أية حصة لخزينة العراق, رغم إن حصتهم من الناتج القومي العراقي, أكثر من 17%! و يعاملون بقية العراقيين, معاملة المواطنين الأجانب, رغم إنهم _ أي الأكراد _, يُعتبرون مواطنين عراقيين, كاملي المواطنة!
لقد جعلني ما أصاب العراق و العراقيين, في الأيام القليلة الماضية, أشعر بالمرارة و الحزن, رغم إني كُنتُ أُدرك _ مثل الكثير من العراقيين غيري _ خطورة المخطط الذي تم رسمهُ, للعراق و المنطقة العربية, و قبل الأحتلال " التحرير " الأمريكي الأسود للعراق. و ما ثورات ما سُمي بالربيع العربي, إلا حلقات متتابعةٍ من مُخطط " سايكس بيكو " جديد, أكثر مأساويةً لتخريب الأوطان, و إزهاق أروح الملايين من الأبرياء. بأيادٍ عربيةٍ و خارجية. لقد أرسلتُ رسالةً لشخصيةٍ عربيةٍ بارزةٍ جدآ, يعنيها الأمر, نشرت لفترةٍ في صفحتهِ. و ذلك في بداية الأزمة في سوريا. عندما كانت الأحداث سلميةً, و لم تتحول بعدُ الى حرب طاحنةٍ لا زالت, تُدمرُ هذا البلد العامر. و لم يسمع أحد بهذه العصابات و ذلك الأجرام. شرحت في رسالتي تلك, خرائط الأقاليم التي يراد إنشاءها على أنقاض دول المنطقة. بعد تدمير هذه الدول, و إزهاق أرواح الكثيرين, و تهجير الملايين من البشر. و لقد كان أحد هذهِ الأقاليم التي ذكرتها في رسالتي, أقليمٌ سيضُم منطقة الأنبار و ما سيتبقى من الموصل و محافظتي الرقة و دير الزور السوريتين. لقد أصبح حديث العراقيين عن الوطن _ العراق _, كلام جرائدٍ. و إن الكثير من العراقيين ممن يتحدثُون عن الوطن, فهم في قلوبهم, كل يعني وطنآ أو إقليمآ لطائفته أو لقوميتهِ. أي إن الوطن قد أصبح أمرآ ثانويآ, أمام هموم الحياة المعاشية اليومية, في وطنٍ بقدر ما هو غني, فهو منهوبٍ من اللصوص و الفاسدين. و الأمن الذي لا يضمنه الوطن, بل الطائفة . و ما نلمسهُ من فتورٍ للعلاقات بين الطوائف العراقية, و شبهِ قطيعة. هو نتيجة حتمية لهذا الشعور. و الذي إزداد عمقآ, نتيجة للمجازر التي تعرًض لها الشعب العراقي, من قبل الأجرام العربي الوهابي, المُتمثل بالقاعدة, و المُتستر بالأسلام. و الذي تم إحتضانه من قبل طائفةٍ ضد أخرى. و هذا السبب الرئيسي في هزيمة جيشٍ كبير أمام بضع مئاتٍ من العصابات و دون قتال. و سقوط مدنٍ كاملةٍ في شمال العراق خلال ساعات معدودةٍ. لقد أصبح العراق مثل ثريٍ يحتضر. ترك خلفهُ ورثةً قاصرين. تبناهم أُناسٌ طامعون بملكهم. و راحوا يغرونهم بالحلوى و بالألعاب الصينيةِ! و لكن هؤلاء الأغراب عن الوطن, يكرهون بعضهم البعض. فنشبت بينهم حربآ, أُستعمل حطبآ لها, هؤلاء اليتامى القاصرون. و دُمرت الأوطان و أُزهقت الأروح. أردت التعقيب على كلام السفير البرزنجي بالمدح, عندما قال _ بما معناه _, بأنه يسهر و السفارة العراقية لخدمةِ العراقيين, دون تمييزٍ. و لكن خشية فتح باب التعليقات على الطريقة العراقية و التي تقف لك بالمرصاد, لأحباط العزائم و تشويه النوايا _ بدأ التملُق _, منعتني من الحديث. حدث لي مرة و قبل وقتٍ سابق, أن زرتُ السفارة العراقية, عندما كانت بقيادةِ سفيرٍ آخر. و الكلام بعد 2004. و لقد كنت بحاجة ل " كتاب " تأييد بأن هذا الأسم و هذا الأسم هما لنفس الشخص, و ذلك حسب كذا و كذا من الوثائق. ذكرت هذا الأمر, و هو مشكلة يعاني منها الكثير من العراقيين في الخارج, و التي ظهرت بسبب أشباه الأميين من رجال الشرطة أو الأمن و الذين يكتبون الأسماء بالأنكليزي بشكل خاطيء, أو بسبب أنظمة الجنسية العراقية غير الثابتةِ. و لقد أشار السفير البرزنجي, بأن من حق السفير منح كتاب تأييد لمن يعاني من هذهِ المشكلة. شرحت ساعتها الموضوع لموظف القنصلية, الذي قال لي بأنه سيسأل السفير عن هذا الموضوع, حيث كان القنصل غير متواجد بالسفارةِ ساعتها. و عندما عاد خاطبني بأسلوبٍ جافٍ قائلآ: نحن لا نستطيع منحك وثيقة تأييدٍ بهذا الأمر. و ما عليك إلا مراجعة مديرية الجوازات في العراق, التي منحتك الجواز للحصول على هذا التأييد. قلت لهُ بأنني على ثقةٍ بأن من حق السفارة منح مثل هذا التأييد. و الطريف, إن ذلك السفير كان يعرفني جيدآ. و أتصل بي أكثر من مرةٍ و أتصلتُ بهِ, و أرسل لي مقالات لهُ و سيرته الذاتية, و أرسلتُ لهٌ كتابآ ترجمتهٌ أنا, الى آخرهِ. و لكن ضيق النفس العراقي, و عدم نضوج الحوار الديمقراطي, و أصالة النهج البعثي في النفوس, حتى عند أعداء البعث, و خلاف حول تسمية ما حدث ب" الأحتلال أو بالتحرير ", و وشايةٍ مغرضةٍ, وضعت حدآ للأمور. ساعتها شعرت بمرارةٍ و غربةٍ و أنا أغادر السفارة, و حنين لأيام زمان. وقفت أمام هذهِ السفارة التي شعرت بأنها ليست السفارة العراقية التي عرفناها طيلة السنوات الماضية, قبل الأحتلال. بل إنها سفارةٌ غريبة. و لقد اقسمتُ, بأنني لن أطئ أرض هذهِ السفارة ثانيةً. بعدها كتبت أقول: " كنت بالأمس, في سفارة دولة كردستان التي ترعى مصالح العراق, البلد القاصر المٌحتل.. " في بدابةِ هذا العام, حدث أن سافرتُ الى بوخارست العاصمة, لأخذ موافقة تمديد عمل لشركتي من وزارة المالية. و لقد أُقنعتُ و أقنعتُ نفسي, بالذهابِ الى السفارةِ العراقيةِ, و دفع " كفًارة القسم " رغم قناعتي, بأنني سأخرج منها بخيبة ثانية. لقد وجدت أن الأجواء أكثر ودية. و الموظفون يتكلمون بلطفٍ, غير الكلام الجاف الذي قابلني بهِ ذلك الموظف, و الذي هو نفس الموظف الذي حياني و سألني عن حاجتي. فقلتُ لهُ: عندي طلبات كثيرة: الحصول على شهادة ميلاد عراقية لأبني, و تصديق شهادة تخرُج لزوجتي, و وكالة خاصة, كنت أنوي تصديق مثيلةً لها مترجمة, من الوزارات الرومانية. و ما يعنيهِ ذلك الكثير من الوقت و الكثير من الجهد. و كانت عندي عدة أمورٍ أُخرى. فأبتسم الموظًف, و قال لي: هذهِ معاملاتٌ كثيرةٌ لا يمكن إنهاءها بنفس اليوم. فأدركت إنني أثقلتُ عليهِ. فحاولتُ التخفيف من الموقف, و قلتُ لهُ: كنت أُدرك إنني لن أستطيع أنهاء كل أموري هذا اليوم, سواء في الوزارة الرومانية أو في السفارة. لذلك حجزتُ غرفةً في الفندق. و بذلك فأنا سأذهب الآن و سأعود غدآ الى السفارة. قال : حسنآ, سأتحدث مع القنصل. غاب, و بعد بضع دقائقٍ عاد مبتسمآ و قال: سنكمل جميع معاملاتك اليوم. خذ هذه الأستمارات لإملاء المعلومات اللازمة. و بين تبادل الأحاديث, مرت ساعة الأنتظار دون أن أراها. فشكرتُ الجميع على لطف المعاملةِ و هذا التغيير الملموس نحو الأحسن. و خرجتُ وقتها و انا اشعر بالفخر, دون أن ينتابني ذلك الشعورٌ الذي إنتابني ذات يوم, بأن هذهِ السفارة هي سفارة الغرباء و ليست سفارة بلدي. رغم إن مثل هذهِ الأمور هي من بديهيات عمل السفارات, في البلاد التي تحترمُ مواطنيها. و أنا أكتب هذهِ السطور أشعر بان بلدي العراق, يتجهُ نحو هاوية التقسيم و الحرب الأهلية. و ما إسراع الأخوة الأكراد لوضع اليد على الكثير من المدن و المناطق في شمال العراق, بصمتٍ و هدوء, و في هذهِ الساعات العصيبة و المؤلمةِ التي يمرُ بها العراق, إلا إيذانآ ببدء الخطى الحثيثةِ من قبل الأطراف المتناحرة و الأخوة الأعداء, لأقتسام الغنيمةِ و تقسيم العراق. و بقوة السلاح و الأمر الواقع. إذ يسعى شركاء الوطن, أخوتنا الأكراد, لبناء الأمة الكردية, حلم كل كردي. و لكن, اخشى أن يصيب الأكراد ما اصاب الحالمين بوحدة أمة العرب الواحدة, ذات الرسالة الخالدة. و التي خدع الكثير من العرب بها. و لكن الحقيقة هي غير ذلك. إذ لم يكن العرب أبدآ أُمةً واحدة, أو ذات رسالة خالدة. فلم يجمعهم شيئآ سوى النفاق و الغدر و الخيانة. و من فتتوا بلاد العرب و الأعراب بالأمس, هم يقومون اليوم بتفتيتها ثانيةً و ثالثةً, و إزهاق أرواح ملايين الأبرياء, و تهجير الملايين الأخرى. فما الذي يمنعهم من فعل نفس الشيء مع الأكراد؟ إذ ليس بعيدآ عن الذاكرة الكرديةِ, عمليات الغدر و الخيانة التي تعرضوا لها من نفسِ هذه القوى, و منذ مؤتمر لوزان و حتى الأمس القريب.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بلينكن في الشرق الأوسط لدفع مساعي الهدنة وإسرائيل تواصل عملي


.. إيران تعلن القائمة النهائية للمرشحين للانتخابات الرئاسية الم




.. واشنطن والرياض.. معاهدة أمنية والعين على التطبيع | #ملف_اليو


.. الحكومة الإسرائيلية تضطر لدفع فوائد أعلى على أدوات الديون بس




.. صور أقمار صناعية.. اتساع مساحة الدمار وتوغل آليات الاحتلال ف