الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جمالية تداخل الأجناس والبحث عن فائض المعنى

محمد يوب

2014 / 6 / 19
الادب والفن


جمالية تداخل الأجناس والبحث عن فائض المعنى
قراءة في
"اشتغالات الفائض"
للأديبة: هدى أبلان
1- نصوص عابرة للتجنيس
إذا كنا حريصين على نقاء النوع الأدبي؛ فإن أول ما يلفت انتباهنا عندما نقرأ "اشتغالات الفائض" للأديبة "هدى أبلان" هوعدم تجنيسها لهذا العمل الأدبي؛فهو عبارة عن نصوص إبداعية مكثفة لم تخضع لقبضة التجنيس؛فهو عمل يجمع بين القصة القصيرة جدا و الومضة الشعرية و الشذرة الفلسفية...؛حيث إننا ونحن نتتبع تفاصيل هذه النصوص؛لا نفهم حدود العلاقة بينها وبين الجنس الأدبي الذي تنتمي إليه؛ولم نتمكن كذلك من القبض على أشكال الإرغام التي يمارسها الجنس الأدبي على هذه النصوص.
وعلى العموم لا يمكننا أن نبقى مكتوفي الأيدي أمام هذه النصوص وهي تَعبر الأجناس؛ بل ينبغي أن نشرع في محاورتها؛ فنقول بأنها نصوص إبداعية حاولت تشييد نموذج أجناسي جديد؛اكتشفته الأديبة "هدى أبلان" في هذه المجموعة الأدبية دون الإعلان عن التسمية.
إنها نصوص جامعة تمزج كل أشكال التعبير الأدبية؛مما يجعلها مكتنزة وعميقة في رؤاها الفكرية وحقولها الدلالية؛إنها نصوص فائضة المبنى؛وفائضة المعنى؛تبحث لها عن قارئ حقيقي متمعن في ما تخفيه من مضمرات نصية وتناصية ودلالية و تخاطبية.
كل نص من هذه النصوص الإبداعية العشرة هو عبارة عن"نظام لغوي يعبر عن ذاته" ولا يأخذ مصداقيته من محاكاته الدقيقة للواقع؛ولا من نسق فكري سابق عليه؛وإنما يأخذها من انسجامه مع نفسه وتناميه وفق قوانينه التي تشكل بها،وهي قوانين مبنية على ترابط الجمل بعضها ببعض وفق حتمية الخطية؛حيث اللفظة تكون مع لفظة أخرى منسجمة معها لبناء الجملة ثم بناء التركيب وأخيرا بناء التعبير إلى أن يستوي النص ويؤدي المعنى.
2- عتمة اللغة وفائض المعنى
مثلما في دماغ الإنسان ظاهر وباطن وشعور ولا شعور؛ فقد أصبح للغة كذلك ظاهرا وباطنا فالقارئ العادي يكتفي بظاهر النص و القارئ الناقد يبحث عميقا في باطن النص لكشف غموضه وإنارة عتمته فكل قارئ يأخذ منه ما يسد نهمه المعرفي ويترك ما لا يراه لقارئ آخر قادر على الغوص عميقا في باطن النص و الانتقال من المرئي إلى اللامرئي ومن المقول إلى المسكوت عنه.
وهكذا يصير هذا الباطن هو جوهر الكتابة لأن جماليتها ليس في وضوحها وإنما في عتمتها؛ وفي شدة العتمة تظهر كوة في النفق منها يتسلل القارئ ويستل لب الموضوع ورحيقه لأن الإبداع الحقيقي ليس في ظاهر النص وإنما في جوهره وفي جوهر النص يكمن فائض المعنى.
وهذه الأعمال الإبداعية هي خلاصة تجارب حياتية اختمرت في ذهن الكاتبة ثم نقلتها على صفحات هذا العمل الأدبي المعنون ب "اشتغالات الفائض" وجمال هذه النصوص في فوضاها ولذتها في عنفها أثناء تلقيها وأثناء تأويلها لأنها نصوص عصية على الفهم منذ الوهلة الأولى لأنها تروم جانب الفكر عند الإنسان وتستفز قدراته العقلية و المعرفية ومستواه القرائي و المعرفي لآن الشخصية الخفية وراءها هي شخصية ورقية متوارية عن الأنظار؛ تكتفي بمقول القول وما يحتويه من دلالات؛كما أن سلطة الشخصية الكاتبة تبدو حاضرة وقوية ؛مهيمنة على المقاطع الأدبية ومتحكمة في المعاني خوفا عليها من التشظي.
و الصفة البارزة في النصوص المشكلة لاشتغالات الفائض؛هي صفة الانفتاح الشديد على أشكال تعبيرية مختلفة؛خلقت منها محفلا أجناسيا متدفقا؛استوعب كافة الأجناس التعبيرية؛وهذا يبدو من خلال عملية الحفر الشديدة في عتمة الحياة مستفيدة من مقروئية الأديبة "هدى أبلان" التي اخترقت بها العتمة لتكشف ما تحتويه الحياة لتعرضها للنور؛وتكون بمتابة الدروس و العبر التي تمهد الطريق للقارئ لفهم مغاليق الحياة.
إن الرشح الابداعي في كتابة "هدى أبلان" فياض ساعد على تدفق الكتابة الأدبية عندها إلى حد فيض المعنى؛فكانت الحاجة ملحة إلى تأمل خاص عسى أن يظفر القارئ من هذا العمل الإبداعي بندف تشكل الوعي بنوع الكتابة عندها وبنوايا الكاتبة؛و تشكل كذلك ذروة العتمة و الغموض؛إلى درجة أننا يمكن اعتبارها بأنها لوحة إبداعية تم تشكيل قسماتها بألوان غاية في التجريد و غاية في الغرابة.
كما أن اشتغالات الفائض بحكم تكثيفها هي عبارة عن علامة مركبة تعبر عن موضوعها بطريقة مواربة؛تقول أشياء وتترك أشياء كامنة بين السطور؛تحفز المتلقي على مزيد من القراءة؛وعلى القارئ/الناقد تتبع النصوص الابداعية المكثفة ودراستها أولا على مستوى الشكل/المورفولوجيا morphologie ؛ثم بعد ذلك يدرس شكل المحتوى؛الذي يتخذ طابعا نحوياsyntaxique بدراسة الألفاظ باعتبارها تشكيلة من الجمل و الأدوات المعجمية؛ تُكَون مجموعة من الدلالات المترابطة فيما بينها؛من أجل إنتاج المعنى.
و اللغة هنا تتصف بصفة النمو والحركية؛تتحرك بشكل هارموني متوازن؛يراعي البنية الصرفية؛وترتيب الفونيمات ضمن سياق تركيبي معين؛ويحافظ على العلاقات النحوية الوظيفية حيث الأفعال تقدم وظيفة داخل الجملة؛وتؤدي المعنى المناسب لها؛حينها تصبج اللغة مولدة تؤدي المعنى الدلالي الذي يستفز القارئ ويدفعه إلى إعادة القراءة و التأويل.
محمد يوب
ناقد أدبي








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الفلسطينيين بيستعملوا المياه خمس مرات ! فيلم حقيقي -إعادة تد


.. تفتح الشباك ترجع 100 سنة لورا?? فيلم قرابين من مشروع رشيد مش




.. 22 فيلم من داخل غزة?? بالفن رشيد مشهراوي وصل الصوت??


.. فيلم كارتون لأطفال غزة معجزة صنعت تحت القصف??




.. فنانة تشكيلية فلسطينية قصفولها المرسم??