الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في الدولة

روبير البشعلاني

2014 / 6 / 19
مواضيع وابحاث سياسية


لا أنكر أن هناك مشاكل طبقية في تونس أو في مصر ،أو في غيرهما،
ولا انكر أن هناك مشاكل قبلية في ليبيا أو اليمن،
لا أنكر أن هناك مشاكل طائفية في العراق او في سوريا أو في لبنان،
لا أنكر ان هناك مشاكل بين الشباب المغربن، تاع الشاشة، وبين المجتمعات القرابية،
لا أنكر ان هناك مشاكل حجم بين الموارد وبين أشكال التوزيع الريعي.
لا انكر أن هناك مشاكل بين ادارة قبلية للملك متقادمة وبين تحديات العصر،
لا انكر ان هناك استبدادا شرقيا عندنا يقابله استعداد فطري لاستبداد بديل من النوع نفسه،
لا أنكر ان بلادنا محتلة بالاقتصاد وبالجيوش معاَ،
لا انكر ان شعبنا العربي يعاني، وهو استثناء تاريخي، من احتلال قلب أرضه، فلسطين، ومن احتلال اقتصادي ومن تجزئة اوصاله،
لا انكر أن بلادنا في ورطة كبرى،
لكن ان يقال أن الحل اليوم هو بالعدالة أو بالديمقراطية او بأشكال الحكم الحديثة أو بالعلمانية أو بالإسلام فهو لعمري تضييع الموضوع المطلوب والمساهمة في تفاقم التناقضات.
نسيان موضوعة الدولة التي تصوغ كل هذه التناقضات في وحدة منتجة مسألة ملفتة.
الدولة التي لا يمكن أن تكون بدون تجميع عناصرها المشتتة جغرافيا واقتصاديا وبدون المشتركات العليا الكبرى بين مكوناتها الاجتماعية.
كل هدف لا يتمحور عند العرب، اليوم، حول بناء الدولة الموحدة الصاعدة هو المساهمة بتصعيد أسباب التنافر بين المكونات والدخول بحروب أهلية لا تفيد بالنتيجة غير الناهب الخارجي.
دعوة الناس لعدم التقاتل المذهبي دعوات طوباوية اذا لم ترفق بهدف يجمع مصالحها العليا المشتركة ويتجاوز مصلحتها الآنية بسحق الآخر.
ليس غير بناء الدولة العصرية هدفا موحِدا للجميع. ليس غير انتزاع البلاد من فم الناهب الدولي وسيلة لاكتشاف “الشعب” فينا.
إن هزيمة مشروع الدولة الحديثة في حقبتنا المعاصرة ، مشروع جمال عبد الناصر، قادت الى انكشاف المجتمع العربي، إلى عودة الناس إلى ما دون الدولة، إلى تجمعاتها الأولى، الطبيعية. عادت الناس إلى التقوقع في قراباتها الأولية بصفتها آخر خط دفاعي لها. عادوا الى القبيلة والعشيرة والطائفة. لكن هذا التقوقع ما هو إلا الوجه الآخر لغلبة الدول الأخرى. بدون دولة صار العرب موضوعا للصراع بين الدول، سواء كانت إقليمية او دولية. بدون دولة عاد العرب موضوعا للصراع الدولي لا لاعبا فيه. بدون دولة صاروا لقمة سائغة تتصارع الدول، الدول، لتتقاسمها.
بدون دولة صارت الصراعات الداخلية صراعا انتحارياً على السلطة، صارت الصراعات القرابية الرحمية والدينية بالواقع انعكاساً لصراع الدول الخارجية. الدولة بناء بحاجة الى سيادة واستقلال وفك التبعية السياسية والاقتصادية التي تكبل انطلاقها. الدولة تكون وطنية او لا تكون. الدولة تصوغ المجتمع حولها ، حول قانونها. توحد المجتمع تدمجه وتعيد صياغته الاجتماعية بما يتوافق معها ومع قوانينها.
لكن الدولة تحتاج من اجل قيامها إلى قوى اجتماعية تحمل مشروعها. وهذه القوى الاجتماعية لا يمكن ان تكون القوى ذاتها التي تنهض على حسابها، اي قوة القرابة الأولية. من هنا الحاجة الى مركز جاذب محوري يشكل العامود الفقري للدولة ووسيلتها العملية. إلى مركز منسجم الاجتماع اكثر من غيره. إلى قطب مركزي يفرض ويقنع. يطرح القواسم المشتركة العليا على الجميع.
لم يكن عبد الناصر في مصر صدفة إذن. لم تكن مصر قائدة مشروع الدولة الوطنية العربية بالصدفة. اما اليوم ومع ما نشاهده في العراق وسوريا وغيرهما فلا يمكن القول اننا يمكن ان نقود هذذا المشروع بدون مصر . فليس من قوة اجتماعية جاهزة بعدُ للعب دور القاطرة لا في العراق ولا في سوريا للأسف.
هل الظروف مهيأة اليوم لنهوض هذه الدولة الوطنية العربية ؟
من المعروف ان نشوء الدول الجديدة غالباً ما يحصل اثناء التحولات الكبرى التي تصيب النظام العالمي. فهي تتيح لأصحاب الارادات الكبرى أن يمرروا مشاريع استقلالهم بدون صراعات عنيفة او مقاومات جدية. المشروع الناصري ربما هزم بسبب من عدم توافر تلك التحولات آنئذٍ. اما اليوم فنحن نعيش عالماً متوتراً يجتاز أصعب مراحله الانتقالية. فالمشروع الرأسمالي الغربي ونتيجة لأسباب بنيوية فيه، قام بنقل مركز قوته وسرها، الصناعة، إلى دول تمتلك الرغبة والارادة ببناء دولة وطنية مستقلة. استفادت الدول الصاعدة من هذه النقلة وبدأت مغامرة الدولة الوطنية الحديثة. هذه النقلة وسمت عصرنا فجعلت منه عصر انتقال الرأسمالية ، او لنقل بدقة اكبر، عصر انتقال مركز الرأسمالية من الغرب إلى الشرق.
في ظل هذا الانتقال للمركز الرأسمالي كل شيء ممكن من حيث المبدأ. فلا الناهب القديم قادر بعد على منع نشوء دول صاعدة جديدة إذا ما امتلكت شعوبها الرغبة في ذلك، ولا الدول الصاعدة بقادرة على منع ذلك لعدم تحولها بعد إلى التشكيلة الاجتماعية الامبريالية. الدول الصاعدة تحتاج الى حلفاء في العالم والناهب القديم اصبح عاجزا. ولعمري هذه فرصة العصر لشعوب طموحة تمتلك الامكانيات الموضوعية الحديثة لبناء دولها.
من ناحية ثانية، داخلية هذه المرة، شهدت الشعوب العربية ثورة صامتة لكنها ذات آثار اجتماعية عظيمة. ففي السنوات الخمسين الأخيرة تضاعف عدد السكان الى ثلاث او اربع مرات حسب التقديرات والدراسات. ويجمع الكل على ان شعوبنا قد انتقل عددها من 100 مليون بشري إلى حوالي 380 إلى 400 مليون نسمة.أي تضاعف عددنا أربع مرات تقريباً في خلال وقت قصير جدا. وليس من شك ان تحوّلاً بهذا الحجم يشكل ” تسوناميا” في دول قديمة ناجزة ويهزها هزّاً، فما بالك في دول مفككة مثلنا تعيش تحت خط الدولة.
من البداهة أن انفجارا سكانيا بهذا الحجم قد ولّد حاجات وتحديات هي من الضخامة بحيث لا قبل لنظام اجتماعي ” طبيعي” ، قرابي،على تحمله. انه تسونامي اقتصادي وسكاني وسكني وصحي وبيئي وفرص عمل وتوزع عمراني وما اليه.. وهو إلى ذلك وخصوصا ولّد تناقضا تناحريا ما بين شكل الاجتماع وحاجات تطوير قوى الانتاج. فإطعام كل هذه الأفواه يحتاج الى تطوير حجم الانتاج وخصوصا المنتج للقيم فيه. لا يستطيع الريع، بشكله الحالي ان يلبي كل حاجات هؤلاء البشر الذين سوف يتابعون ازديادهم.
القرابة لم تعد إذن قادرة على ” زوبنة ” كل هؤلاء الشباب الكثير العدد. لم تعد تستطيع تأمين أسباب عيشهم الطبيعية ولا الأولية. فصار الشباب هذا عبئا على القرابة وعلى إعادة انتاج نفسها كما فعلت من قبل. التناقض خلق ظرفاً داخلياً يضاف الى التحول الدولي المذكور اعلاه مما يضغط باتجاه بناء الدولة الحديثة طالما ان هناك قوة اجتماعية جديدة لا تملك موضوعيا ضرورة الارتباط بالقرابة أوالإنخراط في قوالبها. على العكس فإن حاجتها للبقاء تضغط باتجاه توسيع قاعدة الانتاج الفعلي لا الريعي وبالتالي نحو تحوّل في بنيان العمران البشري ذاته.
الظروف الدولية والداخلية تضغط باتجاه نشوء الدولة الوطنية العربية وهي نادرا ما تكون مؤاتية لنا الى هذا الحد. ونحن اليوم اما مفترق تاريخي : الدولة او التذرر. على النخب العربية ان تختار.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صاروخ باليستي روسي يستهدف ميناء أوديسا


.. ما فاعلية سلاح الصواريخ والهاون التي تستخدمه القسام في قصف م




.. مراسل الجزيرة يرصد آثار القصف الإسرائيلي على منزل في حي الشي


.. خفر السواحل الصيني يطارد سفينة فلبينية في منطقة بحرية متنازع




.. كيف استغل ترمب الاحتجاجات الجامعية الأميركية؟