الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عسكر شمولي

عبدالله خليفة

2014 / 6 / 20
مواضيع وابحاث سياسية



الجيوشُ تشكلتْ في تواريخِ الأمم بوظيفة الدفاع عن الأرض، وتخصصتْ الشرطة في قضايا الأمن ومجابهة الصراعات الداخلية.
وحين انقلبت الأمورُ وقامت الجيوشُ بالتدخل في الصراعات السياسية الداخلية، جاءَ ذلك في سياق عجز القوى الاجتماعية والسياسية عن بلورةِ نظامٍ اجتماعي متحضر ديمقراطي، فيقوم الجيشُ بدورٍ ليس هو دوره، ويخطفُ السلطةَ من القوى السياسية، لكنه يعجز على المدى الطويل عن الاحتفاظ بالسلطة.
إن حالات العالم النامي الاجتماعية السائلة وعدم وجود قوى اجتماعية متقدمة ديمقراطية تحفزُ الجيوشَ للعبِ هذا الدور المغامر الخطر، وأحياناً تلعبه بعضُ الجيوشِ بحنكة وحكمة، حين تقيمُ نظاماً ديمقراطياً علمانياً كما فعلت تركيا، رغم المشكلات والخسائر التي حدثتْ بسببِ طابع وعي العسكريين المحدود بالثقافة الإسلامية والبنى الاجتماعية الإقطاعية الشرقية.
لكنهم منعوا الأغنياءَ من تشكيلِ رأسمالية حكومية احتكارية، ومهدوا للبرجوازية الخاصةِ أن تنمو وتكتسبَ السلطةَ في نظامٍ ديمقراطي تعددي ازدهرَ بشكلٍ عقلاني جيد في آسيا المليئة بالأنظمةِ الدكتاتورية وبقايا العصور القديمة.
في حين أن الجيوش العربية المتدخلة والمستولية على السلطات خلال العقود المريرة السابقة، لم تقمْ بمثل هذه الوظيفة الريادية بسببِ تكريسِها للدكتاتورياتِ الحكومية نصف الحديثة– نصف الدينية، وتشكيل الأبنية بهذه المواصفات يقود لعدم صعود طبقة وسطى حرة، وطبقة عاملة ديمقراطية، ويؤزمُ الأريافَ ويبقيها كمجمعاتٍ للتخلفِ وللقوى الطائفية المغامرة.
إن تشكيل دولة ديمقراطية علمانية يحفظُ الجيوشَ من تغلغلِ النزعاتِ الدينية والوطنية الخطرة من بين صفوفها، فيبعدها عن التسييس الاستغلالي للفئات الوسطى الصغيرة، مركزِ إنتاجِ الأفكار الطائفية واليسارية المغامرة والقومية الخطرة، ويجعل القوى الاجتماعية تتبادلُ الحكمَ وتقاوم الفساد في الأجهزة الحكومية وتطورُ الاقتصادَ، رغم أن ذلك يعتمد على مستوى تطور القوى المنتجة لأي بلد وتطور العلاقات الاجتماعية ومدى مقاربة الشعب للثقافة الحديثة الديمقراطية، فأسبانيا الإقطاعيةُ في عهدِ الدكتاتور فرانكو السائرة بشكل ديني تعصبي تخلفتْ عن التطورِ الغربي العام حقبةً مريرةً رغم أسبقيتها في النهضةِ والغزو الاستعماري ومراكمة الثروات من نهب البلدان، وها هي تدفعُ ثمنَ هذا السير البطيء نحو الرأسمالية التحديثية العلمانية عبر تأزم الاقتصاد واللجوء إلى المعونات، وقسْ بأن تطورَ أسبانيا الراهن أفضلُ من تطورِ كل الدول العربية الراهنة مجتمعةً.
ولهذا فإن الجيوشَ العربية الراهنة الداخلة في النزاعات السياسية الاجتماعية، يجب أن تأخذ هذه التجارب بعين الاعتبار. وبألا تغدو قوة هيمنة وبقاء في السلطة، وأن تتجاوز (الديمقراطية) الهزيلة الدينية الاجتماعية، فذلك بابٌ واسعٌ لعودةِ القوى المضادة للثورة، وأن تبعدَ الدولةَ والحكم عن الأديان وصراعاتها والمذاهب وخلافاتها، وتغدو قوةً مستقلة، تشكلُ دولةَ المواطنين المتساوين أمام القانون.
إن رسوخ هذا المنحى سوف يجعل أي قوة اجتماعية لديها برنامج للتغيير الاقتصادي الاجتماعي الفعال تستلم الحكم عبر الانتخابات، وتقوم بتنفيذ هذا البرنامج والمواطنون يحكمون على أدائها بعد عدة سنوات محددة، وهكذا فإن القوى الاجتماعية المختلفة تأخذُ نصيبَها من الحكم والمعارضة والنقد والتغيير، فالفاشلُ يخرجُ من السلطة، والفاسدُ يتم عقابه، ولا يكون للجيوش من دور سوى الدفاع عن الوطن ومنع العودة إلى الدكتاتورية.
في حين نرى الدول الدكتاتورية العنيفة كاليمن وليبيا وسوريا تدفع ثمناً باهظاً من أرواح شبابها الذين يتساقطون كأوراق الشجر، بسبب طغم عسكرية خربت الجيوشَ الوطنية وحولتها إلى مليشيات حزبية، وسرايا دفاع عن لصوص سرقوا المال العام، أو شرطة عسكرية قمعية واسعة، وهذا كله بسبب عدم حسم مسائل التطور السياسي، كتغييب الديمقراطية والعلمانية في الحياة السياسية وعدم إبعاد الجيوش عن السياسة الداخلية الصراعية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. محمود ماهر يخسر التحدي ويقبل بالعقاب ????


.. لا توجد مناطق آمنة في قطاع غزة.. نزوح جديد للنازحين إلى رفح




.. ندى غندور: أوروبا الفينيقية تمثل لبنان في بينالي البندقية


.. إسرائيل تقصف شرق رفح وتغلق معبري رفح وكرم أبو سالم




.. أسعار خيالية لحضور مباراة سان جيرمان ودورتموند في حديقة الأم