الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الصحافة منذُ الكبار وحتى حفلات الشاي

علي ياسين عوض عبيدات

2014 / 6 / 21
الادب والفن


الصحافة منذُ الكبار وحتى حفلات الشاي

ما أسهل أن تكون صحفياً! وما أبشع أن تكون على هذا النحو!



هذا الزخم العجيب، وهذا العدد الهائل، وهذه الكثرة المفرطة، وأطنان المقالات اليومية وأعاجيب الصحافة (من لغة غريبة، وقضايا أكثر غرابة)، تجعل القارئ العربي -المسكين- في نهاية الإنشداه، ليسأل ذاته بعض الأسئلة: هل افاق رعيل الصحافة الأول؟ هل يحق لي بأن أتجنى وأقول بأن صحافتنا اليوم مُقصرة، رغم هذه الكثرة ؟

قبل أن نصل إلى مرحلة الكيف، وبينما نحن (كقراء) في مرحلة الكم، نشعر بأن رواد الصحافة وأساطينها يستفيقون، بحلة جديدة وبنفس الإبداع والإبتكار، فكأننا بين حنايا عام 1835 لكن دون محمد علي وبقايا المماليك وشظايا العجم، وارى ايضاً رفاعة طهطاوي يقابل جهاز الحاسب ويواضب على طباعة مقال ما، لتكون صحيفة الوقائع المصرية بنفس الكادر لكن دون العمم والعبيّ بل بسراويل الجينز، وأما التنكيت والتبكيت التي ملكها زعيم الصحافة والخطابة عبدالله النديم تصدر على شكل صحيفة الكترونية، فتخيل ادآم الله عزك التنكيت والتبكيت إلكترونية، ومجلة الأستاذ وهي تصدر (PDF)، والنديم وطهطاوي وعلي يوسف بيننا..!

ماذا سيفعل القارئ وهو قبالة جيوش الأقلام وفيالق الصحفيين، وخلف تخوم كتائب الصحافة؟ والأهم من هذا، ماذا ستقدم الصحافة للقارئ بينما تعيك اللاصحافة خراباً في عالم الصحافة؟ ما الذي فعلناه بهذه المهنة المقدسة؟ تلك التي بزغت شمسها كمحرضة وثورية ومؤلبة، لاسيما أن قادتها كانوا خُطباء ونجباء وأهل نهضة، وهي اليوم وللأسف مهنة "الردح" والنفاق والتجارة والفضائح والشتم والتهكم الغير مبرر، فلم تعد مرآة حال الشعب وأوجاع الأمة، بل صارت حرابات شخصية وتجارة ورق، فبينما يرتشف صحفي هذه الألفية فنجان قهوته يخط عشر مقالات، وإن طُلب منه أن يقدح فلان فسيقدحه، وإن دُعي على العشاء في معية فلان فسيرفع من دعاه إلى فرقدان الخلق وسيجعل منه ملاكاً، فهل هذه صحافة؟

يتفق الجميع أن الزخم هو سيد الموقف، وأن الصحافة أداةُ تربُح أكثر مما هي مهنة خالدة ورسالة أصيلة ، وأن الكم الهائل يطغى على الكيف الممزقة، لدرجة أن الصحفيّ لم يعد ذو المهنية وصاحب الضمير اليقض والحرفية الصرفة، بل صار الصحفي محض عاطل عن العمل ووجد في الصحافة ضالته، فكيف صار صحافياً دون مهنية الصحفي ودون ثقافته؟ أو على الأقل دون أن يجيد لغته العربية التي هي عصب الصحافة وروح المهنة؟ فقد صرنا نرى بعض المقالات المنشورة في أكبر الصحف وهي مخضبة بدم الأخطاء اللغوية والنحوية والصرفية، ليكون المقال اغتصاباً للغة بطريقة أو بأخرى، ولن ننسى الإنشائية المُفرطة التي تسيطر على المقالات وأسلوب الكتابة المدرسية التي تُعبر عن ثقافة الطالب لا الصحفي وعن مهنية التاجر لا صاحب الرسالة الخالدة..! فهل كان يدري الشيخ نجيب الحداد بأن هذا ما ستؤول إليه كلمة "صحافة" عندما أخرجها للنور عبر جريدته لسان العرب؟ تلك الجريدة التي تُحسب على أنها من بواكير الصحافة العربية ومن أمهات الصُحف. فأين نحن منك يا نجيب الحداد..؟


بعد أن حدد مونتيسكو السلطات الثلاث أقر بأن الصحافة سلطة رابعة، ويقول إدموند بروك: ثلاث سلطات تجتمع تحت سقف هذا البرلمان، ولكن هناك في قاعة المراسلين "مجلس السلطة الرابعة" وهي اهم من كل السلطات."ومن باب الريادة فهناك ميثاق الصحفيين الذي يضاهي ميثاق الأطباء، إذ يلزم بالأمانة والخلق الحسن واحترام الذات واحترام المهنة.

كانت الصحافة منذ قرنٍ ونيف محصورة في السياسة، فقد كان اساطينها من السياسين البارزين والمحنكين والخطباء والزعماء احياناً، حيث أن مقالاً للنديم أو لرفاعة طهطاوي او حسن العطار او الشيخ شهاب او الأمام محمد عبده او عبدالكريم سلمان او زغلول او مصطفى كامل.. الخ، كان قادراً على قلب الرأي العام وخلق جلبة لا تحمد عقباها، وبعد أن تقدم الزمن قليلاً صار بوسع المقال أن يُخرج الطلاب من المدارس الى احضان البنادق الإنجليزية ويقيم الدنيا ولا يقعدها. وكذلك الحال في الساحة الأدبية، عندما كانت السجالات الأدبية في أوجها كالتي جمعت بين طه حسين و المنفلوطي، ومقالات الإرهاب الفكري التي كتبها طه ضارباً بعرض الحائط وثنية الأزهر وصرامة شيوخه، ومقالات العقاد في المؤيد بمعية الشيخ الأديب علي يوسف، تلك المقالات التي كانت تسجن العقاد بعد بعد أن يكتبها (عدد المقالات التي كتبها العقاد طيلة حياته 15000 مقال).

فأين نحن من هذا يا صحافة بطاقات المعايدة والنفاق الإجتماعي..؟

بعض ما يدمي القلب، ويجعل القارئ مستهجناً لما يحدث للصحافة، تلك الطرق التي يلجأ إليها الصحفي الجديد لكي يكون ذو شأنٍ وعامود! فهم اليوم يقيمون الولائم لروؤساء التحرير ويهدون الورد الملون لرئيساته، وقد استبدلوا راحة الضمير بالراتب الشهري وبثمن المقال، ولن ننسى حفلات الشاي والأمسيات الثقافية(التسول الثقافي) التي تقام بين ردهات المزراع و"الشاليهات" وعادةً تكون بحضور المشاهير وابناء الطبقة المخملية ومن يحتاجون الرأي العام و تخدمهم الصحافة الجديدة.

وأما الدعوات التي يزجيها أبناء النُخب الثقافية ( نخب اعتباطاً أو كما يسمون أنفسهم) فهي بمثابة نداء صريح وواضح، فيقول الداعي وبكل صراحة: تعال أيها الصحفي وغطي أحداث المؤتمر الفلاني أو جائز فلان لفلان أو تكريم الفلانين لفلان، ليذهب الصحفي الفذ ويغطي الحدث ويجعل ممن دعاه نبي القصة أو فحل الشعر أو أخفش اللغة! وكل هذا برسم الدعوة ولكي يكسب فلاناً الذي سيجعل منه محرراً ويريحه من عناء التجول بين مخاديف المناسبات الثقافية(على الرغم من أن شرف الصحفي يكمن في عنائه)... وهكم جرا..!


ما أسهل أن تكون صحفياً! وما أبشع أن تكون على هذا النحو!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عادل إمام: أحب التمثيل جدا وعمرى ما اشتغلت بدراستى فى الهندس


.. حلقة TheStage عن -مختار المخاتير- الممثل ايلي صنيفر الجمعة 8




.. الزعيم عادل إمام: لا يجب أن ينفصل الممثل عن مشاكل المجتمع و


.. الوحيد اللى مثل مع أم كلثوم وليلى مراد وأسمهان.. مفاجآت في ح




.. لقاء مع الناقد السينمائي الكويتي عبد الستار ناجي حول الدورة