الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قتل حاخام مغربي فاشل

عبد الرحيم التوراني
صحفي وكاتب

(Abderrahim Tourani)

2014 / 6 / 21
سيرة ذاتية



عن دار نشر "سوي" الباريسية صدرت طبعة جديدة من كتاب لفكتور مالكا بعنوان "يوميات حاخام فاشل".
ويحكي فيه عن دراسته بمعهد للدراسات اليهودية بالدار البيضاء، في الخمسينيات من القرن الماضي، بهدف التخرج حاخاما كما كان يود ويرغب في ذلك والده، سيرا على نهج الأجداد. لكن فكتور سيخلع ثوب " الحَزَّانْ " ليغادر المغرب ويتجه صوب فرنسا لمتابعة دراسة الصحافة والإعلام. وهو ما تسبب للوالد في خيبة كبرى، هي نفس الخيبة التي ستدرك فكتور مالكا وهو في خريف العمر، يرى بحسرة إلى ما آلت إليه الأمور، ويعرب عن حزنه الكبير لتراجع مشهد الديانة اليهودية في العالم، في إسرائيل وعبر الشتات. كما يدعو إلى الحوار الضروري والمصالحة بين اليهود والمسلمين.
الكتاب مليء بالأسئلة الوجدانية، وبالغضب كذلك.
لكن النكتة اليهودية تملأ الكثير من صفحاته وسطوره، حيث أن الكاتب يتناول موضوعا على محمل الجد بأسلوب النكتة..
+++++
قبل ما يزيد أو يقل على عقد من الأعوام، لا أذكر السنة ولا الشهر، حوالي العاشرة صباحا من يوم مشمس اتصل بي في الهاتف الصديق الإعلامي عادل حجي ودعاني للتعرف على فكتور مالكا، مسؤول القسم الثقافي بإذاعة فرنسا الدولية، والذي حضر إلى المغرب من فرنسا للمشاركة في البرنامج الثقافي الشهري "بين السطور"، الذي كان يعده ويقدمه باللغة الفرنسية عادل حجي على القناة الثانية "دوزيم".
وجدتهما ينتظرانني على رصيف مقهى "ألكسندريا" بشارع الزرقطوني، على مقربة من "توين سانتر" بشارع الزرقطوني، أحد أكبر وأنظف شوارع مدينة الدار البيضاء.
كان الرجل متقدما في السن، يصح فيه القول "بلغ من العمر عتيا". استقبلني ببشاشة ظاهرة. بعد أن تكلف الصديق عادل بتقديمنا لبعض. انشرح فكتور مالكا قائلا: - نحن عائلة واحدة إذن.. كلنا من أسرة الإعلام.
ثم ابتسم ونظر إلي بعينين ضيقتين، لتتسع ابتسامته ويحولها إلى ضحكة مجلجلة ذكرتني بقهقهة الصديق إدريس الخوري. .
قلت للمسؤول عن "فرانس كلتور":
- أظن أنك لست بحاجة لنرحب بك في بلدك المغرب وفي مدينتك الدار البيضاء.
وكان ذلك أحسن مدخل لجذبه للحديث عن يهود المغرب، وعلاقتهم بمواطنيهم المسلمين، ومؤامرة تهجير اليهود صوب إسرائيل، وهجرتهم صوب فرنسا وكندا وغيرها من بلدان الشتات.

في البداية أخذ فكتور يردد الدعاية الصهيونية التي نعرفها بخصوص هذا الموضوع، وكون المغاربة المسلمين مارسوا العنصرية والإرهاب ضد مواطنيهم اليهود مما أرغم هؤلاء على الهجرة إلى إسرائيل، لكن بعد نقاش هادئ بدأ يوافقني الرأي معترفا بالدور التضليلي الخطير للحركة الصهيونية العالمية في نشر وبث الرعب بين اليهود المغاربة، لدرجة ارتكاب جرائم قتل ضدهم ونسبها إلى المسلمين، وفي تقديم إسرائيل لهم كمجتمع متجانس ومنسجم وكملاذ آمن لليهود. ولم ننس الحديث عن تواطؤ جهات مغربية على أعلى المستويات في بيع اليهود المغاربة للحركة الصهيونية العالمية.

لما ابتعدنا عن الميل بالنقاش نحو الاحتداد. غير فكتور مالكا الموضوع ليتحدث لنا عن عمله الإذاعي بإذاعة فرنسا الدولية، وكان لنشراتها الإخبارية حضور قوي لدى النخبة المغربية قبل عصر الفضائيات. وتكلم لنا أيضا عن مؤلفاته. فأخبرته أني أتوفر على نسخة من أحد كتبه حول الصراع العربي الإسرائيلي، مترجم إلى اللغة العربية وصادر في دمشق. أسعده الخبر كثيرا، ولم يكن يعلم بذلك، وطلب مني توفير نسخة له من كتابه المترجم. ثم تحدث لنا عن طفولته وذكرياته في المغرب، وعن بعض صداقاته مع المثقفين المغاربة، وذكر لنا صلته بالصحفي والكاتب الراحل عبد السلام حجي المثير للجدل، الذي لم يتردد في المجاهرة بتأييده لمواقف الرئيس التونسي السابق الحبيب بورقيبة من الصراع العربي الإسرائيلي، سنة 1965، وهو ما جر على عبد السلام حجي وقتها كثيرا من المشاكل. وبالمناسبة فالأستاذ عبد السلام حجي هو والد الصديق عادل حجي. وشقيقه كريم حجي مدير بورصة الدار البيضاء حاليا.
بعد ذلك انتقل فكتور إلى انتقاد بعض المظاهر التي لم تعجبه في الدار البيضاء، وطلب من عادل أن يتدخل لتغيير الفندق البعيد الذي اختاروه له، والذي يطل على بناءات عشوائية وعلى دور الصفيح بمنطقة "ليساسفة" بضواحي جنوب الدار البيضاء. وربما تمت الاستجابة لذلك، وانتقل ضيف القناة الثانية إلى أحد فنادق شارع "أنفا" وسط المدينة.

وبعد إنهائنا لوجبة غذاء خفيفة تكلم فكتور قائلا إن المغاربة لا يضحكون كثيرا وتنقصهم روح النكتة، وهو ما انبريت أنا لدحضه وتفنيده، إذ حولت الجلسة إلى جو مرح بحكي بعض النكت، ومنها نكتة ساخرة حول المال والحظ والقدر. كادت النكتة أن تميته فعلا من الضحك وليس مجازا. وقد حكيتها له بالدارجة المغربية البيضاوية التي يفهمها ويتقن الكلام بها. أخذ الرجل السبعيني يسعل حتى كاد أن يختنق، واجتمع كل الدم في رأسه وكاد أن يخرج من عينيه الدامعتين. أسرع عادل بمده بالماء وهو يلومني:
- كنت ستتسبب في قتل الرجل.

أما فكتور مالكا بعد أن هدأ قليلا، فقد أخذ يفتش في جيوب سترته الداكنة عن هاتفه المحمول، وقال لنا إنه سيتصل بزوجته ليحكي لها هذه النكتة المضحكة جدا، يريد تبديد قلق غيابه عنها. وهو ما منعته من فعله.
- أرجوك يا فكتور.. لا تفعل.. فقد لا تجد زوجتك من يسعفها بكوب ماء لو اختنقت من الضحك. لا تفعل حتى تعود إلى باريس.
عاد الرجل إلى الضحك مرة أخرى وتفاصيل النكتة تقفز في ذهنه. خفت من عودة الحالة إليه. استأذنت الانصراف، وودعت كالهارب من باطل يكاد أن يتلبسه.

ماذا لو حصل ومات هذا الرجل بين يدي؟
رجل غير عاد تماما.
يهودي، مغربي، فرنسي، كاتب وصحافي... وربما إسرائيلي أيضا. من يدري....؟

لاحقا سيصدر فكتور مالكا قاموس السخرية اليهودية وسيضمنه تلك النكتة على أساس أنها نكتة يهودية.
ويمنعني الحياء من أن أحكيها للقارئ هنا، والسبب بذاءتها.
لكنها نكتة مغربية مائة في المائة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رئيس كولومبيا يعلن قطع العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل ويعتب


.. -أفريكا إنتليجنس-: صفقة مرتقبة تحصل بموجبها إيران على اليورا




.. ما التكتيكات التي تستخدمها فصائل المقاومة عند استهداف مواقع


.. بمناسبة عيد العمال.. مظاهرات في باريس تندد بما وصفوها حرب ال




.. الدكتور المصري حسام موافي يثير الجدل بقبلة على يد محمد أبو ا