الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الروائي شاكر الانباري: الجزر المنعزلة لا تنتج ثقافة مؤثرة

حسين رشيد

2014 / 6 / 21
الادب والفن


الروائي شاكر الانباري: الجزر المنعزلة لا تنتج ثقافة مؤثرة
كحال العديد من الادباء، والمثقفين العراقيين، الذين فضلوا المنفى، والغربة على الوطن ايام الاحتراق والاحتراب والسجون والمعتقلات. تجول بين المنفي، حاملا هموم بلده وابنائه، حيث رسمها، كلمات سردية مؤطرة، قصة تارة، واخرى رواية، وثالثة مقالة، وهكذا. حتى حانت ساعة التغيير، ليكون من الاوئل،بالعودة والارتماء بأحضان الوطن، حيث شرع ببناء مشروعه الثقافي انه القاص والروائي شاكر الانباري .

حاوره: حسين رشيد
* تمر الثقافة العراقية بمحن متكررة ، محنة التهميش في العهد الماضي ، لتتعمق مع العهد الجديد، ما هو تصورك عن مشروعات النهوض بالواقع الثقافي؟
-انا لا أفصل تردي الثقافة العراقية عن تردي الواقع العراقي على كافة المستويات، والملاحظ ان هناك امراضا بدأت تتغلغل في الجسد الثقافي كانعكاس لواقع مريض، مثل الشللية، والطائفية، والمناطقية، وفقدان التماسك الفكري، وتشوش مفهوم المواطنة والانتماء. واذا اعتبرنا الثقافة هي مجموع الروافد القادمة من حقول متنوعة، كالسينما والمسرح والرواية والنقد والتشكيل والرقص والموسيقى، فنحن نلمس تهميش كل هذه الروافد خاصة في الداخل. تهميشها من قبل الحكومة ومؤسساتها أولا ، ومن قبل الفكر الديني الطاغي على الشارع، الأمر الذي حول الثقافة الى مشاريع فردية وليس حركة اجتماعية يقوم بها مجتمع برمته. الثقافة في ظل النظام السابق لم تهمش بالمعنى الحرفي، بل وظفت لكي تغطي، أو تبرر، السياسات الرعناء المتبعة طوال عقود عدة، كالحروب والقمع ومصادرة الحريات وفرض الرأي الواحد والفكر المجوف. اما اليوم فالثقافة ليست موظفة انما مهمشة ومحتقرة، وتظافرت العقلية الدينية والسلطوية في حذف الثقافة باعتبارها حاجة انسانية ضمن سيرورة المجتمع. لهذا فالحياة اليومية في العراق عرجاء، وفظة، وجافة، لا ترطبها رياح الفن والثقافة.
* طيب والمؤسسات الثقافية المتمثلة بوزارة الثقافة واتحاد الادباء والمنتديات والملتقيات والجمعيات الثقافية وطريقة عملها كيف ترى ذلك؟
- مع وجود نشاطات لتلك المؤسسات الا أنها لا ترتقي الى مستوى الثقل التاريخي للثقافة العراقية ودورها المحوري في حياة الفرد. وتلك النشاطات عادة ما تكون نخبوية، يقيمها ويحضرها اصحاب المهنة وحدهم، وهي لا تتفاعل بشكل عضوي مع البيئة الواقعية، فالهم الانساني للفرد في واد وتلك النشاطات في واد آخر، وهذا ما اعتبره خللا في مسيرة الثقافة. أين المسارح التي تفتح ابوابها بشكل يومي لجمهور المسرح، وأين حفلات الرقص والغناء، وأين المعارض التشكيلية التي تجمع فناني الوطن كلهم، وأين المهرجانات التي تعتني بالرواية والشعر والنقد والموسيقى؟ اين السينما؟ أين الكتاب ودور النشر؟ ذلك وغيره مفقود في حياتنا اليومية، كوننا بلدا غير مستقر، ملايين من ابنائه مهاجرون، ومدنه تدير الواحدة ظهرها للاخرى، وروح المواطنة صارت مشوهة، بعد ان ارتد الفرد الى متكأ طائفي أو قومي. نحن نعيش في جزر منعزلة، وعمرها الجزر المنعزلة لا تنتج ثقافة مؤثرة، سواء في محيطها الوطني أو الاقليمي.
* الغربة داخل الوطن الغربة خارج الوطن، مفردات لا اعتقد انها جديدة على المثقفين العراقيين ما مدى استيعابك لهذا المفردات في اعمالك؟
- السؤال هو لماذا يعيش الانسان اغترابه الذاتي سواء وهو يعيش داخل الوطن أو خارجه؟ حين لا تلبى حاجات الفرد الطبيعية يعيش الانسان اغترابا عن محيطه، وحين يهمش الانسان من قبل قوى سياسية متنفذة، ومؤسسات مليئة بالفساد واللصوص، ويقف ذلك الانسان عاجزا امامها لا بد أن يمتلئ بمشاعر العجز واليأس والاغتراب، وهذا حال الفرد العادي والمثقف على حد سواء. حين تفقد دورك في الحياة اليومية لا يمكن لك ان تعيش متوازنا، وهذا الأمر ينطبق على غربة الداخل وغربة الخارج، فالجميع يعيشون التهميش والاغتراب والانقطاع عن حركة الحياة. وهذا قدر العراقيين كلهم، فالذين يعيشون في الخارج، وبلغ عددهم ملايين ينامون ويفيقون على قناعة انهم فقدوا ادوارهم في الحياة، ومرارة العيش في بلد آخر لا يحسها سوى من كابدها سنوات. القضية تتعلق بالوجود ذاته، فحين تنشئ اطفالك خارج العراق ينبغي ان تتقبل انك ستفقدهم فهم نتاج ثقافة اخرى وبيئة مختلفة، وهذا ما ستتذكره يوميا، وبعد سنوات تشعر بانك الوحيد الذي قلبه متعلق بالعراق. على صعيد الشخص العامل في مجال الثقافة والفن لا يبقى أمامه سوى مشاريعه الشخصية التي تعيد له بعض توازنه،لكنها لا تغنيه مطلقا عن الغربة المتجذرة في روحه. هي شيء من التعويض الروحي، وسيظل متعلقا بتلك المشاريع حتى لو لم تكن ذات جدوى ابداعية. وهذه هي الحالة المأساوية اليوم.
* الزمن، الفضاء، المكان، مفردات يتداولها النقد الحديث كثيرا ماذا تعني لك ضمن الانتاج الادبي؟
- في معظم نتاجي الروائي والقصصي يلعب المكان دورا مهما في تقديم الشخوص، وسرد الأحداث، وسبر غور الشخصيات. اذ أن العراقيين كحالة متناولة هم من تدور حولهم معظم نتاجاتي. هناك تشبع بالزمن العراقي والمكان أيضا، وذلك عبر السباحة في فضاء عقود من التجربة العراقية الماضية. الحروب، الهجرات، الاغتراب، الحنين، التحولات العميقة في الروح العراقية، تحولات المكان ذاته، وهي أمور لم اخترها بل فرضت نفسها عليّ كانسان أولا ثم ككاتب. انا عاصرت الحدث العراقي المهم منذ الثمانينيات، وذلك هو الحرب، ثم الخروج من الوطن بسبب تلك الحرب، وهي تشتمل على احداث عاشها معظم العراقيين وما زالوا يعيشونها حتى اللحظة. تلك الثيمات فرضت نفسها على مجمل السرد العراقي، في الرواية والقصة، وحتى الفنون الأخرى.اذ لا يمكن ان تتناول اي حدث دون اشتراك فضاءات الحرب، والنفي، والسجن، والغربة، والمنفى، والصراعات السياسية، واخيرا الاحتلال، وانهيار المجتمع، وبروز العنف الطائفي، والارهاب. حتى ان اردت سرد مشهد حب، او علاقة انسانية ما ، لا بد لك ان تأخذ ذلك الفضاء بالحسبان. وهذا ما يجعل السرد العراقي عموما يميل نحو توثيق الحدث احيانا، فانت لا تستطيع الهروب من فخاخ التاريخ.
*في رواية البلاد السعيدة اشتغلت على الامكنة وعودة الذاكرة والحنين وظروف العراق بعد التغيير اذ يتداخل الوطن والمنفى، هل يمكن ان تكون رواية حدث وواقع؟
- رواية بلاد سعيدة هي توليفة حكائية يشترك فيها الحدث الواقعي مع المتخيل، فيمكن أن تقرأ على أنها احداث تدور في بلدة عراقية متخيلة تعيش بعد الفين وثلاثة، اي سقوط النظام والاحتلال، وانحلال الدولة، وضياع البوصلة لدى الفرد، والناس أيضا. ويمكن أن تقرأ بقدر كبير من الواقعية، كون ما يجري هو واقع لا يقتصر على تلك البلدة التي تدور فيها أحداث الرواية، انما عاشته معظم المدن العراقية. حين تغيب الدولة، كحافظة للأمن، وكقوة تفرض القانون، يتشبث البشر بتاريخهم وأماكنهم، وكأن ذلك التاريخ هو المنقذ من الضياع والفوضى، وهذا ما حاول شخوص الرواية التشبث به. لكن ذلك وهم ايضا، فتاريخ البلدة ذاته معرض للانقراض، لان المجتمع امام قوى ارهابية غاشمة غريبة عن ذلك التاريخ، وجيش احتلال هو ايضا لا يدرك اهمية المكان والتقاليد والحكايات القديمة لابناء البلدة تلك. وهم يقفون عراة امام قوة مجردة غير مفهومة. فما معنى ان ترفع رايات بيض حين تذهب لدفن واحد من أمواتك في المقبرة؟ وما معنى أن يتحول الفرات من كائن يبعث الحياة، ويكتنز حكايات الطفولة وتاريخ البلدة منذ مئات السنين الى مقبرة مائية؟ في رواية بلاد سعيدة هناك سوريالية تنبثق من عنف الحدث، هذه السوريالية سرعان ما تولّد اساطير جديدة لم تكن مألوفة سابقا، تشترك في صياغتها الذهنية الشعبية غير المعتادة على المتغيرات، وقوى الارهاب، والجيوش الاجنبية التي فاجأت الجميع، مع غياب تام للفعل الوطني المتمثل بالدولة ومؤسساتها.
*طيب في روايتك الأخيرة نجمة البتاويين اخذت عنوان مكان مهم في بغداد، لكن احداث وسير الرواية غيبت المكان واشتغلت على الشخوص اكثر ، هل هي مصادفة ام متعمدة ام ان الظروف شاءت ذلك؟
- المكان في الرواية لا يقتصر على محلة البتاويين، رغم أن الرواية أخذت عنوانها من المكان، بل هو بغداد، هذه المدينة النائمة على طبقات من الأزمان والتواريخ والأمكنة. شخصيات الرواية حين تتجول في شارع الرشيد تستعيد عشرات السنين من الاحداث التي مرت على الشارع، وكذلك منطقة البتاويين، والفضل، وشارع السعدون، وأبو نؤاس، وغير ذلك من الأمكنة. الرواية قدمت شخصيات تعيش ضمن بيئتها، وضمن الجو الزمني الذي نشأ بعد ألفين وثلاثة. التركيز على الشخصيات هو محاولة لسبر روح الفرد العراقي، ومعرفة التشوهات والفظائع التي تسللت اليه من تقلبات الواقع. انهيار القيم، السوداوية، العبثية، كلها صفات لتلك الحياة. الخوف من الليل هو العنوان، بعد أن اصبح فضاء للقتل والخطف وحياكة المخططات الرامية لتحويل المدينة الى محيط طارد لأبنائها. أغلب الشخصيات كانت تفكر بالسفر الى الخارج خلاصا من عنف تلك الحقبة، وهي وان كانت تمارس حياتها اليومية في شقة النجمة الواقعة في حي البتاويين، الا أنها أصبحت تشبه بلورات يرى من خلالها القارئ أعماق المجتمع. تنتهي الأحداث الواقعية بخطف واحد من شلة النجمة، وهو في نهاية الرواية يقص معاناته الكارثية على بطل الرواية، وكيف تخلص من الموت المحتم بعد أن دفع الفدية. وهي قصة من القصص التي تجري كل يوم، لذلك تقترح شخصية أخرى أن يجري استحداث دائرة وطنية لرواية القصص التي جرت في مدن الوطن، حيث تؤرشف لاحقا لتصبح كتابا مفتوحا يشبه كتاب ألف ليلة وليلة. لكل ذلك لم تغيب الرواية المكان، انما نسجت شكله عبر حكاياته، ومخاوفه، وظلاله، ومعاناة شخوصه السائرين نحو الهاوية.
* بكونك مررت بالتجربتين كيف ترى واقع الرواية العراقية التي تكتب في المنفى عن التي تكتب في الداخل وكيف تقيم التجربتين؟
- هناك زخم كبير في انتاج الروايات، سواء في داخل العراق أو خارجه، وهذا يعود الى قدرة الرواية على صياغة يوتوبيا بديلة عن الحياة الواقعية. يوتوبيا يمكن فيها قول ما لا يقال، ورسم ما لا يرسم، واقتراح حلول وصياغات لعالم بديل. هذه المسيرة يشترك فيها من يعيش في الداخل او الخارج، فالأجواء بعض الاحيان تتشابه لدى الكتاب، والجميع تقريبا يشترك بأساسيات سردية تنتمي الى المراحل التي عاشها العراق في العقود الأخيرة. الاختلاف ينتج في براعة الفن الروائي، وهذا يعتمد على قدرة الشخص ذاته، اي الكاتب، ولا يعني مكان الكتابة الشيء الكثير. ربما تتوفر للكاتب الذي يعيش خارج العراق امكانية اكبر للنشر، والاطلاع على ثقافات ولغات وأمكنة، وحرية اكبر لتناول الحدث وتحليل الشخصيات. لكن رغم هذا تظل القضية محصورة بالبراعة الشخصية، سعة الأفق، الثقافة، الخبرة، التجربة الحياتية، انتقاء المادة الأولية للرواية. لكن بالمحصلة ثمة زخم روائي كبير، لكنه غير معتنى به من قبل المؤسسات الوطنية، هو مشتت بين البلدان. الكتاب مشتتون، الكتب المطبوعة تنهال من مختلف البلدان، الا أن ثمة غيابا في لملمة تلك الروافد الروائية، عبر مهرجان روائي مثلا، عبر تبني مطبوعات الكتاب، عبر ربطهم بالوطن والتقريب فيما بينهم، عبر احتفاء سفارات البلد بالكتّاب في المنافي، عبر الجوائز، والترويج للنتاج العراقي في المعارض والمهرجانات العربية. الرواية العراقية تكتب اليوم التاريخ الحقيقي لما جرى في حقبة الخمسين سنة الأخيرة، وهي عادة ما تكذّب مذكرات الساسة، وأطروحاتهم، وتحليلاتهم للأحداث، كونها أكثر صدقا بملايين السنين الضوئية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. دياب في ندوة اليوم السابع :دوري في فيلم السرب من أكثر الشخص


.. مليون و600 ألف جنيه يحققها فيلم السرب فى اول يوم عرض




.. أفقد السقا السمع 3 أيام.. أخطر مشهد فى فيلم السرب


.. في ذكرى رحيله.. أهم أعمال الفنان الراحل وائل نور رحمة الله ع




.. كل الزوايا - الفنان يحيى الفخراني يقترح تدريس القانون كمادة