الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تقادم الحضارة

محمد الذهبي

2014 / 6 / 22
الادب والفن



وضع اولى قدم له في بغداد، فلعن اجداده، فتى جنوبي، رأى ان بغداد كبيرة وشاسعة، والناس منتظمون بصفوف امام مصلحة نقل الركاب، ومنتظمون امام مناطق العبور التي كانت تغزو الشوارع، فكان يتساءل: اشمالها هاي الوادم؟، كان يتعجب من البنطلون، كيف لهؤلاء ان يتحملوا لبس سراويل طويلة؟، وحيره امر مهم: كيف يقضون حاجاتهم، ثم شاهد الهواتف العمومية فزادت حيرته، اخذ يذرع الشوارع، قضى على هذا الحال اسبوعين، فرج تعال، تشتغل؟ ما اعرف شاشتغل، فرد صاحب المطعم، تغسل صحون في المطبخ، وافق بسرعة فائقة، كان ينظر شزرا الى صاحب المطعم المسيحي وكرشه يتدلى على المنضدة، وهاله مايتسلم من اموال في اليوم الواحد، بل حتى في الساعة الواحدة، ومع انه لايعرف سوى الصحون، لكنه طالما لجم حصانا جامحا داخله، ولك فرج اركد شويه العافيه بالتداريج، اقسى مامر به خلال سنتين، انه وفي صدفة لم تكن من ضمن عمره الخائب، بعثه صاحب المطعم الى بيته في منطقة الغدير، ليجلب بعض الاشياء المهمة للمطعم، وهاله مارأى، انها امرأة في الثلاثين، قد اشتملت على ثوب شفاف وهي تفتح الباب مع صوت ناعم : منو؟ فرد بصوت اجش كان يصلح دائما في النداء على بهائمه هناك في الجنوب، لم تبق بقرة في قريته لم يقم بطرحها ارضا، وكان يتفاخر بعضلاته، وهو يرمي البراميل لمسافة طويلة، اما حين يتسلم المسحاة، فانه يقول: آنه العيبي بالمسحاه، دخل الدار وشاهد الجدران المطلية طلاء جميلا، وقارن بينها وبين جدران بيت عمه المهترئة، الطابوق المتسخ والارضية التي تهيل ترابا على العيون، اسكت ولك فرج هاي المره موعبالك حسنه، تبطحها بالزرع وتكوم ولاجنك، جمع الاغراض بسرعة وغادر الدار والمرأة تنظر اليه، كانها ترى اسطورة كلكامش ماثلة امامها، الاكتاف عريضة جدا، السواعد مفتولة، الطول خارج عن العادة، الوجه قاس جدا يتوسطه انف يكاد ان يكون اغلبه، مع شفتين كبيرتين، انها ترى كلكامش او انسانا قديما، لقد تركت قدماه آثارا على بلاط البيت، هذا الرجل غير معقول، وهو ايضا كان يقول انها لاتشبه نساءنا، هذه التي يتكلم عنها سيد حسين، يكول اللي يطب للجنة يلتمن عليه الحواري، اظن هاي وحده منهن، نظر اليها بشبق فاضح من قدميها الصغيرتين الناعمتين الى ركبتيها المكتنزتين لحما وهو الجائع الجنوبي، اما ما فوق الركبتين، فذلك مايوقف العقل، بويه اشكثر حلوه، جاشمالهن نسوانه جنهن غربان.
عاد الى المطعم وهو يلتهم السكائر التهاما ويسعل، فصرخ به صاحب المطعم، فرج بابه انته اشدا ادخن، فقال : جكاير بغداد، فاعطاه سيكارة روثمن وقال له : هسه تشوف الفرق، لم تغادره صورة المرأة ولارقتها ولاكلماتها الناعمة، يمكن هاي ابد ماتتعارك ويّه رجلها، لم يكد فرج ينام ليلة او ليلتين، ويستيقظ مذعورا وهو يضع لافتة جديدة على واجهة المطعم، مطعم تقادم الحضارة، لصاحبه فرج السومري، اصبح لديه كرش متدليا، وباكيت روثمن، وامرأة جميلة، نعله على والديج امريكا، كلها من وراج، هاي الفلوس كلها والبيت من وره دفاعج عن حقوق الانسان، فرج صار غنيا، وصليوه صاحب المطعم لاجئا في الاردن يبحث عن لجوء الى اوربا، اصيب بمرض السكري، فالتصق ظهره مع بطنه، وشاخت زوجته بظرف اسابيع، اما بيته فقد استولى عليه جماعة يمتلكون بنادق، لانه افرغه وغادر ليرى الامور، وحين يحصل على اللجوء يعود ليبيعه، نزل اسم صليوه، وارتفع اسم فرج مكانه، لكن الشارع لم يعد كما كان، وكأن البهجة قد غادرت مع صليوه، ليحل محلها الموت بعهد فرج والخوف والتوجس، انه تقادم الحضارة، وانا لست ملوما، هذا ماقاله فرج لصديقه وهما يهمان بدخول جامعة بغداد، ففرج يحتاج الى الشهادة لاكمال مظهره الرسمي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أمسيات شعرية - الشاعرة سنية مدوري- مع السيد التوي والشاذلي ف


.. يسعدنى إقامة حفلاتى فى مصر.. كاظم الساهر يتحدث عن العاصمة ال




.. كاظم الساهر: العاصمة الإدارية الجديدة مبهرة ويسعدنى إقامة حف


.. صعوبات واجهت الفنان أيمن عبد السلام في تجسيد أدواره




.. الفنان أيمن عبد السلام يتحدث لصباح العربية عن فن الدوبلاج