الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


القذارة الشمولية

مصطفى اسماعيل
(Mustafa Ismail)

2014 / 6 / 24
مواضيع وابحاث سياسية


كان ملفتاً ومثيراً للاستغراب بالنسبة للعديد من طلاب الدورة التدريبية التي نظمها مركز الأديان والدبلوماسية التابع لجامعة جورج ماسون الأمريكية في مدينة استنبول التركية خلال شهر يونيو / حزيران 2014 ما قاله العسكري السوري المنشق اللواء محمد فارس عن أن نظام حافظ الأسد زجَّ به في ما يشبه الإقامة الجبرية طيلة تسع سنوات ونصف بعد عودته إلى سوريا من رحلة إلى الفضاء الخارجي مع طاقم سوفياتي حينها.

متوقعاً الإجابة, سألتُ اللواء فارس عن أسباب محنته تلك, فأجاب بلا تردد : إنها طبيعة الأنظمة الشمولية التي لا تريد نجماً آخر بجوار الطاغية.

يأتي حديث اللواء فارس بعد أيام من انتهاء محنة نجم الفروسية السوري عدنان قصار الذي أفرج عنه بعد 21 سنة من الاعتقال التعسفي بدون محاكمة, وقد تم اعتقال قصار في 1993 لأن سوريا المختزلة إلى مزرعة لطاغية لا تحبذ وجود فارس آخر يتفوق على ابن الطاغية ( باسل الأسد ) ويسرق الأضواء منه وإن كان جديراً بالأضواء وماهراً أكثر منه.

المفترض في الحالتين وكل الحالات المشابهة أن يتم الاحتفاء بالشخصيات الناجحة التي تحقق لبلدانها قصص نجاح, لكن ما حدث ويحدث هو العكس تماماً, أي التنكيل بها, وإعادة عقارب ساعات أولئك الشخصيات إلى الخلف, وتكبيلهم, ويفعل النظام الشمولي ذلك مدفوعاً بذهنية ( النجاح لا يحتمل القسمة على إثنين ).

لم يكن النظام الشمولي في سوريا الوحيد الذي مدَّ سرير بروكوست للاقتصاص من أركان في دائرته والكائنين خارجها, ولم يكن الوحيد الذي أطلق حملات قص الأجنحة ونتف الريش التي استهدفت شخصيات بارزة في المستويات العديدة المجتمعية, هناك أنظمة شمولية عديدة في العالم ارتكبت أهوالاً مشابهة مدفوعة بعقدة الأبوية والوصائية والثأرية التي حكمت مقارباتها للمجتمع الذي تحكمه وترتيب تلكم المجتمعات وفاقاً لبرنامجها المحكم. قد يكون تطهير المجال العام وما يمتُّ منه للسياسة هو الأولوية القصوى, لكن المؤكد أن النظام الشمولي في سوريا وغيره من الأنظمة لم تكتفي بذلك, بل عمدت إلى ما هو أبعد, ويشكل المثالان المتقدمان : محمد فارس وعدنان قصار دالاً مؤلماً, يذكرنا ذلك بمقولة معبرة للمفكر الفرنسي مونتسكيو : " موقف الطاغية, هو موقف ذلك الذي يقطع الشجرة لكي يقطف ثمر.. ".

نحن شهود على جرائم أنظمة الحكم الشمولية العديدة, وكذلكم الأمر الأحزاب الشمولية التي تحكم بأجهزتها المرعبة واستبدادها العاري هنا وهناك, مطوحة بكل الفرص من أجل صياغة مجتمعات أفضل, أو خلق آفاق أرحب أمامها وأمام الإنسان فيها, ماذا عسانا نقول عن النظام الشمولي الحاكم في كوريا الشمالية الذي يلزم الكوريين بتسريحة شعر الزعيم الأوحد, وماذا نقول عن أحزاب شمولية أخرى ارتكبت خلال أشهر معدودة ما لم ترتكبه أنظمة بوليسية طيلة عقود, نردد هنا مع الفرنسي ديفرجيه إن " الدكتاتوريات ليست إلا مرضاً ". والمؤكد أنها مرض كارثي وقاتل.

لا تريد الاستبداديات الشمولية أي اختلاف في الجوار, وأي فعل مغايرة سياسي وثقافي واجتماعي, ولا تريد قامات وشخصيات كاريزمية مؤثرة في مجتمعاتها, ولا تريد حكماً أي خطاب مصاغ خارج مطبخ السلطة, ولا تريد شخصيات ملهمة أو مبدعة, ولهذا ربما نرى رعاية الاستبداديات لأنصاف المواهب وأنصاف الكفاءات وأشبه المبدعين, ولعل الكواكبي لم يبالغ حين عدَّ الاستبداد سبباً لكل بلاء ومفسدة.

إذ نتذكر توصيف الطاغية الكوري الشمالي مؤخراً لزوج عمته ونائبه الذي قتله بدعوى أنه " قذارة حزبية ", يصح أن نطلق تسمية " القذارة الشمولية " على كل نظام حكم شمولي وكل حزب سياسي متغوِّل يتحول فجأة من ضحية إلى جلاد, وقد أنهيا كل قانون وكل سلطة للقانون وكل سلطة للمعرفة والحريات كافة, عبر ترويض وتدجين المجتمع ومكوناته.

أردد دائماً مع الشاعر الأغريقي أرخيلوخوس : " لا أرغب أن أكون طاغية ".








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. 9 شهداء بينهم 4 أطفال في قصف إسرائيلي على منزل في حي التنور


.. الدفاع المدني اللبناني: استشهاد 4 وإصابة 2 في غارة إسرائيلية




.. عائلات المحتجزين في الشوارع تمنع الوزراء من الوصول إلى اجتما


.. مدير المخابرات الأمريكية يتوجه إلى الدوحة وهنية يؤكد حرص الم




.. ليفربول يستعيد انتصاراته بفوز عريض على توتنهام