الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


يومٌ واحدٌ كصورةٍ لِسَنَة

حازم شحادة
كاتب سوري

2014 / 6 / 24
الادب والفن


خلافاً لتوقعاتي لم يكن صباح اليوم مختلفاً عن غيره من الصباحات،، كنت قررت مساء أمس خلال نقاشي مع نفسي أن أبدأ بتغييرها قبل أن أغير العالم كما قرأت في وصية لأحد الحكماء وحين نهضت من الفراش ثم باشرت ذات الأفعال التي اعتدت أن أقوم بها رحت أقنع نفسي أن غسل الوجه وارتداء الملابس وشرب القهوة أمور لا تنطبق عليها إجراءات التغيير إذ ليس من اللائق أن أنخرط في المجتمع (الرائع) دون أن أقوم بهذه الأفعال الروتينية لكن الضرورية.
امتطيت صهوة سيارتي القحبة القديمة على أمل ألا أسمع ما يصدر عنها من أصوات حيرت أرباب مهنة تصليح السيارات معتقداً أنها ستماشي رغبة التغيير والإصلاح التي عقدت العزم على استدعائها لكن لهذه الآلة شخصيتها المستقلة بحد ذاتها ورأيها كان أن ما من داع لذلك ولتستمع كما اعتدت لسمفونية (الطقطقات) خلال رحلة الألف شتيمة إلى العمل.

بدأ القلق يساورني بخصوص قدرتي على التغيير فها هي الأفعال ذاتها تتكرر،، كان قلقي أشد من قلق بان كي مون حين وصلت ميدان مكتبي الذي يجمعني بزميلين أحدهما سوري تجاوز الستين والآخر فلسطيني على أبواب الأربعين،، لا بد أن أقوم بشيء مختلف يمهد لمسيرة التطوير والتغيير التي عقدت العزم على الشروع بها لكن من أين أبدأ،، لا بد أن أشغل الحاسوب لأراجع ما وصل من بريد إلكتروني إليه،، لا بد من رد التحية الصباحية لجاريَّ إذ ليس من المناسب أن يقول أحدهما صباح الخير ثم لا أرد له التحية بحجة أنني أمارس التغيير.
لدينا خبر لا بد من تغطيته في المنطقة الفلانية،، السائق بانتظارك،، وكالمعتاد جلست إلى جوار السائق الحباب الذي راح يقص علي سيرته النضالية في الحياة دون أن تؤتي محاولات الانشغال بالهاتف أكلها في إخراسه،، وهكذا أصل إلى المكان المنشود بعد أن أكون قد تزودت بفصل جديد من قصة حياة سائق مغترب،، بعد أن أصل،، أسجل المعلومات الأساسية عن الحدث،، أجري بعض اللقاءات،، ألتقط بعض الصور،، أغلق حقيبتي الصغيرة،، أعود أدراجي،، أحرر الخبر،، أعالج الصور،، أقوم بتسليم المادة للسكرتيرة،، السلام عليكم،، اللعنة،، أين التغيير الذي سأحدثه!

في طريق العودة إلى المنزل كانت درجة الحرارة قد تجاوزت الـ 47 درجة مئوية،، ولأن مكيف الهواء في السيارة العظيمة لا يعمل بالشكل المطلوب أفتح النوافذ وأمارس التدخين مع القيادة الحكيمة للمركبة وبذلك أكون قد أصبت عصفورين بحجر،، بالنسبة لي هذه هي نوعية العصافير التي اصيبها،، أي نعم.
انقضى نصف اليوم دون أن أغير أي شيء،، سأفكر بعد الطعام والقيلولة اليومية،، مع السيجارة يصبح التفكير أفضل،، خلايا الدماغ تتعاون مع بعضها بتأثير النيكوتين والكافيين،، تسود بينها أجواء من الراحة والمحبة والود فيصبح التفكير أفضل،، من شباك غرفتي المطل على البحر أواصل التفكير الروتيني بشيء غير روتيني سيجارة إثر سيجارة دون الوصول إلى نتيجة مقنعة مع انضواء الشمس تحت راية أبعد موجة أستطيع رؤيتها.
في ذهني تمر جميع الأماكن التي يمكن أن أقصدها والتي كنت أقصدها سابقاً،، أتخيل نفسي واقفاً أمام برج دبي العظيم،، أشاهد النافورة الراقصة وأطالع مؤخرات السائحات تتأرجح ذات اليمين وذات الشمال،، سئمت،، أتخيل نفسي على شاطئ الممزر أو الجميرة أو (الـ جي بي آر) متأملاً نهود السابحات تتمايل بلا شفقة أو رحمة،، وما الفائدة؟ أتصور نفسي في حانة من تلك الحانات التي تضم بين جنباتها مومسات من شتى بقاع الأرض،، حسناً،، وماذا بعد؟ عشرات الأماكن التي يمكن أن أكون فيها الآن كما كنت خلال الأعوام الماضية،، لا ينتابني تجاهها سوى القرف والملل والحقد،، تجاوزت الساعة العاشرة ليلاً وأنا ما برحت مكاني وعوضاً عن كل ذلك استعنت بصديقي الأمريكي جون شتاينبك الحاصل على نوبل للآداب عام 1962 ورحت استمع إليه من خلال صوتي وهو يشرح في روايته (عندما فقدنا الرضا) شيئاً من فقداني أنا للرضا.

ساعتان بعد منتصف الليل،، لا يقطع صمت الهدوء المطبق سوى أصوات بعض السيارات وسعالي،، خلافاً لما كنت أتوقع،، انتهى هذا اليوم كغيره من الأيام،، وسينتهي غيره مثله،، لا أدري أهي لعنة فقدان الرضا التي تحدث عنها جون ما يسبب لي هذا الضياع أم شيء آخر،، قبل أن أرقد أشعلت سيجارة ما قبل النوم مستسلماً لفوات فرصة إحداث أي تغيير أبتدئ من خلاله مسيرة التغيير والتطوير لكن ما لم يكن بالحسبان حدث في الوقت الإضافي من مباراتي هذا اليوم مع القدر.

بربكم تصدقون أن شيئاً قد حدث؟! كنت أضفي على القصة بعض التشويق المبتذل كعادة الكتاب،، بعد أن دخنت سيجارة ما قبل النوم،، نمت،، وفي اليوم التالي حدثت ذات الأشياء تقريباً،، وفي اليوم الذي بعده،، وبعده،، باختصار شديد،، هو يوم واحد كصورة لسنة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أغنية خاصة من ثلاثي البهجة الفنانة فاطمة محمد علي وبناتها لـ


.. اللعبة قلبت بسلطنة بين الأم وبناتها.. شوية طَرَب???? مع ثلاث




.. لعبة مليانة ضحك وبهجة وغنا مع ثلاثي البهجة الفنانة فاطمة محم


.. الفنانة فاطمة محمد علي ممثلة موهوبة بدرجة امتياز.. تعالوا نع




.. هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية