الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المفارقة في القصة القصيرة جدا

محمد يوب

2014 / 6 / 24
الادب والفن


المفارقة في القصة القصيرة جدا
أ‌- المفارقة لغة و اصطلاحا
القصة القصيرة جدا من حيث هي مادة لغوية،لا تطابق الواقع المادي ولا تحاكيه،بل تفارقه؛وحركة المفارقة هي حركة نمو وتطور لا توازي الواقع فتحلق فوقه كالظل يواكب صاحبه؛بل تنمو وتنهض على حد صراعي هو حد التناقضات.
ولا يتحقق البناء السردي في تجربة القصة القصيرة جدا إلا عبر كوة المفارقة؛وقبل الخوض في الموضوع لابد من تعريف مفهوم المفارقة "L’ironie"؛فهي اسم مفعول من "فارق" ويقال:فارق الشئ مفارقة وافتراقا أي باينه؛وفارق الرجل امرأته مفارقة وفراقا:بَاينها وافترق عنها.و الفرقان بمعنى القرآن وهو كل ما فرق بين الحق و الباطل.
وفي الاستعمال الاصطلاحي لم ترد بنفس اللفظ وإنما وردت بمعان أخرى منها "التعريض" و"التشكك"و"المتشابهات"و"تجاهل العارف"و"تأكيد المدح بما يشبه الذم"و"تأكيد الذم بما يشبه المدح"
أما في الدراسات الغربية فقد جاء في "معجم أكسفورد المختصر" بأن "المفارقة هي أن يعبر المرء عن معناه بلغة توحي بما يتناقض هذا المعنى أو يخالفه؛ولا سيما بأن يتظاهر المرء بتبني وجهة نظر الآخر؛إذ يستخدم لهجة تدل على المدح؛ولكن بقصد السخرية أو التهكم؛وإما هي حدوث حدث أو ظرف مرغوب فيه؛ولكن في وقت غير مناسب البتة؛كما لو كان في حدوثه في ذلك الوقت سخرية من فكرة ملاءمة الأشياء؛وإما هي استعمال اللغة بطريقة تحمل معنى باطنا موجها لجمهور خاص مميز؛ومعنى آخر ظاهرا موجها للأشخاص المخاطبين أو المعنيين بالقول"
فالمفارقة بهذا المعنى هي فن قول شئ دون قوله حقيقة؛أي أننا في المفارقة نتوصل إلى فهم المعنى المقصود وليس من خلال ما يدل عليه لفظا؛بل بما يكمن في اللفظ الذي قيل من معنى لم يدل عليه القول.
إنها تؤدي المعنى الدقيق وتحدث أبلغ الأثر بأقل الوسائل تبديرا؛و ذلك بخلق بنيات أو مسارات يحكمها التناقض والاختلاف؛حيث يحيل الضد على ضده فيضيئه دلاليا؛كأن يضيئ الموت الحياة والمر الحلاوة و السواد البياض....
أي أنها تتمثّل في أوجه التّناقض والتّضاد في عﻼ-;-قات وأطراف يجب أن تكون متوافقة، وكذلك فيما يظهر لنا عكس حقيقته، حيث نرى العبث في الجد، والزيف في الحقيقة،ولهذا تتّصل المفارقة في كثير من صورها بالتّهكم والسخرية والدهشة واﻷ-;-لم واﻹ-;-حساس بالفجيعة والمأساة؛و المفارقة تسير عكس أفق انتظار المتلقي،فتصدمه بقفلتها المدهشة؛إن القاص ينتقي كلماته وعباراته في اتجاه تقابلي؛يقوم وينهض على الدينامية و الحياة في نسيج الجملة القصصية.
ب‌- أنواع المفارقة
قسم ميويك المفارقة إلى قسمين:
1- المفارقة اللفظية
2- مفارقة الموقف
أما المفارقة اللفظية فهي نمط كلامي؛أو طريقة من طرائق التعبير يكون المعنى المقصود فيها مناقضا أو مخالفا للمعنى الظاهر،وهي نمطان؛أطلق على الأول أسلوب "الإبراز" وعلى الثاني أسلوب "النقش الغائر".
أما مفارقة الموقف؛فقد قسمها إلى خمسة أقسام هي:
- مفارقة التنافر البسيط
- مفارقة الأحداث
- مفارقة الدرامية
- مفارقة خجاع النفس
- مفارقة الورطة
وقد قسم المفارقة من ناحية درجاتها إلى ثلاث درجات:
- المفارقة الصريحة
- المفارقة الخفية
- المفارقة الخاصة
كما قسمها من ناحية طرائقها وأسليبها إلى أربعة أقسام هي:
- المفارقة اللاشخصية
- مفارقة الاستخفاف بالذات
- المفارقة السادجة
- المفارقة الممسرحة
والقاص لا يكتب القصة القصيرة جدا من أجل التفنن في اختيار الكلمات؛وما تحدثه من جمالية وشعرية آسرة؛وإنما يكتبها من أجل تبليغ رسالة معينة؛فيها حمولة معرفية ورؤية إلى العالم؛حيث الخطاب القصصي القصير جدا بقدر ما يستحضر رونق وجمال الكلمة البليغة بقدر ما يغوص في باطن الشخصية كاشفا عن أغوارها؛مقربا صورتها من القارئ.
ففي قصة كعكة للقاص عبد الرحيم التدلاوي نرى الكلمات تترحك في فضاء القصة القصيرة جدا لترسم مشهدا مفارقا استهله القاص بالاحتفاء العائلي بمناسبة خروج الأب من المشفى لكن النهاية كانت حزينة ضد ما كان يتوقعه القارئ حيث لم تعد كعكة الفرح هي موضوع القسمة وإنما كعكة التركة هي محل القسمة بين الإخوة المجتمعين حول جثمان الوالد
"اجتمع الأبناء بالمنزل للاحتفاء بقرب خروج أبيهم من المشفى....هيأوا كعكة لإكمال الفرحة...رن الهاتف لقد غادر الحياة...سارعوا إلى التهام التركة..."
فالقصة القصيرة جدا اعتمدت هنا على ما يسمى بالمتوازيات وهي تقنية اقتبستها القصة القصيرة جدا من مجال الرياضيات،وهي طريقة تعتمد على السرد المتوازي في القصة الواحدة،فنرى هذا النص القصير جدا قد احتوى قصتين نقرؤهما في وقت واحد؛قصة الاحتفال بشفاء الوالد وقصة تقسيم التركة وهي مفارقة اعتمد فيها القاص السرد المتوازي،على اعتبار أن القصة القصيرة جدا بمتابة متوالية سردية فيها نقطة الانطلاق و نقطة الانزياح حيث تتعقد القصة القصيرة جدا وتبدأ تبحث عن حل مناسب لها؛ثم تنتهي بعد ذلك بنهاية وغالبا ما تكون القفلة عكس ما يتوقعه القارئ و هنا تكمن المفارقة.
إنه التوازي المحسوس الذي يلجأ إليه عبد الرحيم التدلاوي في قصصه القصيرة جدا،لكنه تواز يتكامل فنيا لخدمة القصة القصيرة جدا لديه،ومن ثم يمكننا أن نصف هذا التوازي بالتوازي المتصل،وليس المنفصل،لأنه اتصال ينبع من ارتباط وثيق بجو القصة القصيرة جدا وشخصياتها المفترضة المضمرة في الكلمات،إنه تواز يصل إلى حد الامتزاج و التآلف ليقدم وحدة واحدة هي القصة القصيرة جدا كما تقدمها طاقة التدلاوي الفنية.
والتوازي لدى التدلاوي يتكامل بوضوح حين نراه يأخذ بتعميق مستويين أو عدة مستويات أخرى في قصصه القصيرة جدا فضلا عن التوازي المحسوس...إننا نشعر بالمستوى النفسي يتوازى مع المستوى الاجتماعي،و المثال على ذلك واضح في قصة فضيحة التي تكشف عن نفسية العريس ليلة الدخلة وفضيحة العروس عندما وجدها قد فقدت بكارتها الشئ الذي ترفضه المجتمعات العربية
"هو لاعب ماهر...رائع التسديد...قضى ليلة دخلته يراوغ بحثا عن ثغرة لتسديدة الانتصار...في الصباح،وأمام الصحافيين،أعلن أن الكرة مفرغة الهواء" فضيحة وغيرهما من القصص، ونرى التوازي قائما في التصوير أيضا حين يصور الأحداث العادية متوازية مع تصوير الخلفية الاجتماعية و الخلفية النفسية.
إن التوازي لدى التدلاوي ينبئ عن دقة فنية،أو حرفة مقننة في مجال القصة القصيرةجدا،فلا يكتبها كهاو يريد أن يملأ مساحات من الورق،ولا ينسجها من باب الترف الذي يمارسه بعض الكتاب حين يرون في القصة القصيرة جدا نوعا من الكتابة السهلة،إنه يعتبرها نوعا من الفن القائم على العلم و الدراسة فضلا عن الموهبة والخبرة التي اكتسبها بحكم دراسته لتقنيات كتابة القصة القصيرة جدا الحداثية.
فجملة واحِدة " سارعوا إلى التهام التركة " تعبّر عن الفكرة، وتنقل لنا المعنى نقلا لا يخلو من تصوير، وهذه هي بلاغة التكثيف؛ففي هذه الجملة سيل من المعاني التي تتداعى حرة في ذهن المتلقي؛يتخيلها في مخياله الذهاني؛ويترجمها إلى مجموعة من الدلالات؛تختلف باختلاف مستويات التلقي و التأويل. ففي هذه الجملة القصصية سلسلة من المحمولات المتباعدة، أوْ المُتمحْورَة حول شيءٍ واحد، لكنَّها بالرغم من تباعدها فإنها تلقي الضوء على مغزى تلك المحمولات. إنها تكتنز فيها الدوال اكتنازاً خصباً وتلتئم على شبكة من القيم والمعاني والإشارات والعلامات والرموز تتداخل فيما بينها على نحو حيوي متوالد.
محمد يوب
ناقد أدبي








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عمرو يوسف: أحمد فهمي قدم شخصيته بشكل مميز واتمني يشارك في ا


.. رحيل -مهندس الكلمة-.. الشاعر السعودي الأمير بدر بن عبد المحس




.. وفاة الأمير والشاعر بدر بن عبد المحسن عن عمر ناهز الـ 75 عام


.. الفلسطينيين بيستعملوا المياه خمس مرات ! فيلم حقيقي -إعادة تد




.. تفتح الشباك ترجع 100 سنة لورا?? فيلم قرابين من مشروع رشيد مش