الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تزييف الوعى والثورات الشعبية

نوال السعداوي
(Nawal El Saadawi)

2014 / 6 / 25
مواضيع وابحاث سياسية


شاهدت جون كيرى وزير الخارجية الامريكى (على الشاشة) يتكلم فى المؤتمر الصحفى بالقاهرة يوم الاحد 22 يونيو 2014، ويقول إن الولايات المتحدة غير مسئولة عما يحدث فى العراق أو ليبيا، وأنها بذلت الكثير من أجل "إنقاذ" الشعب من الديكتاتور، ثم تركت الشعب حرا ليجرى الانتخابات الديمقراطية ويختار حكامه واليوم تحاول إنقاذ الشعب العراقى وشعوب المنطقة من خطر الإرهاب الخطير الذى تمثله "داعش"، ولا يهمها إلا أن ينجح الشعب العراقى فى توحيد صفوفه ويتخلص من الارهاب ويختار حكومته ديمقراطيا، وأن يحدث ذلك لكل شعوب المنطقة.
صوت جون كيرى كان يرن قويا، ويوحى لمن يسمعه أنه صادق ومخلص للشعب العراقي، أكثر من الشعب العراقى نفسه، ومخلص للشعب الليبى والسورى والمصرى وكل شعوب المنطقة أكثر من إخلاص الشعوب لنفسها، كان واقفا بجسمه الطويل الممشوق وشعره اللامع الكثيف ونبرته الأمريكية القوية المتعالية، كأنما ينطق الحقيقة الالهية المطلقة.
لو أنه ممثل من الدرجة الأولى فى فيلم أمريكى حائز على الأوسكار لما أتقن دوره بهذا الشكل، ولما دوى صوته بهذه القوة والثقة المطلقة، رغم علمه أنه يكذب وجميع من يستمعون اليه فى مصر والعالم أجمع يعلمون أنه يكذب، وأن الحرب الطائفية هى إحدى نتائج الاحتلال الأمريكى للعراق وأحد أهدافه الرئيسية. فالخطة الأمريكية الأصلية تشمل تقسيم شعوب المنطقة وليس توحيدها، وإنقاذها، بل إغراقها، فى وحل الفتن الدينية والحروب الأهلية هكذا يزيف الأقوياء الوعى والتاريخ.
وتحت اسم المساعدات يثبت الاستعمار الامريكى أقدامه فى البلاد، ويقول جون كيرى "تريد الولايات المتحدة الامريكية ضمان أن الاموال التى تدفعها لمصر، والتى هى فى الأساس أموال دافعى الضرائب، يتم صرفها بصورة يرضى عنها الامريكيون".
معنى ذلك أن الشعب الامريكى يدفع لمصر مساعدات مالية من عرقه وتعبه، يدفعها من الضرائب التى يسددها للحكومة الأمريكية سنويا، ومن حقه أن يعرف كيف يتم صرف هذه المساعدات، وهل يتم صرفها بصورة يرضى عنها الامريكيون؟.
لم يكن الاستعمار البريطانى القديم بهذا الوضوح والصراحة، كان يستعبدالشعب المصرى ويسرق قوته وعرقه ودمه تحت اسم "الحماية"، وهى كلمة إنسانية رقيقة مزيفة، كانت تستخدم فى السياسة لطمس الهيمنة الاستعمارية المطلقة على الشعوب، وكانت تستخدم فى العلاقات العاطفية والزوجية، لطمس السلطة الذكورية المطلقة على النساء. وقد تطورت اللغة السياسية والعاطفية والزوجية مع تطور تكنولوجيا الاعلام والخداع، وأصبحت "الحماية" هى "الانقاذ" أو "الصداقة" أو "الشراكة" وغيرها من كلمات الحب الجميلة، ويتم تزييف الوعى بتاريخ ثورات الشعوب ضد الاستعمار الخارجى والاستبداد الداخلي، فالأقوياء أصحاب المال والسلاح، والاعلام يكتبون التاريخ كما يشاءون، ويبطشون وينهبون كما يشاءون. ألم تغزو الولايات المتحدة العراق وليبيا وتستولى على مواردهما، تحت اسم إنقاذ الشعب من الديكتاتور؟.
وثورة الشعب المصرى (عام 1919) بكل طبقاته وفئاته المقهورة ألم تصبح فى التاريخ ثورة الباشاوات أعضاء حزب الوفد على رأسهم سعد زغلول باشا، الذى صعد الى الحكم على دماء الشعب وأرواح الشباب، فإذا به يحتكر الزعامة والقرار، ويتهم الشباب الثائر بالرعونة وعدم النضج، بل انقلب ضد زملائه فى حزب الوفد الذين خالفوه الرأي، لكنه كان يمتلك القوة والسلطة والتاريخ، ويقف تمثاله فى قلب القاهرة يطل على نهر النيل، رغم ما فعله لإجهاض الثورة وتشريد أبطالها وإعادة مصر للخضوع للاستعمار البريطانى والحكم الملكى المستبد الفاسد.
أما ثورة يوليو 1952 فقد مهدت لها دماء الشعب المصرى من الشباب وطلبة الجامعات، الذين ثاروا ضد الملك والاحتلال البريطاني، وامتدت مظاهراتهم على مدى السنوات منذ إلغاء المعاهدة مع الانجليز عام 1936، أكبرها المظاهرة الشعبية الصامتة فى نوفمبر 1951، والتى شارك فيها الشعب المصرى بجميع طوائفه وفئاته نساء ورجالا وشبابا وأطفالا، وسافرت كتائب الفدائيين من الشباب إلى القنال فى حرب العصابات ضد الانجليز وكادت تنتصر عليهم لولا خيانة حكومة الملك فاروق وتعاونها مع الانجليز فى حريق القاهرة 26 يناير 1952، وإجهاض العمل الفدائى وضرب الثورة الشعبية؟.
ألم نشهد الانتفاضة الشعبية فى يناير 1977 التى تحولت بأمر حكومة السادات إلى انتفاضة الحرامية؟ ثم تكررت مأساة تزييف الوعى والتاريخ، حتى ثورة يناير 2011، ألم يحدث لها ما حدث لغيرها فى التاريخ المصرى الحديث والقديم، منذ أول ثورة شعبية ضد الإقطاع منذ ستة آلاف عام، مرورا بالثورات الشعبية المتكررة ضد الاستعباد الداخلى والخارجي؟.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تزييف
ناس حدهوم أحمد ( 2014 / 6 / 24 - 23:09 )
العالم منقسم إلى دول منها من هي قوية مؤثرة ومنها من هي دول فقيرة وضعيفة . والأقوياء يلعبون أدوارهم التي تصب في تثبيت مصالحهم وتقوية نفوذهم على حساب الدول المستضعفة التي تتعرض للإستغلال ونهب خيراتها . ومن ضعفنا كعالم متخلف ضعيف تستمد الدول القوية قوتها وجبروتها على حسابنا وبؤسنا . فأمريكا كقوة عظمى هي من تزرع الفتنة وثقافة التقسيم لتجني الأرباح الخيالية من بيع سلاحها وعتادها . لكننا نحن العرب علينا أن نلوم نفسنا لأن ما حك جلدك مثل ظفرك .


2 - لا رومانسية في العلم
عماد عبد الملك بولس ( 2014 / 6 / 25 - 12:54 )
تحياتي سيدتي

مصيبة هذه المنطقة التعيسة من العالم أنها تخلط الأعمال بالنيات و الأفعال بالأصوات و النبرات، السياسة عِلم، و من لم يتعلمها سيخطئ فيها بالضرورة، و النيات الطيبة لن تساعد إلا في فداحة الخسائر

أمريكا تتكلم عن علاقة الرجل بعاهرات لابد أن يجدها إن احتاجها، خاصة إن كانت تسكن قريبا من مناطق اهتمامه، و نحن نتكلم عن الحب و الدفء المقدس في الزواج، خطؤنا أننا لا نفهم، و ليس خطأ الزبون

و أخيرا، فمن ترغب في الزواج بهذه الطريقة، ستتحول إلي عاهرة بالضرورة، فقط إن كانت لا تعلم لا تفهم

أما شعوبنا، ففيها كثيرون ممن يختبئون في ثياب أولاد البلد، و في الواقع هم إما سماسرة جهلاء أغبياء أو محض قوادين، و المصيبة أن هؤلاء هم معظم النخبة

عفوا و شكرا


3 - فاشلين
عراقي ( 2014 / 6 / 25 - 18:06 )
سيدتي حتى بالكذب هم فشلوا فعندما اقدمو على جريمتهم باحتلال العراق كانت الحجة اسلحة الدمار الشامل المزعومة وهذه الكذبة لم تصمد كثيراً فتحولت بقدرة امريكي الى تخليص الشعب من الدكتاتورية

اخر الافلام

.. أبرز القضايا التي تصدرت المناظرة بين بايدن وترامب


.. الرئيس الأميركي جو بايدن ومنافسه ترامب يتبادلان الاتهامات بع




.. هل يتنحى بايدن؟ وأبرز البدلاء المحتملين


.. توثيق اشتباكات عنيفة في رفح جنوبي قطاع غزة




.. آيزنكوت: يجب على كل الذين أخفقوا في صد هجوم السابع من أكتوبر