الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العراق .. البحث عن نقطة التوازن

محسن حبيب فجر
(Mohsen H. Fagr)

2014 / 6 / 25
مواضيع وابحاث سياسية


ما من مشكلة الا ولها حل يرتكز، فيما لو أُريدَ له ان يكون صحيحا وضامنا للقضاء عليها، على الاعتراف بوجودها اولا ثم الدقة في تشخيص ماهيتها وابعادها ثانيا وكذلك على استشراف النتائج التي يمكن ان تترتب على بقائها دون حل ثالثا.
وما يمر به العراق هذه الأيام من اضطراب يمثل التحدي الأكبر الذي واجهه منذ تأسيسه ورسم خارطته الحالية على اثر تقسيم الإرث العثماني ولحد الآن. فبالاضافة الى مشاركته للعديد من دول اقليمه الاكتواء بلعنة الشرق الأوسط، المتمثلة في تغييب إرادة الشعوب عن رسم مسيرتها ثم الدخول في اللعبة العالمية والتمحور حول احد قطبي القوة في العالم دون اخذ مصلحة الجماهير بنظر الاعتبار، الا انه يكاد ينفرد بما يمكن ان يشكل لعنة ابدية ما لم يتم التوقف عنده والاعتراف بوجوده ووضع الآليات الملائمة للتعامل معه، ذلك هو التمايز الطائفي بين عربه تمايزا طالما تعكز عليه الحكام وغذوه ذودا عن كرسيهم، مضافا الى اجتراره من حين لآخر كل مشاكل التاريخ وتعقيداته.
ومخطئ من ينظر الى التمايز الطائفي بين الكتلتين العربيتين الاكبر في العراق، الشيعة والسنة، على انه هو المشكلة او اساس المشاكل التي مر وسيمر بها العراق. لان الاختلاف امر بديهي نابع من الطبيعة الانسانية على مستوى الافراد والمجتمعات يمثل الاصرار على رفعه او الغائه ضرب من الوهم واضاعة للجهد دون طائل، بل كثيرا ما يؤدي ذلك الاصرار الى نتائج على عكس المرجو منه. ولو لم يكن التمايز الطائفي موجودا فان امورا اخرى غيره ستحل محله لخلق حالة التمايز كل حسب مقاساته الخاصة. وتاريخيا، فيما لو كانت الطائفية مشكلة، لما استدعى الخليفة العباسي المستكفي (السني) البويهيين (الشيعة) لدخول بغداد وتخليصها من هيمنة الاتراك (السنة) سنة 945م ثم تلقيبه لكبيرهم، علي بن بويه، بمعز الدولة. ولو ان هذا التمايز يمثل مشكلة لما سكت سنة بغداد آنذاك عن هيمنة الشيعة على الدولة خصوصا وانهم ينتمون للمذهب الحنبلي المعروف تاريخيا بالتشدد المذهبي. بل اكثر من ذلك، واجه البويهيون مشاكل في العراق كان شيعته من اثارها في وجوههم كبني مزيد وبني حمدان. لكن يبدو ان هذا التمايز تم استخدامه كسلاح، واثبت فعاليته، في الصراع العثماني الصفوي للسيطرة على العراق، متحولا بذلك الى اداة سهلة ظل الطامعون بالعراق يستخدمونه ويطورونه على مر الزمان.
فمشكلة العراق الاساسية اذن لا تكمن في التمايز الشيعي السني بين العراقيين وانما مشكلته، بل ام مشاكله، تكمن في الصراع على السلطة فيه من قبل اطراف لا ترى في اهله سوى اداة تستخدمها بكل صلافة لتحقيق مكاسبها التي كثيرا ما تتقاطع مع حقوق المجتمع الطبيعية في تسخير ثروات بلده لنيل الامن والاستقرار والرفاه والرقي.
كما انه ليس من الصحيح ايضا النظر الى الحراك المسلح الذي تشهده المناطق السنية هذه الايام على انه هو المشكلة، بل يلزم التعامل معه على انه نتيجة من نتائج المشكلة آنفة الذكر.
ويبدو ان التجربة الديموقراطية بعد نيسان 2003 لم تكن بمعزل عن سابقاتها من انماط انظمة الحكم التي مورست في العراق حيث تشاركت جميعها بهيمنة مزاج الحكام وتغييب الجماهير واجبارها او استدراجها للانقياد للطبقة الماسكة بالسلطة عبر تأزيم الاوضاع وعدم فسح المجال للجماهير لتعبر عن غاياتها في اجواء هادئة مستغلة في سبيل ذلك ما يوفره التمايز، فيما لو تمكن الساسة من تغذيته وترسيخه، من امكانيات كبيرة لتفكيك وحدة المجتمع وتشتيت قواه، خصوصا ما كان مبنيا منه على اساس ديني كالتمايز الشيعي السني في المجتمع العراقي.
ان استغراق الطبقة السياسية، السنية والشيعية، في الفساد السياسي والمالي في عراق اليوم واستشراءه بدرجة مخيفة هو دليل واضح على ان هذه الطبقة مفصولة عن المكونات التي تدعي الانتساب اليها وتمثيلها ورعاية تطلعاتها، في حين لم يجن العراقيون منها سوى نهب ثرواتهم وارخاص دمائهم في دوامة صراع تم ايهامهم على انه صراع مكونات، في حين ان لا نصيب لهم فيه سوى الاستغراق في الضياع والهزيمة المتلونين بالوان اثبات الوجود وارغام الانوف والانتصارات المزيفة.
ولكي ينطلق العراقيون في معالجة مشكلتهم، فان عليهم ان يبادروا اولا الى تحديد نقطة التعادل او التوازن التي يتساوى عندها شيعتهم وسنتهم في حساب الربح والخسارة والانتصار والهزيمة والقهر والغلبة بينهما. عند نقطة التوازن هذه، يمكن للطرفين ان ينفتح احدهما على الآخر للتحاور والتفاهم في مستوى واحد مما يسهل عليهما امكانية الوصول الى الحل على عكس ما اذا تحاورا من مستويين مختلفين.
وفي ظل التشنج الحالي وغلبة صوت الرصاص على صوت العقل، ولجوء الطرفين الى الخنادق، فلابد من البحث في البواعث التي دفعت سنة العراق الى الاحتكام للسلاح ومعرفة ما يرتجونه من نتائج لاحتكامهم هذا، ثم مقايسة كل ذلك بتحركات مماثلة للشيعة في الامس العراقي القريب لتحديد نقطة التعادل التي ستوضح لكليهما ان لا سبيل امام أي منهما لالغاء الآخر او قهره، وان خيار الحياة والعيش الهانئ الكريم يتنافر بطبيعته مع ارخاص الدماء والتهاون فيها وان الدول تبنى بالعدل والانصاف لا بالظلم والاعتساف.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إسرائيل اقترحت على السلطة الفلسطينية بشكل غير رسمي المشاركة


.. قراءة عسكرية.. القسام تنشر مشاهد لاستهداف جنود وآليات شرق مد




.. احظروهم 2024.. حملة لحظر المشاهير الصامتين عن الحرب الإسرائي


.. الدفاع المدني اللبناني: استشهاد شخص وإصابة اثنين في غارة على




.. الجزيرة ترصد تفاقم معاناة ذوي الإعاقة خصوصا الصم والبكم جراء