الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


آفاق الديمقراطية في البيئة الصراعية العربية

عبد المجيد إسماعيل الشهاوي

2014 / 6 / 26
مواضيع وابحاث سياسية


ليس من شك في أن المشهد العربي الراهن القائم على كلا شقي الصراع المبطن والمعلن بين قوى الطائفية والمذهبية الدينية من جهة وقوى الجيوش الوطنية العربية في المقابل لا يسر أغلب منظري ونشطاء الديمقراطية العرب، ولا ينبئ بحال من الأحوال عن إمكانية إنبات الأخيرة وسط مثل هذه البيئة الصدامية، الإقصائية، العنيفة والمقفرة ديمقراطياً؛ فكما أن عداوة التيار الديني للديمقراطية والتعددية والخصوصية والحريات الفردية صريحة ومعلنة، كذلك لا يمكن أن يعول بحال على أن تكون العسكريات العربية هي الجسر الآمن الذي تعبر من فوقه مركبة الديمقراطية. حسب شهادة الواقع التاريخي قديماً وحديثاً في بلدان متعددة عبر المنطقة وحول العالم، ليس ثمة قوى مجتمعية منظمة أكثر توجساً وكرهاً وعداءً إزاء الحريات الشخصية والتوجهات الديمقراطية من المؤسسات والقوى الدينية والعسكرية. هل، رغم ذلك، لا يزال ثمة بصيص من أمل في إنقاذ آمال الديمقراطية من أنياب هذين الفكين الكاسرين؟

قبل الإجابة عن هذا السؤال يجب التأكيد على أن العملية الديمقراطية هي في جوهرها تنويعة من تنويعات الصراع على الأصعدة المختلفة من سياسية واقتصادية واجتماعية، وإبداعية وفكرية ورياضية...الخ؛ لكن الصراع الديمقراطي يمتاز على غيره من أنواع الصراعات الأخرى، خاصة التقليدية منها ذات الطبيعة الإقصائية العنيفة الدائرة حالياً داخل وعبر دول المنطقة، في كونه صراع سلمي، الذي يكسبه تسمية مميزة تبعده عن تلك الصراعات البدائية- ’التنافس‘. فبدلاً من استخدام أسلحة القتل والتدمير كوسائل رئيسية في الصراع على الفوز بالنفوذ والسلطة، توفر الديمقراطية قواعد لعبة متحضرة ومسالمة للوصول إلى الغاية نفسها، دون حاجة إلى سفك للدماء أو تهديد للسلم والرخاء المجتمعي. في وضع ’الصراع‘ تستخدم وسائل القوة والعنف، لكن في وضع ’التنافس‘ تستخدم وسائل السلم والرفاه، ومن ثم دائماً ما تعرف العملية الديمقراطية بكونها تنافس سلمي وصحي على السلطة بعيداً عن الصراع وأدواته العنيفة والهدامة.

إذن، في ضوء ما سبق، الصراع العنيف في حد ذاته يمكن أن يشكل قاعدة أولية تتأسس فوقها العملية الديمقراطية، لكن بشرط توفر الإمكانية أولاً لتحويله في الوقت المناسب وتحت الشروط المواتية إلى التنويعة السلمية- التنافس. وحتى تتوفر هذه الإمكانية لتحويل الصراع إلى تنافس، لابد من ضمان استمرار هذا الصراع والحيلولة دون حسمه بالضربة القاضية لصالح طرف ضد الآخر؛ لابد من الوصول بوضع الصراع الإقصائي العنيف إلى نقطة ’توازن الرعب‘، التي يصل عندها كل طرف إلى قناعة تامة باستحالة أن يفرض إرادته بالقوة أو أن يقضي بوسائل العنف على الآخر؛ عندئذ تفقد وسائل العنف قيمتها ويبدأ التفكير في وسائل أخرى ذات جدوى أكبر وكلفة أقل لبلوغ غاياته. هنا يجب أن يجد الوسائل الديمقراطية السلمية تحديداً هي المطروحة والمتاحة والأقرب والأيسر والأجدى له. وهذه، على وجه الخصوص، هي مهمة منظري ونشطاء الديمقراطية.

كحالة إيضاحية، عقب 25 يناير 2011 كان منظرو ونشطاء الديمقراطية المصريون قد نجحوا في صقل وإتاحة العملية الديمقراطية كوسيلة سلمية مجدية للتنافس على السلطة والفوز بها. وبالفعل قبلت بقواعدها جميع الأطراف، حتى الأشد رفضاً وتكفيراً لها في السابق من المنتمين لتيار الإسلام السياسي. لكن بعد قليل من واقع الممارسة الفعلية، تأكد لهؤلاء المنظرين والنشطاء في مصر أن أنصار الإسلام السياسي بقيادة الإخوان المسلمين قد عملوا بعد فوزهم ديمقراطياً بالسلطة على تحقيق ذات الأهداف الهدامة المرجوة من اللجوء إلى الصراع العنيف: التخلص بالضربة القاضية من الطرف الآخر المهزوم في الانتخابات. الديمقراطية تستند في الأساس على درجة معقولة من توازن القوى بين الأطراف المتنافسة. فإذا انعدم هذا التوازن انعدت بالضرورة فرص الديمقراطية، حتى لو بقيت الآلية الديمقراطية الشكلية عاملة بكامل قوتها وفي أحسن صورتها.

ضد هذا الوضع تحديداً- فرض الإرادة بالقوة وإقصاء الآخرين ولو بالوسائل الديمقراطية السلمية- انقلب منظرو ونشطاء الديمقراطية المصريون ضد الإخوان المسلمين ونجحوا بالتنسيق مع مؤسسات الدولة في إسقاطهم من السلطة. لكن مع تغير معادلة الصراع الآن لصالح الدولة، خاصة مؤسستي الجيش والقضاء، ضد الإسلام السياسي يصبح لزاماً على منظري ونشطاء الديمقراطية المصريين العمل على منع حدوث خلل حاد في توازن القوى يوصل إلى إقصاء الإسلاميين- كمكون أصيل وعميق وواسع الانتشار من مكونات المجتمع المدني- بالضربة القاضية من معادلة النفوذ والسلطة. النصر الحاسم في هذا الصراع لصالح مؤسسات الدولة الرسمية ضد قوى المجتمع المدني، ومن بينها الإسلامية بالطبع، سوف يوصل حتماً إلى وضع تنفرد فيه مؤسسات الدولة الرسمية بالنفوذ والسلطة وتفرض إرادتها بالقوة على سائر المنظمات غير الحكومية والمجتمع المدني، كالذي قد جربته وعانت منه مصر منذ ثورة 1952 حتى ثورة 2011.

كما نجح منظرو ونشطاء الديمقراطية المصريون في حماية مؤسسات الدولة الوطنية المصرية من مساعي الإسلاميين المسعورة لتقويضها بعد 25 يناير، عليهم الآن أن يقفوا الموقف ذاته ضد محاولات الدولة القضاء على الإسلاميين والانفراد بالنفوذ والسلطة. توازن القوى هذا يعد شرطاً ضرورياً لاستمرار الصراع، حتى لو كان من النوع الصدامي العنيف والدموي في هذه المرحلة؛ والوصول من هذا الصراع إلى نقطة توازن الرعب يعد شرطاً ضرورياً مسبقاً لإقناع كل الأطراف بعدم جدوى استعمال العنف في تحقيق الأهداف. هكذا تستطيع قوى الديمقراطية، مهما كانت صغيرة وضعيفة مقارنة بالقوى التقليدية الأخرى، أن تلعب دوراً حاسماً كرمانة ميزان الصراع طالما ظل مشتعلاً، ثم دور الطليعة الديمقراطية المعلمة والمرشدة حالما يضع الصراع أوزاره في نتيجة مجموعها عدم فوز أحد وعدم هزيمة أحد، ويأس الكل من جدوى العنف.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - آفاق
ناس حدهوم أحمد ( 2014 / 6 / 26 - 16:56 )
صحيح أن الديمقراطية هي لعبة التنافس الشريف والسلمي ونبذ العنف . لكن حينما يكون المجتمع متأصلا ومتجدرا فيه العنف سواء من هذا الطرف أو ذاك فإن اللعبة الديمقراطية تكون فاشلة . وذلك ما يحدث دائما عندما يتغلب طرف على آخر . فتستأنف لعبة العنف من جديد وذلك ما حدث بعد ثورة يناير فقد تبين الشعب المصري عدم صدقية الإخوان في مشاركتهم في الديمقراطية ولهذا خرجت ثورة أخرى تصحيحية بأكثر قوة من سابقتها . ولهذا كان من الأفضل قبل خوض اللعبة الديمقراطية بناء الإنسان الديمقراطي أولا . وهذا ما لم يتم . فدخل المجتمع في تصدع خطير حيث تجندت العصابة الإخوانية من أجل ترهيب المجتمع بنشر الفوضى وإضرام النار في المؤسسات وقتل حراس الأمن والتهديد بتدمير المجتمع . وحاليا بعد أن تم استرجاع هيبة الدولة ومحاكمة المتهمين بالإرهاب وجب على الدولة أيضا أن لا تسلك نفس النهج العنيف واحلال العدالة والتسامح الإيجابي الذي من الممكن أن يعطي ثماره .

اخر الافلام

.. محمد الصمادي: كمين جباليا سيتم تدريسه في معاهد التدريب والكل


.. متظاهرون يطالبون با?لغاء مباراة للمنتخب الا?سراي?يلي للسيدات




.. ناشطة بيئية تضع ملصقاً أحمر على لوحة لـ-مونيه- في باريس


.. متظاهرون مؤيدون للفلسطينيين يهتفون -عار عليك- لبايدن أثناء م




.. متظاهرون يفاجئون ماثيو ميلر: كم طفلاً قتلت اليوم؟