الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سفينة نوح كونية!

جواد البشيتي

2014 / 6 / 26
الطب , والعلوم


جواد البشيتي
نحن أبناء القرن الحادي والعشرين نَنْظُر إلى عالَمِنا (أو الكرة الأرضية) على أنَّها "قرية كبيرة"، نجوبها، ونتواصَل فيها بحاسَتَيِّ السمع والبصر، ونتبادل ما نُنْتِج، في زمن ضئيلٍ متضائلٍ، مُحْرِزين مزيداً من السيطرة على المكان والزمان من طريق تَضْييقنا فَوَاصِل المكان والزمان؛ لكنَّ فَوَاصِل المكان والزمان على المستوى الكوني ما زالت تتحدَّانا أنْ نُضَيِّقها ولو قليلاً؛ فأبعد مكان وَصَلْنا إليه برجالنا هو القمر الذي يبعد عن الأرض نحو 400 ألف كم، أيْ أكثر قليلاً من ثانية ضوئية (الشمس تَبْعُد عن الأرض نحو 150 مليون كم، أيْ نحو 8 دقائق ضوئية).
للسفر (وللوصول) إلى أماكن (نجوم أو كواكب) بعيدة جدَّاً في الكون، نحتاج إلى "وسيلة مواصلات كونية" هائلة السرعة؛ ولِجَعْل الكون كله "قرية كبيرة"، نحتاج إلى "وسيلة مواصلات كونية" تسير بسرعة تُقارِب (لا تَعْدِل، ولا تتجاوَز) سرعة الضوء، والتي هي 300 ألف كم/ث؛ فليس من شيءٍ في الكون يمكنه السَّير بسرعة الضوء.
لِنَفْتَرِضْ أنَّنا امتلكنا هذه "الوسيلة"، وأنَّ وِجْهَة سفرنا هي كوكب يبعد عن الأرض 100 مليون سنة ضوئية؛ فكيف لنا أنْ نَصِل إليه والإنسان لا يمكنه أنْ يبقى على قَيْد الحياة أكثر من 120 سنة (مثلاً)؟
لو كانت السرعة القصوى لهذه "الوسيلة" هي 290 ألف كم/ث، لاسْتَغْرَق وصولنا إلى هذا الكوكب نحو 120 مليون سنة؛ وليس في مقدور أي إنسان أنْ يبقى على قَيْد الحياة 120 مليون سنة.
والاستنتاج "المنطقي" مِنْ ثَمَّ هو "استحالة السفر (والوصول) إلى ذاك الكوكب، ولو سِرْنا بهذه السرعة (290 ألف كم/ث) التي تُقارِب سرعة الضوء.
هذا الاستنتاج "المنطقي" خاطئ من وجهة نظر "النسبية العامة" لآينشتاين؛ فبحسب هذه النظرية، يتباطأ الزمن لدى المسافِر (بهذه السرعة) مع كلِّ زيادة في سرعته؛ والاستنتاج، مِنْ ثمَّ، هو الآتي: يمكننا، إذا ما زِدْنا سرعتنا، في استمرار، وصولاً إلى السرعة 290 ألف كم/ث، أنْ نَصِل إلى ذاك الكوكب (الذي يبعد عن الأرض 100 مليون سنة ضوئية) بَعْد 6 دقائق (مثلاً) من مغادرتنا كوكب الأرض. المسافرون إلى ذاك الكوكب تأكَّدوا إذْ نظروا في ساعاتهم أنَّ رحلتهم استغرقت 6 دقائق فحسب؛ وفي أثناء هذه الرحلة نَبَضَ قَلْب كل مسافِر نحو 420 نبضة، وزاد عُمْرُه 6 دقائق فحسب؛ ومع ذلك، لم تَسَرْ "الوسيلة" بسرعة تَفُوق سرعة الضوء. ولو سَأَلْتَ المسافرين عن المسافة التي قَطَعوها لأجابوكَ قائلين: إنَّها 87 مليون كم؛ فالمسافة التي كانت 100 مليون سنة ضوئية اخْتُصِرَت إلى 87 مليون كم، أيْ 5 دقائق ضوئية.
امتلاك هذه "الوسيلة" قد يُغْري بعض الناس على صناعة "سفينة نوح الكونية"؛ وهذه السفينة قد تَتَّسِع لمئات الآلاف، أو للملايين، من البشر، وتكون نسخة اصطناعية من كوكب الأرض، أيْ من البيئة الأرضية، وتَصْلُح، مِنْ ثمَّ، للعيش الأبدي فيها. عندئذٍ، قد يصبح في مقدور الإنسان (الفَرْد) في هذه السفينة أنْ يَجوب الكون كله (من أقصاه إلى أقصاه) مرَّات عِدَّة في حياته (أيْ في 100 سنة مثلاً). وهكذا، يصبح الإنسان سيِّد المكان والزمان على المستوى الكوني!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - سفينة
ناس حدهوم أحمد ( 2014 / 6 / 26 - 20:29 )
الأشياء التي نقيس بها عمر الكون والزمان والمكان وألأجرام والكواكب والشمس الخ.... هي أشياء من صنعنا نحن البشر . وبلفتة خاطفة يمكن للإنسانية غدا على المدى القريب أو البعيد سوف نكتشف لا جدوى هذه المقاييس التي لدينا . وقد نكتشف أيضا بأن كل هذه العلوم والإكتشافات والإختراعات كلها مجرد قبض ريح وربما خطأ فادح في وزن الأمور . فهذا الكون حتى وإن كنا منه ومع ذلك فالبشر لازال في أول الطريق . كما أنه من المحتمل أن أن يخطىء كوكب طريقه أو قطعة منه وتخونه الجاذبية ليصطدم مع كوكبنا فنذهب كلنا إلى وعاء قمامة الكون ومعنا يذهب كل هذا العلم وكل هذه الإختراعات والإكتشافات فنكون لننقرض كما انقرضت الدناصير من قبل . كل شيء محتمل وكل شيء ممكن ونحن في هذا الكون ربما نكون مجرد وهم .


2 - تعليق
عبد الله خلف ( 2014 / 6 / 26 - 22:07 )
تحيه .
كل هذه أحلام جميله , و لكن , الإنسان مهمها وصل , فإنه لن يستطيع عمل مثل هذه الأحلام , فقدرات الإنسان أصغر بكثير من أحلامه , نعم العقل الإنساني (كونه ليس مادي أو إنتاج مادي) تحدى الماده و قوانينها , و لكن يبقى هذا العقل أسير الجسد المادي .


3 - ست دقائق تحتاج لتأمل
حسن عبد اللطيف ( 2014 / 6 / 27 - 09:01 )
شكرا للكاتب المحترم
نفرض أن السفينة التى تحدث عنها الأستاذ جواد ساكنة الآن على الأرض - لم تبدأ رحلتها بعد. ونفرض أنها ستتجه بعد قليل صوب مجرة بعينها على بعد 100 مليون سنة ضوئية. ولنفرض أن مع رائد الفضاء تليسكوبا يراقب به الأحداث الجارية فى تلك المجرة البعيدة (مثلا كواكب تدور حول شموس وغير ذلك من أحداث) . كل هذا وقع فى الماضى قبل 100 مليون سنة. . الآن نفرض أن السفينة انطلقت بسرعة 290 ألف كم / ثانية نحو تلك المجرة. كيف سيرى قائد تلك المركبة الأحداث الواقعة فى تلك المجرة ؟ هل يرى الكواكب تدور بنفس السرعة ؟ الحقيقة أنه سيرى الأحداث هناك تتسارع بشكل جنونى جدا فالكواكب ستدور حول شموسها فى تلك المجرة بسرعات خارقة .. وبمجرد وصول السفينة الى تلك المجرة (بعد 6 دقائق) سيجد نفسه فى (حاضر) تلك المجرة .. لقد نقل التليسكوب الى عينه أحداث وقعت فى 100 مليون سنة تسارعت بحيث رأتها عين الراكب فى ست دقائق فقط
!!
والسؤال (من وجهة نظر ذلك الراكب الممتطى لنظام قصورى) كيف يمكن تعليل دوران كواكب حول شموسها بتلك السرعات الخارقة ؟ كيف يمكن للفيزياء أن تظل عاملة قادرة على وصف ما يراه فى التليسكوب طيلة ال 6 دقائ


4 - بحساب بسيط
حسن عبد اللطيف ( 2014 / 6 / 27 - 10:03 )
المفروض أن راكب السفينة عند وصوله تلك المجرة البعيدة سيجد نفسه فى حاضر تلك المجرة وليس فى ماضيها الذى كان يراه قبل انطلاق رحلته

إن أحداثا استغرق وقوعها زمنا قدره 100 مليون سنة سيراها راكب السفينة فى تليسكوبه تحدث فى 6 دقائق فقط
!!
بحسبة رياضية بسيطة سنجد أن كوكبا يدور حول نجم فى مدار مماثل لمدار الأرض حول الشمس وبنفس سرعة دورانها تتزايد سرعة دورانه (فى عين المسافر بتلك السفينة) لتتجاوز سرعة الضوء
!!
إذا وضعنا فى الاعتبار أن السفينة تتحرك بسرعة أقل من سرعة الضوء - وهذه سرعة ممكنة نظريا وغير مستحيلة
وأن تلك السفينة هى نظام قصورى .. من حقه طبقا لمبدأ النسبية (الخاصة) الأول أن يفسر ما يرى من ظواهر فيزيائية بنفس قوانين الفيزياء التى نستخدمها على الأرض
فى هذه الحالة يجب علينا أن نتساءل عن مدى صمود المبدأ الأول للنسبية فى تلك الحالة .. فالكواكب الآن تجاوزت سرعات دورانها (فى عين المسافر) سرعة الضوء

ولا نستطيع القول بأن المراقب المتحرك هنا سيفسر الأمر بأنه يميز حركته (القصورية) وأن ما يحدث ناتج عن تحركه يتحرك بسرعة كبيرة متجها نحو المجرة - فالمبدأ الأول للنسبية واضح وقاطع


5 - السيد حسن عبد اللطيف
جواد البشيتي ( 2014 / 6 / 27 - 19:22 )
أود أنْ أشيد بالسيد حسن عبد اللطيف لحُسْن فهمه، وتمثله، وجودة استنتاجاته.


6 - شكرا
حسن عبد اللطيف ( 2014 / 6 / 27 - 22:19 )
اشكرك يا أستاذ - هذا شرف لى وتكريم لا أستحقه

فقط أردت أن أقول انه بعد انتهاء (((تسارع))) السفينة وبلوغها السرعة المنتظمة الثابتة 290 ألف كم / ثانية .. فتح رائد الفضاء عينيه وبدأ ينظر من خلال تليسكوبه على ما يجرى فى المجرة البعيدة فوجد أن الكواكب تدور حول شموسها بسرعات تفوق سرعة الضوء

ولو أننا سألناه عن رأيه لقال.. لقد صارت المركبة الآن هادئة .. أشعر بحالة من السكون والثبات ولا أثر ( الآن) لأى تسارع يُذكر - أنا إذن فى نظام قصورى بكل تأكيد ومبدأ النسبية الأول يعمل عندى

لكنى عندما أنظر الآن لتلك المجرة البعيدة أجد أن دوران الكواكب حول الشموس بتلك السرعة المفرطة انما يعنى فى حدود القوانين التى أعرفها أنها معرضة لقوى جذب هائلة جدا جدا - ولا أخفى ذهولى لكون هذه السرعات تفوق سرعة الضوء

وعندما أوجه التليسكوب فى الاتجاه المضاد لاتجاه حركة المركبة نحو مجرة تقع على نفس البعد فى الجهة الأخرى أجد أن العكس واقع .. بمعنى أن الأحداث فى هذه المجرة تمر بطيئة جدا جدا لدرجة أنها تكاد تتوقف بشكل كامل

يبدو أن الظاهرة متوقفة على الاتجاه وليس فقط على مقدار ما حدث من تسارع


7 - السيد حسن عبد اللطيف
جواد البشيتي ( 2014 / 6 / 28 - 15:58 )
ثمة بعض التشوش في الفهم، وسببه الخلط بين النسبية الخاصة والنسبية العامة؛ سنحاول جلاء الأمر في مقالة مقبلة.

اخر الافلام

.. مزيد من الحقوق للفلسطينيين.. تصفيق حار للممثل الفلسطيني في


.. هل فقد القدير نهاد طربيه نظره فعلًا؟... إليكم السبب خلف إصاب




.. غموض حول مقـ ـتـ ــل الطبيبة نهى سالم في تركيا


.. صحة غزة: ارتفاع عدد الوفيات جراء سوء التغذية إلى 37 شخصا




.. منظمة الصحة العالمية تكثف جهودها لإعادة إحياء مستشفيات خان ي