الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سلالالالام سلاح

السيد نصر الدين السيد

2014 / 6 / 27
مواضيع وابحاث سياسية


"إن قول الحق لم يدع لي صديقاً"
النعمان بن حميضة البارقي

"إن قلت كلمة لم تخاف ... و إن خفت كلمة لم تقول"
أحمد فؤاد نجم

"يسقط حكم العسكر" شعار سمعنا "البعض" وهو يردده بحماس سواء عن علم بما ينطوي عليه من عداء مستحكم وكراهية مدمرة للمؤسسة العسكرية المصرية (الجيش)، او عن جهل لا يليق بمن يطلقون على أنفسهم اسم نشطاء سياسيين. كما رأينا هذا "البعض" وهو يُروج له، بطريقة صريحة او غير صريحة، عبر مقالات ينشرها على صفحات الانترنت او عبر حوارات صفحات التواصل الاجتماعي. وقد لا يعلم الكثير من هذا "البعض" ان هذا الشعار يعتبر مثالا نموذجي من امثلة "التدليس" اللغوي التي تهدف الى تضليل السامعين. فصياغته الخبيثة توحي للسامعين ان مصر تحت الحكم العسكري بما يعنيه ذلك من أحكام عرفية وقيود على حرية الرأي واعتقالات بالجملة ومحاكمات عسكرية للمدنيين. ونظرة سريعة على مكونات هذا "البعض" ستجعلك على الفور تتساءل عن "ايه اللي لم الشامي ع المغربي" فتشكيله يعد من غرائب الأمور وعجائب الزمان.

فالمكون الأول، والرئيسي، لهذا "البعض" هو "تيار الإسلام السياسي"، بمختلف طوائفه، الذي يؤمن المنتمين اليه بأن صلاح مستقبل الامة لا يكون الا بإعادة انتاج حقبة معينة من ماضيها، "فلن يصلح أمر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها". هذا هو الهدف الأعلى الذي يسعي هذا التيار لتحقيقه حتى وان اختلفت وسائل بلوغه من طائفة لأخرى. كما يؤمن المنتمين الى هذا التيار بضرورة اخضاع الواقع المعاصر لسلطة النص القديم. او بعبارة اخرى تغيير الواقع، بكل مستجداته، ليتلاءم مع ما جاء في النصوص المقدسة او مع تفسيرات الاسلاف لهذه النصوص. اما المكون الثاني، والثانوي، فهو الذي ينتمي الى ما يمكن ان نطلق عليه اسم "تيار التمدن (او التيار المدني)". وهو التيار الذي تتنوع طوائفه بقدر تنوع ما يعتنقونه من ايدولوجيات. ويؤمن المنتمين الى هذا التيار، وأيا كانت الايدولوجية التي يعتنقونها، بأن المستقبل هو من صنع المعاصرين، تخطيطا وتنفيذا، وان التاريخ لا يعيد نفسه. ويعتبر المنتمين لهذا التيار ان عقل الانسان، بأدواته الذهنية التي يستخدمها لدراسة الواقع المتجدد، هو المصدر الوحيد للمعرفة التي تتطلبها إدارة هذا الواقع المعقد بكفاءة وفعالية. وهكذا ضمت هذه التشكيلة العجيبة النقيضين: مكون يقدم "النص" ويقدس "النقل"، ومكون يقدم "الواقع" وينحي احتراما لسلطان "العقول".

وليس عداء "تيار الإسلام السياسي" للجيش المصري الحديث بالأمر المستغرب فهو نتيجة منطقية لتضاد المنطلقات الفكرية لكل منهما، هذا بالإضافة الى اختلاف ظروف نشأتهما. ف "الجيش المصري الحديث"، بحكم نشأته وتشكيله وامكاناته، هو المؤسسة "المدنية" (-;-) الوحيدة الموجودة في الساحة السياسية المصرية والقادرة على مواجهة هذا التيار والتصدي لأحلامه الكارثية. و"الجيش المصري الحديث" هو ذلك الجيش الذي انشأه محمد علي سنة 1822على نمط جيوش الدول الصناعية، وهو النمط الذي عرف فيما بعد بالنمط الحديث، او نمط الجيوش في عصر الحداثة.

ولجيوش عصر الحداثة سماتها التي تميزها عن جيوش العصور السابقة. ومن اهم هذه السمات هي السمة المتعلقة بالمهمة الرئيسية للجيش. فمهمة الجيش الحديث الرئيسية هي الدفاع عن "الوطن" وحمايته من المخاطر الخارجية والداخلية، لا الدفاع عن الحاكم او الدفاع عن "الملة". وهكذا يصبح مفهوم الوطن والانتماء له مغروسا في صلب تكوين عقيدة هذا النوع من الجيوش. اما السمة الثانية فهي سياسة التجنيد الاجباري، التي يتبناها الجيش الحديث ويطبقها على المستوى القومي دون تمييز بين طوائف المجتمع على أساس الدين او العرق. أي انها السياسة التي تجسد بشكل او آخر بعض ابعاد مفهوم المواطنة مثل "المساواة" و"الانتماء" (السيد, 2012). ويؤدي تطبيق هذه السياسة الى ان يصبح الجيش نسخة مصغرة من المجتمع بكل ما فيه من أوجه قوة او أوجه ضعف. الا ان قواعد النظام العسكري تجعلها نسخة أكثر انضباطا واقل فسادا ومن ثم أكثر قدرة على الإنجاز وذلك بالمقارنة مع بقية مؤسسات المجتمع. وهكذا تصطدم "اممية" تيار الإسلام السياسي و"تمييزه" للمواطنين على أساس الدين مع "وطنية" الجيش المصري الحديث ومع تأكيده على مبدأ "المواطنة". وهو صدام حتمي لا مجال فيه للحلول الوسط وهو "مباراة صفرية" بامتياز لابد ان يكون فيها غالب ولابد ان يكون فيها مغلوب.

وإذا كان التعرف على أسباب عداء تيار الإسلام السياسي للجيش امر ميسور فان اكتشاف أسباب هذا العداء من بعض فصائل تيار التمدن يتطلب منا قليل من التأمل. ويقودنا تحليل مضمون خطاب ما كتبه المنتمين الى هذا التيار، بمختلف اشكاله من مقالات او حوارات فيسبوكية، الى اكتشاف مجموعتان من الأسباب وراء هذا الموقف. المجموعة الأولى هي "توغل المؤسسة العسكرية في المجتمع المدني"، اما المجموعة الثانية فهي "اختلاف الثقافتين". وتتعدد اشكال المجموعة الأولى فهي قد تكون متعلقة بتدخل الجيش المباشر في صنع السياسات، وقد تكون متعلقة بشغل الضباط المتقاعدين لمناصب قيادية في القطاعين الحكومي والمدني (او ما يطلقون عليه جمهورية الضباط)، وقد تكون متعلقة بحجم الأنشطة الاقتصادية غير العسكرية التي يقوم بها الجيش ويستغل فيها ما يتمتع به من مزايا ولا تخضع للأجهزة الرقابية. أما مجموعة الأسباب الثانية، "اختلاف الثقافتين"، فتتعلق باختلاف الشخصية العسكرية عن الشخصية المدنية. فالشخصية العسكرية، طبقا للنموذج الشائع Stereotype، هي شخصية لا تعرف سوي اصدار الأوامر، ولا تستريح للنقاش، وتفتقد للمرونة اللازم توفرها عند التعامل مشكلات الواقع. ووجود مثل هذه الشخصية في موقع السلطة يمكن ان يؤدى الى تقييد الحريات العامة بمختلف اشكالها. وهي أسباب تتطلب منا مراجعة شاملة لها تخلصها من غفلة "التهوين" وضلالة "التهويل". مراجعة علمية تتحقق من مدى صحتها ودقة بياناتها وحجية مصادرها وسلامة مناهج البحث والتحليل المستخدمة فيها.

الا ان وجود كل هذه الأسباب، وبافتراض انها صحيحة مائة في المائة، لا يبرر خروج بعض فصائل تيار التمدن من منطقة "الاختلاف" مع المؤسسة العسكرية المصرية الى منطقة "العداء" لها ليقفوا مع "تيار الإسلام السياسي" في خندق واحد. انه خندق الساعين لهدم الدولة المصرية الحديثة عبر هدم واحدا من اهم ركائزها. فدوما كان لهذه المؤسسة دورا لا يمكن اغفاله في تحديث الدولة المصرية منذ نشأتها الاولى (انظر على سبيل المثال كتاب "كل رجال الباشا - محمد على وجيشه وبناء مصر الحديثة" لخالد فهمي). وسيكون لها دور متجدد في تنمية المجتمع المصري وفي استكمال بناء دولته الحديثة، هكذا حدثتنا الادبيات التي تعرض لجيوش ما بعد الحداثة ولأدوارها (انظر على سبيل المثال (Moskos, Williams, & Segal, 2000-;- Williams, 2008).

ان ما يشهده الوطن على ارض الواقع من اعمال عنف شبه يومية يقوم بها المنتسبون لتيار الإسلام السياسي، ومن حراك سياسي تشارك فيه القوى المدنية، ما هو الا تجليات مختلفة لإحدى جولات الصراع الرئيسي الذي كانت بداياته منذ حوالي 200 سنة مع بدء انشاء الدولة الحديثة ومؤسساتها. انه الصراع بين قوى التخلف، بما تقوم عليه من فكر غيبي يقوم على النصوص، وقوى التقدم، بما تبشر به من فكر عقلاني يقوم على العلم ومناهجه. انها الجولة التي أسهمت المؤسسة العسكرية المصرية بالدور الرئيسي في الاعداد لها وبقي على تيار التمدن، بشتى فصائله، استثمارها والاستفادة منها. فاليوم والمجتمع المصري لا يزال في مرحلة السيولة التي تعقب الثورات والتي تهيئ الفرصة لمن هو مستعد لإحداث التغيير. واخبرا في زمن المعارك الكبرى والمواجهات المصيرية والتحولات الجذرية علينا نستقطب الحلفاء الى صفوفنا، حتى لو كانت لنا بعض التحفظات على أفكارهم او افعالهم.

(-;-) استخدم صفة "مدني" هنا لوصف كل ما هو ليس دينيا.

المراجع

Moskos, C. C., Williams, J. A., & Segal, D. R. 2000. The Postmodern Military: Armed Forces after the Cold War. Oxford: Oxford University Press.
Williams, J. A. 2008. The Military and Society: Beyond the Postmodern Era. Orbis, 52(2): 199-216.
السيد, ا. ن. 2012. ثقافة الدولة المدنية. القاهرة: دار العين.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الرئيس الأوكراني: الغرب يخشى هزيمة روسيا


.. قوات الاحتلال تقتحم قرية دير أبو مشعل غرب رام الله بالضفة




.. استشهاد 10 أشخاص على الأقل في غارة جوية إسرائيلية على مخيم ج


.. صحيفة فرنسية: إدخال المساعدات إلى غزة عبر الميناء العائم ذر




.. انقسامات في مجلس الحرب الإسرائيلي بسبب مستقبل غزة