الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الواقعية التسجيلية والأعمال السينموروائية

رعد خالد تغوج

2014 / 6 / 29
الادب والفن


الواقعية التسجيلية والأعمال السينموروائية
بقلم: رعد خالد تغوج
ما أن قام (برين دو بالما) بإخراج فيلم scarface عام 1983 ، والذي يعتبر من أوائل أفلام آلبتشينو، حتى تلقفت السينما المصرية هذا الفيلم وبيئته - عربياً- في فيلم الإمبراطور من بطولة أحمد زكي، وبغض النظر عن التسمية ، وهي نفسها تسمية لفيلم عن حياة الجنرال هيروهيتو في اليابان يروي عصب الحرب الكونية الثانية، إلا أن التناص السردي intertextualit يظهر جلياً في هذا العمل كما ظهر مؤخراً في فيلم أسف على الإزعاج من بطولة أحمد مكي ومنى شلبي، المأخوذ من فيلم راسل كرو beautiful mind وهو سيرة ذهنية تحكي عن حصول عالم الفيزياء جون ناش على جائزة نوبل.

مرَ على السينما العربية قرن من الزمان جعلها قادرة على تجاوز التقليد وعمليات التناص المتكررة، إلا أنها لا زالت تغرف من الاعمال الأجنبية ، سواء على مستوى السينارست أو حتى الموسيقى والألحان، ما يضعها أمام ازمة أسس، وهنا أذكر أن بعض الممثلين ممن درسوا النظريات الفنية وتبنوا مناهج غربية، حاولوا المزج بين التغريب السينمائي والأصالة الشرقية، مثل محمود ياسين، إلا انني أقدر محاصرة المخرجين للفنانين وتسلط الفكرة المسبقة وأثرها على العمل الفني، مثل فيلم أشياء ضد القانون الذي قام محمود ياسين فيه بدور البطولة بالإشتراك مع مديحة كامل دمية الشاشة العربية، وهو مقتبس من رواية تولستوي (البعث) التي تتحدث عن الصراع الطبقي والإقطاع وغيرها من شجون الأدب الروسي، إلا أن الفيلم تم تبيئته –جنسياً – في رؤية إنثروبولجية رفعت مستوى العلاقة الجغرافية بين الشرق والغرب إلى محض علاقة جنسية.

وما دمنا في الحديث عن الواقعية التسجيلية في الأعمال الفنية ، فقد إستطاع أوليفر ناكاشي وإريك توليدانو القفز خطوة إلى الأمام في مجال الأفلام المعتمدة على قصة حقيقة ، ففي فيلم " untouchable" الفرنسي ، يعثر الأرستقراطي المُقعد والمشلول على خادم من أصل مغربي يُبديه على سائر الخدم ، وتتصاعد وتيرة الحبكة السردية plot مع توتر العلاقة بين الخادم ورئيسه في جو إنساني وعاطفي يكرس قانون التطهير الأرسطي المشهور.

ومن الأفلام التي وقع فيها الإلتباس بين الواقعية وما يُسمى بالترو ستوري true story فيلم التجربة، من بطولة أدرين برودي و فوريست ويتكر، حيث يروي الفيلم قصة إعلان شركة عن الحاجة إلى متطوعين لعمل تجارب في علم النفس، ويأخذ الفيلم من ثم طابع المعالجة النفسية، حيث يتم تقسيم المتطوعين إلى فريقين ، سجانين ومساجين، وفق قواعد وضعها علماء النفس والمراقبون لهذه التجربة، وفي بيانات الفيلم والمانشيتات المرافقة له، لا وجود لحديث عن قصة حقيقة أو أن الفيلم يعتمد على كتاب معين، ويقع الإلتباس عندما نعرف أن عالم النفس ميلغرام قام بعمل تجارب مُناشزة للسائد لكنها في الصميم من الفيلم.
أجرى ميلغرام milgram سلسلة من الدراسات ليختبر فرضيات ونظريات طرحها أول ما طرحها المؤرخون الألمان بعد الحرب العالمية الثانية، وتنص هذه الفرضيات أن الألمان بطبعهم يختلفون عن بقية الشعوب، لأنهم مستعدون لتقديم الطاعة العمياء لأي سلطة مهما كانت غاشمة، مما أتاح لهتلر الفرصة كي يُنفذ مخططاته الجهنمية إزاء الشعوب.

أعلن ميلغرام أنه بحاجة إلى مُتطوعين لعمل تجاربه النفسية، وبعد أن اكتمل العدد ، قسمهم إلى فريقين وأعطاهم تعليمات اللعبة والتجربة، بحيث يكون الفريق الأول معلمين والفريق الأخر طلاب، ويسأل المعلمين تلاميذهم بعض الأسئلة التي وضعها ميلغرام على شكل زوجيات(مثل: "أزرق-فتاة، سمين- رقبة")، وإذا أخطأ التلميذ فإن العقاب ينتظره من الأستاذ الذي وضع ميلغرام أمامه صاعقاً كهربائياً تزداد درجة الفولطية فيه بعد كل خطأ، ولم يعرف الأساتذة أن هذا الجهاز وهمي وأنه يبقى على نفس الدرجة من القوة.
في هذه التجربة حلل ميلغرام مفهوم الطاعة obedience ، والمثير هو أن جميع المشاركين في التجربة واصلوا توجيه صدمات كهربائية إلى أن وصلتْ 300 فولت ، ونصفهم تقريباً أوصلها إلى 450 فولتْ.

هذه التجربة وغيرها من التجارب التي قام بها الألمان ومن بعدهم الأميركان مع السجانين والمساجين كما تقول نعومي كلاين، لم يتم ذكرها في الفيلم المذكور، فهل كانت صدفة أن يتم زج معالجة نفسية وسايكولوجية مشهورة في فيلم لقي صدىٍ كبيراً!!

إذا تأملنا الأعمال السينمائية التي استلهمت الرواية أو القصة الحقيقة ، نجد أن بعض الأفلام ارتقت بمفهوم الفن الروائي وبيئته سينمائياً ، وأحياناً يكون التأويل الفني للرواية أو القصة بعيداً عن سرديات المؤلف ومقاصده، مثل ما حصل مع فيلم شيفرة دافنشي الذي أخفق فنياً بسبب مُفارقة العمل الذي قدمه دان براون ومثاليته ، حيث شكل قطيعة من طبيعة جناسية في خطاب السرد نفسه، مما يجعل من مهمة السينارست شبه مستحيلة في توزيع الرواية، كما ويضع المخرج أمام شِتات من الرؤى والمُعالجات التي يصعب اختزالها في فيلم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رحيل الممثل البريطاني برنارد هيل عن عمر 79 عاماً


.. فيلم السرب يتخطى 8 ملايين جنيه في شباك التذاكر خلال 4 أيام ع




.. الفنان محمد عبده يكشف عبر برنامج -تفاعلكم- أنه يتلقى الكيماو


.. حوار من المسافة صفر | الفنان نداء ابو مراد | 2024-05-05




.. الشاعر كامل فرحان: الدين هو نفسه الشعر