الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


داعش وحكومة الانقاذ الوطني؟!

امجد ابراهيم

2014 / 6 / 29
مواضيع وابحاث سياسية


لم استطع بعد، حتى هذه اللحظة، من فهم معنى حكومة الانقاذ الوطني، مع انني حاولت جاهدا تقليب الامور على مختلف وجوهها إلا انني اجد نفسي دوما في قبالة ايقونة مقدسة تسمى حكومة الشراكة الوطنية او المشاركة الوطنية او اختصارها غير المهذب لكنه المحبب جدا الى نفوسهم : حكومة المحاصصة القومطائفية.
حينما نرجع الى تراث العمل السياسي للبلدان الديمقراطية، نرى ان الدعوات الى تشكيل حكومة الانقاذ الوطني لا تصدر إلا حينما تواجه تلك البلدان ازمات خطيرة تمثل تهديدا حقيقيا لبقائها ( الحروب على سبيل المثال)، هنا تجتمع قوى المعارضة مع الحزب او الاحزاب الحاكمة لتشكيل حكومة ازمة مصغرة حيث تذوب او تركن على جهة كل الخلافات السياسية من اجل تحقيق هدف سام إلا وهو الخروج من تلك الازمة او المحنة. وما ان تنتهي تلك المحنة حتى ترجع الامور الى ما كانت عليه عبر اجراء انتخابات برلمانية يعقبها تشكيل الحكومات على ضوء نتائجها. وهكذا فان حكومة الانقاذ او التشارك او الاجتماع الوطني هي حكومة مؤقتة تنتفي الحاجة اليها بانتفاء السبب الذي حتم وجودها.
منذ عقد من الزمن والعراق يعيش في ظل حكومات " انقاذ " وطني، رغم تسميتها بحكومات الوحدة الوطنية او المشاركة او الشراكة او التشارك الوطني. حيث لم نشهد، كما بقية العالم، حكومة تواجهها معارضة برلمانية، بل شهدنا الجميع وهم منغمسون بمهمة الجمع بين النقيضين. فمن جهة هم اعضاء في الحكومة، وهم من جهة اخرى معارضة في البرلمان، فكان التعطيل على كلا الجانبين : لا حكومة فاعلة تستطيع اداء واجباتها المكلفة بها، ولا برلمان يفقه دوره لكي يمارس مهامه الرقابية والتشريعية. وما شهدناه من العاب سخيفة حيث طنطن وطبل لها بعض البرلمانيين وكتلهم السياسية واشترك في تسويقها الاعلام، عبر استدعاء بعض الوزراء او المسؤولين والتي تحولت الى محاكم عرفية فاشلة، فهي توكيد على ان هذه الطبقة السياسية، هي اتفه من ان تفقه معنى الرقابة والمسائلة البرلمانية. اما النتيجة، فان تلك الملفات قد اغلقت لان الجميع مشتركون في كل ما وصلت اليه دولتنا ( ان كانت هناك دولة اصلا ) من مهانة وفساد وانحطاط. وهنا اتسائل عن موضوع طالما صدعوا به رؤوسنا : لماذا لم يمارسوا دورهم البرلماني وفق الصلاحيات المخولة لهم دستوريا؟ وعلى سبيل المثال : ما هو السبب الذي منعهم من انتخاب وزراء بالأصالة للحقائب الشاغرة او انتخاب رؤساء الهيئات المستقلة؟ علما ان الدستور، الذي لم يحترموه يوما رغم ادعائهم انه المرجع ، يوكل لهم مثل هذه المهام! لكن السؤال الجوهري الذي بقي بدون جواب، اسيرا لغموض عجيب : لماذا لم يستطيعوا من تنحية المالكي؟ علما ان جميع القوى بدون استثناء ( كتلة الاحرار، والى حد بعيد المواطن وان كان على استحياء، ومتحدون والعراقية والتحالف الكردستاني ، وباختصار، هم يشكلون اغلبية الثلثين او اكثر) كانت قد نسقت مواقفها وطبلت وزمرت وهتفت وملأت الكون بصخبها طيلة شهور، لكنها لم تستطع الذهاب الى عقد جلسة برلمانية تقرر فيها سحب الثقة من هذا الغول الجاثم على صدورهم ( وحتى نريحهم، على صدورنا ايضا). حينها بررت هذه القوى عدم قدرتها على اتخاذ مثل هذا القرار : بسبب الضغوط الكبيرة التي مورست على جميع اطرافها! اذن هكذا .... فهم ايضا لا يمتلكون قرارهم فلماذا يكسرون رؤوسنا بطنينهم، ويتهمونه بأنه مدعوم من قوى خارجية! انهم العوبة ايضا بيد الاخرين المتوارين خلف الحدود ... يا لحظ العراق ، كم انت منكود! وكأن اربعة عقود من حكم البعث الطافحة بالدماء والحروب والقتل والتدمير وهدر الكرامات و و و، ليست كافية حتى تأتي هذه الثلة المشتتة الاهواء والمسكونة بهواجس الخوف والشك والتربص بالبعض ( لا استثني منهم احد ) تريد الاجهاز على ما فضل من بقايا وطن. ( استدراك : اعرف ان احد اهم اسباب هذه التشوهات هي نتاج لتلك التركة الثقيلة التي خلفها لنا البعث الفاشي).
وألان، وبعد هذا الاستذكار العجول لأهم مَعْلَم من معالم الحكم الذي شهدناه خلال عقد من الزمن، الا وهو حكومات المحاصصة القومطائفية، ها نحن امام جائحة خطيرة ( داعش) يواجهها الوطن، فماذا اعدوا لها؟ لا شيء! سوى هروب الى الامام عبر التلطي وراء دعوة لتشكيل حكومة انقاذ وطني! وهنا يحق لنا، بعد ان نفترض جدلا صحة هذا المطلب، التساؤل عن كيفية بناء هذه الحكومة العتيدة، وممن تتكون، وما هو حجمها، وما هي وظيفتها على وجه التحديد، وما هو زمن بقاؤها الافتراضي، وما هي دالتها للقضاء على داعش واخواتها ( واذا كانت لبعض قواها مثل تلك الدالة؟ اليس من حق البعض اتهامهم بالضلوع مع داعش في غزوتها " المباركة " )، وماذا ستفعل بنتائج الانتخابات : هل تبطلها ام تكون مرجعا في تشكيلها؛ وما هو موقفها من زحف البيشمركه ومصادرة ما يعرف " بالمناطق المتنازع " عليها، وهل سوف يحتكمون الى المادة 140 ومثيلاتها لحل هذا الاشكال ام اصبحت هذه المصادرة امرا واقعا ( تشير الاخبار الاخيرة الى ان السيد البرزاني قد حسم هذا الموضوع معلنا عن انتفاء الحاجة الى هذه المادة!)، وما هو موقفها من الجيش : هل تحله ام تبقيه ام تجري تعديلا عليه ام تعيد ضباطه القدماء؟؟؟؟ وهناك العشرات من الاسئلة الاخرى المرتبطة مباشرة بدعوة تشكيل هذه الحكومة؛ اذا ما تركنا جانبا قضايا مفصلية مثل تعديل الدستور ( وهو اس من اسس البلاء)، وقضية الثروات الوطنية، والهوية الوطنية، وحدود وصلاحيات الاقاليم ، وهل ستبقى دولة فيدرالية محددة المعالم كما عرفناه لدى بقية الدول التي سبقتنا في هذا المضمار، ام ستكون دولة كونفدرالية، وهل سيبقى قادة الاقاليم يهددون بالانفصال كلما ارادوا ابتزاز الحكومة الاتحادية ....الخ من اسئلة لم يجري طرحها بوضوح على الرأي العام عبر طاولة حوار وطني، او ربما جرى الالتفاف عليها، سابقا، ولذلك بقيت تلك الاسئلة ، وكثير غيرها مما لم يفصح عنه، خبيئة النفوس وهاهي تتفجر بفضل غزوة داعش.
للأسف الشديد، لم يسعفنا احد من هذه القوى بإجابة تريح نفوسنا الملتاعة وتحد من صخب تلك الاسئلة المتناسلة، وتوقد شمعة في هذا البرزخ المظلم الذي دخل فيه الوطن منذ عقد من السنين؛ هذا اذا ما تركنا جانبا حقبة الظلمات البعثية. لكن، كل ما سمعناه منهم، انهم يريدون حكومة وحدة وطنية، وأحيانا يطلقون بعض البالونات ذات اغراض اعلامية من قبيل : حكومة كفاءات ، وأخرى حكومة تكنوقرط، وثالثة حكومة ادارة ازمة ..الخ ولكن مع التشديد على : بدون المالكي! حسنا، لقد فهم الجميع رسالتكم، وسوف لا يكون البعض حزانى على هذا الفقد فيما لو حدث! فهو في نهاية المطاف " سرحان " في قطيعكم الذي عاث فسادا " بقطيعنا " نحن خراف الرب في بريته الواسعة ( العراق ) التي أنزل فيها اولى حروفه المخطوطة وسن مواد شرعته بعد ان اوصلنا الى يقين اللاخلود لكي نحتكم الى العقل، لكنكم سلبتمونا اياه!
اذن اقروا لنا، على الاقل، حقنا في المطالبة بالكف عن تصديع رؤوسنا بحديثكم عن حماستكم وحميتكم واندفاعكم لإنقاذنا ( نحن قطيع البلهاء المسمى الشعب العراقي ) من "تغول" رئيس الحكومة اولا، ومن ثم تصديكم للقضاء على ربيبة البعض من حماتكم " داعش " ثانيا. لقد مثلت غزوة داعش خير مسوغ لكم للالتفاف والتخلص من نتائج انتخابات - مهما قيل عنها- تمثل بحدودها الدنيا على اقل تقدير رأيا شعبيا عاما، اولى ثقته بشخص ما ضمن كتلة تجاوزت اقرب واحدة منها بمعدل الضعفين تقريبا، فاستحوا قليلا! وهذا ليس دفاعا عن المالكي وسلوكه الاخرق في الكثير من الملفات. ولكن يبدو انه اصبح عظمة في حلق البعض فلا يستطيع ابتلاع ما خطط لابتلاعه، لذلك تجدهم يبحثون عن خراعة خضرة او خرقة للمسح يسهل تجاوزها بدون اعتراض على ما يخططون له. فليس الموضوع اذن هو موضوع حكومة انقاذ وطني ولا هم يحزنون. وما داعش وجاحش ( وهو تذكير بجحوش مرت بطور جديد من الانمساخ فأصبحت في هذه المرة مطايا لأشد القوى ظلامية في محيطنا الاقليمي) إلا وسيلة لتحقيق ذاك الهدف حتى وان قاد الى التقسيم الذي طالما هددونا به.
وبعد، وقبل ان تطفئ سكرة الموت اخر ذؤابات الوعي، نتقدم اليكم بمقترح ليس له مصب اخر سوى خنادق التقسيم القادم الذي عملت معاولكم على تعميقها طيلة سنوات التيه الماضية، ورأفة منا بكم حتى لا تفقدونا نحن خراف نذوركم، ولان ضباع داعش سوف تجعلكم سويتنا ونتحول جميعا الى قطيع موحد يسوقونا الى حتوفنا كأفراد وجماعات، حيث ستفوت عليكم سعادة ونشوة التحكم بمصيرنا، ونذكركم ايضا بان لا عصمة لأحد منكم حتى وان احتمى بجباله الشاهقات، فقد بنت ضباع داعش لها اوجارا في كل مكان وجرائها تختبئ على مقربة منكم، انها اقرب اليكم من حبل الوريد، لكل هذا وحفاظا على عافيتكم وامتلاء جيوبكم، ندعوكم للتوافق المرحلي من اجل التخلص من هذا الداء العضال ( داعش ) وستكون دماء ضحايانا، نحن قطيع خراف الرب، خير مطهر لهذه الارض من دنس ضباع داعش التي قائتها علينا ممالك الرمال والظلمات وأمريكا امهم الرؤوم، وما ان تنتهوا من ذلك العار، اعيدوا توضؤكم بدمائنا وصلوا ركعتين شكرا ثم اقتسمونا طوائف واعراق وارسموا حدود حماكم بدون حروب!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. جيل الشباب في ألمانيا -محبط وينزلق سياسيا نحو اليمين-| الأخب


.. الجيش الإسرائيلي يدعو سكان رفح إلى إخلائها وسط تهديد بهجوم ب




.. هل يمكن نشرُ قوات عربية أو دولية في الضفة الغربية وقطاع غزة


.. -ماكرون السبب-.. روسيا تعلق على التدريبات النووية قرب أوكران




.. خلافات الصين وأوروبا.. ابتسامات ماكرون و جين بينغ لن تحجبها