الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المحكمة الجنائية العراقية وسجون (مونوبولي) التابعة لها

موفق الطاهر

2005 / 7 / 31
حقوق الانسان


في كل مرة أقرأ فيها خبراً عن أحكام المحكمة الجنائية المركزية العراقية للأرهابيين أو المتسللين عبر الحدود أو الحائزين على عشرات القطع من الأسلحة التي لا يحتفظ بها إلا الأرهاببين، أو الذين لديهم صلة بهم... في كل مرة وأنا أقرأ خبراً عنهم أتذكر السجن في لعبة (مونوبولي) الشهيرة أو التي سميت في بعض الأوقات في العراق بلعبة بغداد... في هذه اللعبة هناك سجن يعاقب اللاعب لأرتكابه جنحة أو شيء من هذا القبيل على سبيل الفكاهة أو التشويق في اللعبة! في بداية اللعبة يكون السجن متعباً للاعب، ولكن عندما تستمر اللعبة وتبنى بيوتاً وفنادق كثيرة للخصوم (وتصبح الحركة في الشوارع صعبة ومكلفة كثيراً) فأن غالباً ما يكون السجن فترة راحة للاعب فهو يستقضي أجارات من خصومه عند مرورهم بشوارعه وليس عليه أن يدفع شيئاً لخصومه الكثار.

الآن الحركة في شوارع العراق صعبة جداً، ومكلفة كثيراً، ربما تكلف روحاً ونفساً، والمعيشة صعبة أيضاً نظراً للظروف الأمنية والبطالة...إلخ. فيبدو لي بأن من يحكم عليه بالسجن الآن، يكون فرحاً لخلاصه من كل تلك المشاكل، خاصة بعد أن سمعنا بأن السجناء تقدم لهم وجبات طعام من الدرجة الآولى، وليس عليهم أية واجبات عليهم القيام بها... فهي كما يبدو من الأحكام فترات الستة أشهر أو السنة يتنفس بها السجين الصعداء لخلاصه من الموت عن طريق الأرهاب المتعدد الجنسيات والوجوه.

يبدو أن الديمقراطية في العراق قد فهمت بشكل خاطئ، وحقوق الأنسان قد أتت في وقت هي بالتمام ليس وقتها، مع أني والكثيرين من الأهل والأصدقاء من المناصرين والمطالبين بتلك الحقوق، وطالما فعلنا الكثير لأجلها... ولكن ما أراه هنا على سبيل المثال في أوربا. فالأنسان يتمتع بكامل حقوقه، حيث العيش الكريم كأنسان (طبيعي!) لديه وعليه واجبات، لا معاناة من الكهرباء أو الماء أو النقل أو أي شيء آخر مما يعانيه الفرد العراقي الآن، أيضاً لديه الحرية الكاملة بالتمتع بهذه الحياة الجميلة الرغيدة المرفهة إلى حد كبير، ليست لديه مشكلة بالحصول على طعام أو سكن، فأن لم يجد عملاً فلديه الحق بالحصول على الضمان والمساعدة الأجتماعية التي تضمن له العيش بكرامة. فالسجن بالنسبة له كارثة حتى لو كان لأسبوع واحد، فهو سيحرم من كل تلك الحقوق، حيث لن يتمتع بأية نزهة أو الذهاب إلى الديسكو مثلاً كباقي أقرانه! ولن يذهب إلى رحلة إلى الشمس مع صديقته التي لن يراها طوال أقامته في السجن. أضف إلى ذلك ما سيسجل وسيكتب في سجله المدني بعدما يخرج من السجن، وتلك ستلاحقه في كل مكان حيث يريد العمل أو ينظم إلى جمعية ترفيهية أو أي شئ من هذا القبيل، فالكمبيوتر والأنترنت في كل مكان، وفي كل دائرة، وفي كل سوق، وتلك الصفحة السوداء التي تلطخ بها سجله من الصعوبة يتم نسيانها أو مسحها أو شطبها من سجله. فالسجن لمدة ستة شهور أو سنة فعلاً مجدية لمعاقبة المجرم وتهذيبه في نفس الوقت.

على العكس تماما ما نجده في العراق، فليس هناك كمبيوتر أو أنترنت أو نظام ذكي ليتتبع ذاك المجرم. ولن يحرم من أية حقوق، فتلك قد حرم منها كل الشعب. ولن ير فرقاً قبل دخول السجن أو بعده، بل ربما يكون الفرق لصالحه تماماً حيث تكون ربما بعض المشاريع قد أنجزت، أو تكون قد تحسنت بعض الخدمات مثل الكهرباء والماء، فيأتي هو على الجاهز كما يقال ليجد كل شيء مهيئ له لأستقباله وبالأحضان... ولن يكون بحاجة (لتجميده!) لبضعة سنوات حتى يتحسن الوضع، فالمحكمة الجنائية المركزية العراقية تقدم له تلك الخدمة مجاناً، بدلاً من أن تعاقبه وتجعل العقوبة أيضاً رادعاً لهؤلاء القتلة.

أفلا نتسائل هنا عن الرادع القوي الذي يجعل المجرم يفكر مائة مرة قبل أقدامه على فعلته النكراء؟ وهم الذين قد تعودوا على رؤية الدم والقتل كما يبدو، وكما كان يفعل سيدهم وقائدهم وأعوانه بالتمتع بمشاهدة لقطات التعذيب والسادية التي كانوا يمارسونها على من يخالفهم الرأي؟ ألا نتذكر بأن الأعدام أصبح غير مجدياً في زمن الطاغية، حتى أخترع التشويه الخلقي الذي ربما يكون رادعاً ويلتحق المظلوم في جيشه اللعين!؟
ألا يفكر المسؤلون بأن الأجراءات القضائية الآن ليست مجدية، وأما ذاك التعطيل بأحكام الأعدام حتى يوقع عليه المجلس الفلاني والمجلس العلاني، فإلى أن يصل الحكم مرحلة التنفيذ يكون المجرمون قد عاثوا فساداً في الأرض وجهزوا عشرات السيارات المفخخة، وألتحق بهم العشرات من النفوس المريضة العفنة كي تفجر أجسادها القذرة لقتل العراقيين الأبرياء...

يا جماعة والله العظيم كلنا مع حقوق الأنسان، وضد أحكام الأعدام، ومع الأجراءات المتأنية في التحقيق والقضاء، وغيرها من الأجراءات، حتى لا يذهب فيها برئ، ونظل نلعن ونعض أصابع الندم... ولكن لكل حادث حديثه ولكل وقت أجراءاته. فما نقرأه في التاريخ الأوربي مثلاً يخبرنا بكل وضوح بأن الحكومات في بداياتها كانت متعسفة وقاسية بأحكامها ضد كل من كان يريد أن يؤخر تقدم الدولة، أو يريد العبث بأستقرارها. وهناك أمثلة كثيرة لا يسع الوقت لذكرها. بل أن الكثير من الدول الأوربية أعادت النظر بقرار الحكم بالأعدام عندما أخل بأمنها، أذكر هنا منها هولندا عندما قتل السياسي المثير للجدل (بم فور تاون) في سنة 2003 بعدما كان قاب قوسين أو أدنى من الفوز بالأنتخابات البرلمانية. وأيضاً أعيد النقاش بهذا الموضوع بعدما قتل المخرج الهولندي (فان خوخ) على يد الأرهابي المتطرف المغربي محمد البويري، الذي حكم عليه مؤخراً بالسجن مدى الحياة في زنزانة منفردة، لخوف الحكومة من أن يؤثر بعقليته المتخلفة، المخربة على الآخرين... والذي هو لم يعتبر بأن الحكم عليه بالمؤبد هو عقوبة حقيقية!
أذن أليس على الحكومة العراقية أن تواجه وتضرب فعلاً الأرهاب بيد قاسية من حديد وعلى كل من يبدي أي تعاوناً معه؟ وعليها أيضاً أن تفكر ملياً بهذه الأحكام والأجراءات؟ لا سيما وأن الحكومة جديدة بكل المقاييس، وتواجه أرهاباً لم ير التاريخ مثيلاً له، مثلما لم ير التاريخ دكتاتوراً طاغية كسيد الأرهاب صدام حسين.









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نشرة الرابعة | متطوعة سعودية تلفت الأنظار.. ولاجئون يسمون مو


.. الترحيل إلى رواندا.. هواجس تطارد المهاجرين شمال فرنسا الراغب




.. نشرة الرابعة | النواب البحريني يؤكد على استقلال القضاء.. وجه


.. لحظة استهــ ــداف دبـ ـابة إسرائيلية لخيام النازحين في منطقة




.. عشرات المستوطنين يعتدون على مقر -الأونروا- بالقدس وسط حماية