الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التحليل السياسى لنظام ما بعد 30 يونيو

أحمد محمد أنور

2014 / 6 / 29
مواضيع وابحاث سياسية


فى سياق التحليل السياسى لبعض مسارات السياسة العامة للدولة المصرية بعد عزل الرئيس الأسبق محمد مرسى ، وإزاحة نظام الاخوان ، ومرور البلاد بمرحلة انتقالية ثانية كُتِبَ فيها دستور مصر الجديد الذى استُفتى عليه الشعب ، ثم جرت خلالها انتخابات الرئاسة المصرية التى أسفرت عن فوز وزير الدفاع المستقيل عبد الفتاح السيسى بمنصب الرئيس يونيو الجارى ، قد يبدو من المبكر القيام بمحاولة للتحليل السياسى - بمنحى براجماتى - للنظام القابض على زمام السلطة فى مصر ، غير أن هذا التناول يبقى على جانب كبير من الأهمية إذا حاولنا أن نتتبع منهج الرشادة فى التعامل مع ملفاتنا الوطنية ، وإذا حاولنا أن نتفهم قضايانا ومشكلاتنا تفهُمَاً موضوعياً سليماً ، ومن هذا المُنطلق ، يمكننا أن نتعرض بإيجاز لبعض الملاحظات التى يمكن أن تعتبرها فاقدة القيمة عديمة الجدوى كلما انتفخت أوداج أحدهم واختلف مع كاتب السطور.
جاء خطاب السيسى الأول عند تنصيبه خطاباً عاماُ شاملاً ، جامعاً مانعاً فى رصده لأزمات الوطن المُزمنة ، وهى أزمات من الكثرة والتفاقم بمكان ، يتعذر معه الجهل بها إلا من كل ذى عقل غافل أو ضمير مُتكَسِر ، وقد عرض السيسى للكثير من الآمال والطموحات التى من المكن أن تشكل فصلا جديدا فى علاقة الحاكم بالمحكوم فى بلادنا الطيبة ، والتى قد تعطى دَفعة للأمام فى المجال الاقتصادى والأمنى على وجه الخصوص ، لا سيَّما بظهير شعبى قوى يُفترض وجوده فى المعادلة السياسية القائمة ، كما تعرَّض الخطاب للأنساق الثقافية والقيمية للمجتمع المصرى ، ودور الدولة فى الحفاظ على الهُوية الثقافية للمجتمع ، ودور المؤسسات الدينية التقليدية – الأزهر والكنيسة – فى بناء خطاب دينى قوى ومتماسك ومتواكب مع العصر ، لكن منذ متى كانت الخطابات السياسية للرؤساء هى كل شىء ، فكل الخطابات مهما اشتد رونقها ، ومهما بلغ منطق تعبيرها ، تظل حبراً على ورق ما لم تؤيدها سياسات عامة تحدد ملامح الدولة وخطة عملها فى المجالات كافة .
ومن هذه النقطة يمكن أن ننطلق بحُرية فى هذا التحليل ، فالسيسى لم يُقدم لنا أى رؤية متماسكة لأىٍ من مجالات العمل العام فى مصر ، وجاء برنامجه الانتخابى – أقصد مقابلاته الإعلامية حيث لم نعرف له برنامج انتخابى بالمعنى المُتعارف عليه – شاحباً ارتجالياً ضعيف البُنيان ، والرجل لم يجاوب على الأسئلة الرئيسية التى تمثل الركائز الأكثر أهمية فى الجسد المصرى المُثقل بالأزمات ، بل جاءت كل أطروحاته مجرد آراء عاطفية غير واقعية أو قابلة للتطبيق ، غير قابلة للقياس والتقويم ، وتفتقد للجانب العلمى ، فالسيسى الذى قدَّم أرائه القيِّمة فى مشكلات مثل البطالة والرعاية الصحية ومنظومة الأجور ، لم يقل لنا ما هى خُطته فى مواجهة مشكلات النظافة والمرور والأمن والعدالة الاجتماعية وتوفير وجذب الاستثمارات وانقاذ الاقتصاد ، لم يقل لنا كيف ستخرج مصر من هذا المستنقع السياسى والاحتقان الداخلى والانقسام الشعبى والتدهور الاقتصادى ، هل بالتبرعات تُدار اقتصادات الدول الكبرى ، أم بتسول معونات الكفيل الخليجى ، أم بتأميم أصول وممتلكات بعض رموز النظام السابق بغير حكم قضائى ، والامتناع عن نفس الشىء مع رموز النظام الأسبق الأكثر فساداً ، لم يُقدم السيسى أى رؤية على الاطلاق للمصالحة بين طوائف المجتمع المتناحرة والغارقة – بفضل نخبتها الساهرة فى الإعلام – فى أتون الانقسام ، وقد يتناسب هذا الطرح مع ما تردد عنه ، من كونه مرشح الدولة الرسمية ، أو مرشح القوات المسلحة ، التى ارتضت أن يؤول وضعها الى الحد الذى توضع فيه صور الدعاية الانتخابية لمرشحها على أسوار وجدران وزارة الدفاع ، وكل ما يمكن أن يُقال عن الرئيس ، يُقال عن أعضاء حكومته النجيبة ، فقد ظل الإفلاس الفكرى وغياب الأيديولوجية ، هو السمة البارزة والمشتركة بين معظم الحكومات التى تتابعت على السلطة فى مصر بعد ثورة يناير ، واذا كانت هذه هى السمة التى غلبت على مراحل انتقالية فاشلة مرَّ بها الوطن ، إلا أنه يبقى من غير المقبول استمرار هذه الحال ، خصوصا بعد انتخاب رئيس ظل الإعلام ينقل لنا كل حركاته وسكناته منذ الثالث من يوليو الماضى وحتى كتابة هذه السطور ، وطفق يتغنى بعبقريته وزعامته وانجازاته التى لا نعرف عنها شىء .
واذا أردنا أن نُفَصِلَ لهذا الأمر ، فإننا يمكن أن نعرضَ لبعض الأمثلة التى توضح هذه الآفة ، آفة غياب الرؤية فى برنامج عمل هذه الحكومة ، شأنها فى ذلك شأن حكومات عاطف عبيد ونظيف وقنديل ، فعلى سبيل المثال ، ورغم كل ما قيل من جانب المتخصصين عن كم الاعوجاج الحاصل فى منظومة الدعم ، ورغم أن الدعم فى مجال الطاقة بصورته الحالية يلتهم حوالى 128 مليار جنيهاً مصرياً من إجمالى قيمة الموازنة العامة للدولة ، وهو مبلغ ضخم بالمقارنة بدعم السلع الاستراتيجية الأخرى ، حيث يشكل هذا الكم عبئاً كبيراً على الدولة وعلى ميزان المدفوعات ، ويخصم من رصيد المواطن المصرى فى حياة كريمة وتعليم راقٍ ورعاية صحية جيدة ، نجد وزير البترول والثروة المعدنية المهندس شريف اسماعيل يُصَرِح على هامش زيارته لمحافظة كفر الشيخ منذ ما يزيد عن أسبوع قائلاً "إلغاء دعم الطاقة كلياً صعب حالياً" ويستطرد قائلاً أنه من الصعب إلغاء دعم الطاقة فى الفترة – الثورية – الحالية ، وذلك مرده لا الى نفوذ رجال الأعمال مثلاً ، وأدوات الضغط التى يمتلكونها على الحكومة فى قطاعات واسعة من النشاط الاقتصادى مثل الأسمنت والحديد واللحوم ، حيث يطغى منطق رأس المال وتسود الاحتكارات ، ولكن يرجع حسب تصريح السيد الوزير الى "إن هذا الدعم مرتبط بالعديد من الضوابط منها مستوى معيشة الفرد ونسبة البطالة وفرص العمل المتاحة ومستوى دخل المواطن" وأترك لك عزيزى القارىء الحق فى التعليق.
وإذا كانت الحال على هذا المنوال ، فإننا يمكن أن نتابع سيلاً من التصريحات التى يمكن أن نسميها "تصريحات المقاعد الوثيرة" التى يطلقها المسئولون دون مُراعاة حق هذا الشعب فى صون أدمغته من تعبيرات مُتهالكة وتصريحات مُستهلكة وحكومة تحتاج الى من يرممها فكرياً ، فمثلاً تحدث وزير الاسكان عن نيته العبقرية فى ضرورة وجود شبكة طرق واستغلال الموارد لنشر التنمية والخروج من الوادى الضيق ، بينما أشار وزير الخارجية الفذ سامح شكرى الى أن "مصر تستعيد دورها فى المنطقة وأن نجاح المسار الداخلى يُعزز قدرتها الخارجية" ، لكنه لم يوضح لنا على أى أساس تستعيد مصر دورها فى الاقليم فى الوضع الراهن ، حيث تتفتت العراق ، وتتمزق أوصال ليبيا ، بينما تتباهى مصر بعودتها الى قارة أفريقيا ، دون أن تشعر بأدنى قلق أو حرج من حضور اسرائيل القمة الأفريقية ، فى حين يعربد ليبرمان وزير الخارجية الاسرائيلية كما يشاء فى دولة مثل غانا وغيرها من دول القارة مُوطِداً علاقات بلاده بهم واعداً إياهم بشراكة حقيقية – غالباً ما تكون مُخابراتية وأمنية وعسكرية وتكنولوجية – على غرار ما حدث مع الأثيوبيين والكينيين منذ أمد ليس بالقريب ، وربما تجلت هشاشة التصريح المصرى بوضوح شديد فى اجتماع وزير الخارجية المصرى ونظيره الأمريكى جون كيرى ، حيث أحس الجميع أن نظام ما بعد 30 يونيو يُغرِق مصر فى وحل كامب ديفيد ، فالنظام يتبدى بلا أنياب ويسير بثقة وإصرار على هدي نظام مبارك ، فهذا التصريح يُذكرنى بتصريح وزير الخارجية الأسبق أحمد أبو الغيط فى بداية عمله حيث قال "إن مصر لن تسمح بإمتلاك سلاحاً نووياً فى الشرق الأوسط" فى اشارة الى ايران ، لكنه لم يقل لنا حتى الآن ما الذى كان من الممكن أن يفعله ، أما النصف الآخر من التصريح والذى يقول فيه "أن نجاج المسار الداخلى يُعزز قدرة مصر الخارجية" وعلى الرغم من بداهته المنطقية ، إلا إنه يظل حُلماً بعيد المنال ، ما دام نظام الحكم فى مصر يتعامى عن الشرخ الحقيقى الحادث فى التربة المصرية بعد كل هذا القمع والاعتقال واستئصال تيار كبير فى المجتمع مثل تيار الإسلام السياسى ، رغم كل عِلاته وأمراضه ، وما دام النظام يحارب الفكر بالبطش والرصاص بينما ينتهج نفس منهج الاسلام السياسى مُوظفاً مؤسساته الدينية لخدمة أهدافه السياسية ، دون أن يسعى فى محاولة إصلاح حقيقية فى بنية المجتمع المصرى .
وفى إطار تحليل السلوك السياسى المصرى على المستوى الخارجى ، وجدنا إلتحاماً عربياً مع الخليج العربى ، ثم تعزيز العلاقات وتبادل الزيارات الرسمية مع روسيا وأفريقيا والبقاء على التوازنات الاقليمية برُمَتها دون تغيير ، فلم يمَل النظام على لسان السيسى من الحديث ليل نهار عن المحافظة على معاهدة السلام المصرية الاسرائيلية ، فضلاً عن صيانة الزواج الاستراتيجى بين مصر والولايات المتحدة وبخاصة بين البنتاجون والقوات المسلحة ، وكان أول تصريح للسيسى بشأن تداعيات زلزال العراق ، بأن مصر الدولة "لن تتدخل فى شئون الدول الأخرى فى الاقليم" ، سيراً على هدى نظام مبارك ، ورغم خطورة التظيمات المسلحة والمتشددة التى تكسب كل يوم أرضاً جديدة فى العراق بفضل سياسات النظام الطائفى الحاكم هناك ، بما يشكل امتدادً للحقبة الرمادية التى سادت عصر ما قبل 25 يناير ، حيث التزمت الدولة المصرية المترهلة بالتقوقع داخل ذاتها بعيدا عن مشكلات الاقليم التى كانت تؤثر تأثيرا بالغاً ولا تزال على أمننا القومى ، وعلى صفحات الشروق بتاريخ 17 يونيو 2014 ، نشرت الصحيفة خبراُ بعنوان "تعزيزات مصرية على الحدود مع غزة بعد خطف 3 اسرائيليين" وقد ذكرت الصحيفة "أن مصدر عسكرى مصرى صرَّح للإذاعة العبرية أمس الأول – يعنى يوم 15 يونيو الجارى – بأن الجيش المصرى عزز من قواته المتمركزه على امتداد الحدود مع قطاع غزة وخاصة فى منطقة صلاح الدين وحى البراهمة غرب مدينة رفح المصرية .. المصدر المصرى الذى لم تكشف عن هويته الاذاعة أوضح أنه تم نشر آليات عسكرية ثقيلة بمحاذاة الحدود ، فى المقابل أوضح مصدر عسكرى اسرائيلى آخر لذات الاذاعة بأن الرئيس عبد الفتاح السيسى يعمل من وراء الكواليس سعباً لإيجاد مخرج لقضية اختطاف الشبان الاسرائيليين الثلاثة ، مُشيراً الى أن هناك تنسيقاً مصرياً – اسرائيلياً حول هذا الشأن" ، الى هنا انتهى الخبر الذى نشرته جريدة الشروق ، ورغم كل ما يمكن أن يُقال عن السياسة الخارجية المصرية الراهنة ، وبداهة عدم تبلور توجه سياسى مصرى قوى يفرض نفسه وسط قضايا الاقليم المتشابكة ، إلا أن السلوك السياسى للقيادة المصرية سياسياً وعسكرياً وأمنياً ، يأتى دائماً تعبيراً عن رؤى وفلسفات قامت الثورة من أجل إزاحتها ، كما يأتى فى كل مناسبة تكريساً لمنحى ما قبل 25 يناير ، وتثبيتا لأسفار كامب ديفيد فى العقيدة السياسية المصرية ، ولا غرو وقد أتى هذا النظام بقوة السلاح ، وفوق آمال كثير من شباب هذا البلد ، وعلى حُطام ودماء المئات من جنود الأجهزة الأمنية وشباب الحركات الثورية والتيارات الاسلامية عبر السنوات الثلاث العجاف الماضية ، ولعل الله يُحدِثُ بعد ذلك أمراً والله أعلم .
القاهرة فى 29 يونيو 2014 .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هكذا دخلت شرطة نيويورك قاعة هاميلتون بجامعة كولومبيا حيث يت


.. وزير الدفاع الأمريكي يقول إن واشنطن ستعارض اقتحام رفح دون خط




.. وقفات احتجاجية في جامعات الكويت للتضامن مع غزة


.. وزير الخارجية الأمريكي: إسرائيل قدمت مقترحات قوية والكرة الآ




.. الجيش الإسرائيلي ينشر مشاهد قال إنها لتجهيز فرقتين للقتال في