الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


طفلٌ يحضن و طفلٌ يشفي ..لكن متى سيلعب؟؟

مارينا موسى رزق

2014 / 6 / 29
الصحة والسلامة الجسدية والنفسية


طفلٌ يحضن و طفلٌ يشفي ..لكن متى سيلعب؟؟؟

في قاعة الانتظار في عيادات الكبار، عرّفتني مريضتي مليكة على ابنتها ذات السنوات الثلاث بفخر....
أول شيء قالته لي الصغيرة: أريد أن أشفي الناس ....!!
لم تقل ذلك لأنها تريد أن تصبح "دكتورة" ... حلم الأطفال في بلادنا ... لا علاقة لحلمها بالموقع الاجتماعي أو بالسلطة أو المال...
طفلةٌ في الثالثة من عمرها تريد أن تشفي...!!

الحَضن و الحماية و الشفاء هي من صفات الأهل و ليس الأطفال..!
الأبوان يحضنان الطفل ويحميانه وليس العكس.
طبعاً يمكن للطفل في حالاتٍ خاصةٍ أن يتجاوزَ الحاجز الفاصل بين الآباء و الأبناء صعوداً، لكن ما إن تنتهي هذه الحالات حتى يعود إلى مكانه الطبيعي.
مثلاً: تتعرض الأم لحالةٍ مرضية تتطلب بقاءاً في الفراش لفترة معينة من الزمن. يبدأ عندها ابنها ذو السنوات التسع بترتيب الأشياء في البيت و حمل الطعام إلى أمه و ربما المساعدة في التنظيف... لكن عندما تتحسن الأم و تعاود مزاولة واجباتها يتوقف الطفل و يعود إلى موقعه كطفل.
مثال آخر: يسافر الأب في رحلةٍ طويلةٍ، فيبدأ الطفل بالاهتمام بتفاصيل حياة الأم و بقضاء بعض واجبات الأب الغائب، كأن يشتري الخبز مثلاً، أو يحمل الأشياء إلى السيارة، أو ينام في غرفة الأم. ثم يتراجع كلّ هذا عند عودة الأب من سفره.

ابنة مريضتي هي طفلة تجاوزت الحدّ الفاصل بين الموقعين، وبقيت في موقع العناية بوالدتها...
الوضعٌ مريحٌ حالياً للأم التي تعاني من مشاكل عديدة نفسية واجتماعية، لكنني أعلم مما رأيته في عيادات الطبّ النفسي للأطفال أن تطور الطفل وتطور العلاقة في مثل هذه الحالة سيءٌ للغاية....

العلاقة بين والد/طفل ليست علاقة متناظرة، فليس هناك أي تشابه بين ما يطلبه و يقدمه كلّ طرف فيها.
الطفل يطالب بتلبية حاجاته و تخفيف الانزعاج الذي يحدث في حياته، يطالب بالحليب /الطعام في حالة الجوع، تغيير الثياب المبلولة، إرواء العطش، تخفيف الألم أو الحرارة.... وواجب الوالد هو تلبية هذه الحاجات وإيقاف حالة الانزعاج لدى الطفل والعناية به.
إن طريقة تلبية حاجات الطفل، سرعة التلبية، نوعية الجواب العاطفي الذي يقدمه الوالد .... له دور هام في تكوين شخصية الطفل.
العلاقة بين والد/طفل ليست علاقة عكسيّة، فليس بمقدور الطفل، و لا هو من ضمن واجباته، أن يلبّي حاجة الوالد، كما يفعل ذاك.
هناك جانب عاطفي هام في علاقة العناية، كأن يساعد الوالد الطفل في التخفيف من قلقه أو خوفه أو حزنه، فيكون داعماً له و متفهماً لما يحصل معه. و هناك طبعاً مجرد حاجة الطفل إلى القرب من الكبير دون سببٍ آخر.

عندما نتحدث عن "الوالد" الذي يلبي حاجات الطفل لابدّ من توضيح بعض الأمور: المعني بتلبية حاجات الطفل قد يكون أي شخص قادر على فعل ذلك على أن تكون في هذا الفعل استمرارية ومصداقية وإمكانية اعتماد الطفل على هذا الشخص.
"الشخص المعتني" بالطفل يمكن أن يكون فرداً واحداً و يمكن أن يكون عدة أفراد. يمكن أن يكون هو الأم أو الأب أو الجدة أو أحد الأخوة أو الأقارب. لكن هناك شخص معتني مميز في حياة كلّ طفل و هو عادةً والدته لعوامل كثيرة من جهة الطفل و من جهة الأم عادةً.

هكذا تكون العلاقة في توازنها، طفل يطلب العون و "شخصٌ معتني" يلبي طلبه، متيحاً له أن يشعر بالطمأنينة وبأن هناك من يسمعه و هو جاهزٌ لمساعدته عند الحاجة. يكون الطفل في البداية بحاجة إلى القرب الجسدي مع "الشخص المعتني"، ثم يكتفي، كلّما كبر، برؤيته، ثم سماع صوته.

عندما يحسّ الطفل بالأمان و أن "الشخص المعتني" حاضرٌ معه دوماً، يخرج من دائرة حاجاته الضيقة و يبدأ باستكشاف العالم من حوله، فيبدأ باستخدام حواسه و من ثم حركاته و أفعاله، هذا الاستكشاف يسميه الكبار لعباً، وهو عمل الطفل الأول و الضامن الرئيسي لعلاقةٍ سليمةٍ مع الدنيا من حوله.
كلّما كبر الطفل اتسعت دائرة الاستكشاف، و استطاع الابتعاد شيئاً فشيئاً عن "الشخص المعتني"، أي أن قطر دائرة الأمان يتسع، سامحاً للطفل باستكشاف حسّي، معرفي، سلوكي للعالم من حوله، حتى يستطيع أن يكبر فيه.

إن المسافة التي تظل بين الشخص المعتني و الطفل خلال الاستكشاف تختلف بين الأم والأب.
فقد عُرف عن الأمهات محافظتهنّ على مسافة جغرافية قريبة من الطفل و على تمّاس فيزيائي معه أكثر من الأب.
وهكذا ذُكر أنه عندما يلعب الطفل في الحديقة العامة، تظل الأم قرب "الزحليطة" مثلاً على استعداد لتلقي الطفل عند انزلاقه ولو لم تتلقاه فعلاً في كلّ مرة ينزلق فيها. أما الأب فيكون على مسافة أبعد فيزيائياً من الطفل لكنّه يحتفظ بوضع المراقب اليقظ، مهتماً بكلّ خطر قد يتعرض له الطفل. وهكذا يلعب كلا الأبوين دور حامي الطفل لكن بطريقته الخاصة.
وبإمكاننا هنا أن نقول أن الطفل الذي تتاح له فرصة اللعب مع أبيه هو طفلٌ يستطيع الاستكشاف بطريقة مرنة أكثر من طفل لا يلعب إلا مع أمه و بوجودها.
في حين تكون العلاقة الأولية عادةً مع الأم أكثر من مع الأب، يأتي دور الأب لاحقاً عندما يتجاوز الطفل سناً معينةً.
إن الطفل الذي يمكن وصف علاقته مع أمه بالآمنة هو طفل يفهم مشاعره جيداً، بينما الطفل الذي علاقته آمنه مع أبيه يكون مرناً في علاقته بالدنيا، لديه أصدقاءٌ أكثر والاستكشاف أسهل بالنسبة له.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كيف تساهم ألمانيا في دعم اتفاقية أبراهام؟| الأخبار


.. مروان حامد يكشف لـCNN بالعربية سر نجاح شراكته مع كريم عبد ال




.. حكم غزة بعد نهاية الحرب.. خطة إسرائيلية لمشاركة دول عربية في


.. واشنطن تنقل طائرات ومُسيَّرات إلى قاعدة -العديد- في قطر، فما




.. شجار على الهواء.. والسبب قطع تركيا العلاقات التجارية مع إسرا